8 مارس يوم المرأة العالمي، 16 مارس يوم المرأة المصرية، 21 مارس عيد الأم ولا يزال الحديث عن المرأة ووضعها فى المجتمع وخاصة فى الدول النامية عموما حديثا ذا شجون.
وواقع المرأة المصرية تحديدا يتعرض للكثير من الجدل تارة حول صور التمييز الثقافى والاجتماعى ضد المرأة، وتارة أخرى حول إمكانات وفرص المشاركة السياسية للمرأة، وعلى تعدد التساؤلات المطروحة هناك دائما السؤال الأكثر طرحا وهو كيف ينظر المجتمع إلى المرأة؟.
وهل بعد كل النضال الذى قامت به العديد من الجهات والمؤسسات التنويرية فى المجتمع نستطيع أن نقول إن العدالة أخذت مجراها، وأصبحت المرأة كائن له كل الحقوق وعليه كل الواجبات دون تمييز؟، وإن لم يكن قد حدث هذا ما هى القيود الاجتماعية والثقافية التى تعوق حركة المرأة فى الحياة؟، وكيف يمكن القضاء على صور التمييز ضد المرأة؟، وما هى القضايا الشائكة والملحة التى تواجه المرأة اليوم؟، سواء قضايا (العمل، المشاركة السياسية، القضايا المهنية).
ما الآفاق المستقبلية للحركة النسوية فى مصر؟، كيف يمكن أن تخرج المرأة من بوتقة التطرف والتشدد الثقافى؟.
كل هذه التساؤلات دعت شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب لطرح هذا الموضوع فى المنتدى الذى تقيمه مرة كل شهر حول قضية تمس صميم المجتمع وكانت قضية هذا الشهر هى “المرأة المصرية وجدل التمييز والمشاركة”.
ورغم اختلاف تخصصات المتحدثين إلا أن المناقشة كان علم الاجتماع وتحليل وضع المرأة من الجانب الاجتماعى، والثقافة المجتمعية هو الطابع الغالب فيها.
برزت قضية العنف ضد النساء على قمة الأجندة الدولية والتى سعت لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة فى دول العالم ولا يزال مسلسل العنف مستمرا فلماذا؟.
كان أبرز المتحدثين:أ.د. أميمة أبو بكر مديرة منتدى المرأة والذاكرة، أ.د. هدى عبد المنعم أستاذة علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق.
عقب على المنتدى أ.د. أحمد زايد العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة القاهرة.
وكان الحديث عن العنف ضد المرأة على أرضية ثقافية نصيب الأسد.
وأبرز ما جاء فى حديث الأستاذة الدكتورة هدى زكريا حيث قالت: العنف الموجه ضد النساء فى معظم المجتمعات الإنسانية مفتاحه هو تقسيم العمل والأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء. (Division of labor) على أساس الجنس وليس المهارة أو البراعة فى الأداء، فحظى الرجال بالأدوار المهنية مقابل أجر مهما كانت تفاهتها وضآلة دخلها، والأدوار الخدمية من نصيب النساء، العناية بالمنزل، إعداد الطعام، رعاية الأطفال وكلها أعمال بدون أجر، ومن هذا المنطق على الرجال أن يعولوا النساء اللاتى يقمن بخدمتهن وبالتالى صار للرجال حق التعنيف والتوبيخ والتأديب، وعلى النساء قبول العنف بكل أشكاله كحق رجالى يكفله المجتمع فيقول الناس من حق الرجل تأديب زوجته “إللى أنيها” ومن حق الشاب تأديب أخته.
أولا سيادة ثقافة العنف لإحسان تربية الأنثى “إكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين”، ومفهوم العنف ضد النساء بدأ ضيقا يقتصر على العنف الجسدى، ثم أخذ يتسع ليشمل كما تعرفه الأمم المتحدة أى فعل أوعنف قائم على أساس التمييز النوعى وينتج عنه ضرر بدنى أو معاناة للنساء بما فى ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، وإجبار النساء أو حرمانهن من الحرية بصورة تحكمية سواء جرى ذلك علنا أو فى الحياة الخاصة.
