من منا ليس بحاجة إلي مخلص..؟
إذا كان هذا التساؤل قد داعب عقول المفكرين
والفلاسفة وألهم المبدعين والشعراء في الزمن الغابر, فإنه يصبح اليوم أكثر إلحاحا وأعظم ابتغاء..سيما إذا كنا نعيش بدايات جديدة لعام جديد.
وقديما رأي المبدعون-شعراء ورائيون ومسرحيون-في الألم المخلص الأعظم.ذلك أننا عندما يعتصرنا الحزن وتنصهر ذواتنا في بوتقة الألم ينهزم داخلنا الجبروت لينتصر الإنسان الرابض في أعماقنا, ولانعد ننظر تحت أقدامنا,بل تنفتح أعيننا وترتفع مع قلوبنا إلي فوق ونصرخ إلي المراحم الإلهية لعلها تدركنا,حينئذ نتحرر من الأنا لنذوب مع الآخرين, ونشاركهم معاناتهم ومدي اشتياقاتهم للراحة والسعادة, فإذ بنا أكثر عمقا وأقوي إيمانا.
هذا وذاك طالما حدثتني به نفسي في الآونة الأخيرة, حيث اشتدت الحروب وتعاظمت الأزمات علي اختلاف أنواعها,ولأشد ما كانت سعادتي عندما حييت وشاهدت تلك الإشراقة التي يطل بها عام جديد,لكن سرعان ما عاودتني الآلام النفسية أشد ضراوة عندما تصاعدت حدة الدمار في غزة ووقع ناظري علي المشهد الدامي لأطفال ليس لهم أين يسندون رؤوسهم.
من منا ليس بحاجة إلي مخلص؟
من منا بمقدوره سوي الصمت أمام هيبة الموت؟
ولكن شتان بين جلالة الموت وفقا للطبيعة وبشاعة القتل.
لن نقترب من السياسة وحساباتها..ولن نطرح التساؤل:مين السبب في الحرب؟ علي غرار:مين السبب في الحب..القلب ولا العين؟
ولكنني أعترف لكم ولعلكم تشاركونني مثل هذا الاعتراف:
إن هذه المأساة هزتني جدا من الأعماق وأخذتني بعيدا عن آلامي وآمالي الخاصة,فعشت أوقاتا عصيبة لم يخفف منها سوي القرارات التي صدرت مؤخرا بوقف إطلاق النار,ليعلن معه أن العهد الذي قطعته مع نفسي منذ زمن بعيد,ألا وهو:فرحا مع الفرحين..وبكاء مع الباكين..هذا العهد سيبقي ما بقيت حياتي علي هذه الأرض.
فمن منا ليس بحاجة إلي مخلص؟.
إخلاص عطالله