ووفق هذا التعريف العنف يشمل كل أشكال الاعتداء البدنى والتهديد به.
وكل أشكال الاعتداء اللفظى، وحبس المرأة فى المنزل ومنعها من زيارة أهلها، والتحرش الجنسى واستغلالها جنسيا، كذلك عمليات الختان بواسطة القابلة أو الطبيب بحجة الحفاظ على طهارة الفتاة وعدم تجريم قتلها باسم الدفاع عن الشرف أو الشك فى سلوكها ولأن الثقافة الذكورية تسود المجتمع كله رجاله ونساؤه، فمن الملاحظ أن النساء تقع فى حالة من تزييف الوعى فترضخ لممارسات العنف وتبررها.
ثانيا: سيادة خطاب دينى انتقائى تغلب على مفرداته لغة ذكورية، يمارسه رجال دين يناصرون ببه المذهب الوهابى بمعنى أنهم يسوقون فى خطابهم كل الآيات التى تدعو لتأديب النساء وتعنيفهم انطلاقا من مبدأ القوامة، حيث يقول محمد قطب يتفرع من قوامة الرجل على المرأة حق الزوج فى تأديب زوجته الناشزة وهو الحق الذى تبينه الآية الكريمة “واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن فى المضاجع وأضربوهن”… إلخ من الآية الكريمة. والمفسرون لهذه الآية من الفقهاء يحولونها إلى سلاح يستخدمه الذكور فى ممارسة العنف على الزوجة والأخت، وفى بحث أجريته بعنوان التكلفة الاجتماعية للطلاق ذكرت المطلقات فى 99% من الحالات أن السبب الرئيسى للطلاق كان راجعا إلى العنف الذى مارسه الأزواج بطرق مختلفة، انقسمت إلى إجبار الزوجة على التخلى عن أجرها من العمل لينفقه الزوج على ملذاته أو لشرب المخدرات، كذلك خطف الأبناء لابتزاز الزوجة، منع الطعام والدواء عن الزوجة المريضة، ضرب الزوجات ضرب مبرح يؤدى إلى كسور مضاعفة.
ثالثا: ممارسات العنف ضد المرأة حتى من المؤسسة الطبية، إجراء التجارب الخاصة بتنظيم الإنجاب على المرأة فتصبح أجساد النساء حقلا مباحا لتجارب كل الوسائل (حقن، حبوب، لوالب) وأشياء أحيانا أدت إلى الإصابة بالسرطان أو العقم0
بينما نجد أن الرجل يتم تدليله، فإذا كان يعانى من أى خلل عنه مثلا نجد الأطباء يحاولون تجنيبه عقدة الخصاء النفسية ويمكن إعطاؤه الفياجرا، وهناك تطوير معملى يسعى لتطويرها للأفضل وتبيعه الصيدليات بأعلى الأسعار، بينما وسائل تنظيم الأسرة طالما أنها تؤدى دورها فى منع الإنجاب ليس مهما أن تصيب المرأة بالعقم أو السرطان وبنظرة سريعة إلى مراكز تنظيم الأسرة نجد غالبا المترددات عليها من النساء.
حتى عملية الختان التى تتم للذكر والأنثى فهى تتم على أساس التمييز بينهما. فالمجتمع الذى قسم الأدوار الاجتماعية الاقتصادية والثقافية بين الذكر والأنثى جعل من الرجل فاعلا اجتماعياـ ومن المرأة تابعا اجتماعيا، جعل من عملية الختان أيضا متضادة الغرض للجنسين. فختان الذكر يزيد من إحساسه للفعل الجنسى وسرعة استثارته، بينما على العكس ختان الفتاة يقتل فيها الاستثارة الطبيعية الجنسية، فحتى اللقاء الجنسى بين الرجل والمرأة يتم بين فاعل جنسى هو الذكر ومفعول به جنسى هو المرأة ليطمئن المجتمع بالتتميم على منظومة التمايز بين الجنسين.
رابعا: عنف الشارع
فلقد تبين من الدراسات أن التحرش الجنسى أو حتى محاولات الاغتصاب والتى حاول البعض تبريرها بالمعاناة من الكبت الجنسى لدى الشباب قد تمت من رجال متزوجين ويمارسون هذا رغبة فى العنف ضد المرأة وليس الجنس.
خامسا: العنف القانونى
نجد أنه مجرد تطبيق فقانون الخلع كنظام استلهمه فقهاء القانون من الشريعة الإسلامية فكان الرسول عليه السلام أول من قرر مبدأ الخلع، ومن أن بدأ تطبيق الخلع فى المحاكم حتى تفشت التهكمات وتصوير المرأة فى صفحات الحوادث على أنها تافهة وتطلب الخلع لأتفه الأسباب، فنجد خبر منشور زوجة تخلع زوجها لأنه لم يحضر عيد ميلادها وتبين الرجل المخلوع كأنه مسمار يتم خلعه من قطعة خشبية، مع أن صحيح الأمور أن المرأة هى التى خلعت نفسها من علاقة الزواج ومعظمها لأسباب تنبع من منطلق قانون التطليق للضرر.
سادسا: العنف المهنى
فلا تزال المرأة بعيدة عن المناصب القيادية والترقى الطبيعى فى كثير من المهن المتميزة كالطب والفن والمحاماة والإعلام والتدريس بالجامعات، فتقبع معظم النساء فى المستويات الإدارية الدنيا.
سابعا: العنف الإعلامى
فنجد مئات من الأعمال الدرامية المعادية للمرأة وتصوير المرأة المطالبة بالمساواة على أنها مسترجلة وجادة، وعدم وضعها فى صورة المرأة المسئولة، وأنها قد تكون مهملة فى حق أسرتها وزوجها، وإعطاء المبرر للزوج للزواج بأخرى لإهمال زوجته له وانشغالها بعملها خارج المنزل، وتجاهل آلاف من الأسر التى تظهر فيها المرأة كربة منزل قديرة وأم مثالية وعاملة تستحق أرفع المناصب ولكن خلفها زوج متفهم.
سابق عصره
أما الكاتبة الصحفية أمينة شفيق فركزت فى كلمتها على أن قاسم أمين حينما تحدث عن تحرير المرأة وخروجها للعمل والعدالة فى الميراث وضرورة حصول المرأة على حقها فى ميراث والديها مثل الابن الولد، كان سابقا لعصره لأنه كان فى وقت مازالت فيه تجارة العبيد وكانت المرأة تحت وطأة تجارة الرقيق، فماذا حدث منذ ذلك الوقت، فالأمور مازالت تسير ببطء شديد.
ولقد تابعت عن قرب فى مجلس الشورى المناقشات قبل صدور قانون الخلع لم يكن الاعتراض على الخلع فى حد ذاته كحق من حقوق المرأة ولكن لأن نسبة كبيرة من الرجال كان قد كتب الكثير من ممتلكاتهم باسم الزوجة، وقد يكون ذلك للتهرب من الضرائب مثلا، ولذلك قال أحدهم: أنا موافق على الخلع بشرط أن تتنازل المرأة عن كل ما تملكه.
وكان هذا عجيب لأنه من الممكن أن يكون مالديها قد ورثته عن والديها وليس ما كتبه زوجها.
حضر المنتدى عدد كبير من الإعلاميين والباحثين فى علم الاجتماع، والجميع أيدوا أن التمييز ضد المرأة بكافة أشكاله خطر يهدد المجتمع كله، لأن المرأة هى الزوجة والابنة والأم والأخت، ويجب أن تكون صورة المرأة فى الإعلام وفى المؤسسة التعليمية على أولويات الأجندة التى تدعو بشكل عملى لإلغاء كافة أوجه التمييز ضد المرأة.