8 مارس كان انتكاسة في مسيرة المرأة المصرية التي رافقت الرجل جنبا إلي جنب في ثورة 25 يناير.. ويبدو أنها خدعت عندما اعتقدت أن مشاركتها أعطتها شرعية الحقوق المتساوية في مجتمعها وظنت أنها عندما تدعو إلي مظاهرة مليونية في ذلك اليوم تساند مطالبها في يوم يحمل معني لأنه اليوم العالمي للمرأة ستجد أكثر من المليون يؤيدونها في المطالبة بتغير منظومة القوانين التي تحمل تمييزا ضدها ومطالبة بقوانين تحميها من التحرش والعنف ويرسخ حقوقها السياسية.
إلا أن ما حدث يومها أوحي بردة حقيقية عندما قابل الرجال المسيرة التي خرجت من أمام نقابة الصحفيين متوجهة إلي ميدان التحرير بمظاهرة مضادة ترفض مطالب المليونية النسائية بل هتفوا قائلين: أهم أهم أهم.. بنات سوزان أهم.. الستات عايزة إيه؟! هي خربت ولا إيه؟!.. الرجالة ساكتين ليه؟!.
والخطورة لم تكمن فقط في عدم الاعتراف بحقوق المرأة أو الرغبة في مساندتها بل كشفت الهتافات عن حقيقتين مريرتين – وهذا الأخطر – أولهما أن الفكر السلفي بدأ يقود الشارع المصري في الدعوة بعودة المرأة للمنزل!! والثانية ربط حقوق المرأة المصرية بسوزان مبارك وطالما سقطت سوزان تسقط مكتسبات المرأة!!
وهذا يفتح ملف خطير حول حماية هذه المكتسبات وتحريرها ممن يطلق عليهن في كل عهد سيدة مصر الأولي خاصة وبعد ظهور أصوات منادية بإسقاط بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية والتي تخص رفع سن حضانة الأبناء ومنها ما يهاجم قانون الجنسية والكوتة وغيرها.
قانون الجنسية جهد 14 عاما.. وسوزان اختطفته
تقول نهاد أبوالقمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة إن ما تبنته سيدات مصر الأوائل من قضايا المرأة ليس في مصلحتها نظرا لربط قضية المرأة بالسلطة القامعة, الدليل الوضع الحرج فيما يتعلق بالقوانين الخاصة بالمرأة التي كانت نتاج للحركات النسائية علي مدي سنوات طويلة ولا يؤخذ بها إلا بقرار من قبل السيدات الأوائل لإقراره كقانون ومن ثم خروجه للنور ومنها علي سبيل المثال قانون الجنسية الذي عملت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان علي إقراره منذ عام 1990 وبسببه دخل الكثيرون السجن باعتبارها قضية أمن قومي واختطفته سوزان مبارك بتصريح وتم تغيير القانون في عام 2004, أيضا قانون الأحوال الشخصية وترجع جهود تغييره إلي زمن هدي شعراوي ونبوية موسي.
فمن يصدق أن المرأة التي دفعت فاتورة الثورة بمشاركتها وموتها يتم تهميش دورها من جديد لإعادتها لعصور الردة حينما يرفض المجتمع مساندتها في المطالبة بحقوقها بحجة أن الوقت غير مناسب, متساءلة إلي متي سيتم التعامل مع المرأة من هذا المنطلق, وما الوقت المناسب من وجهة نظرهم حتي تطالب بحقها؟! بالتأكيد إن لم تحقق الثورة العدالة والمساواة سيختلف من وضع المرأة كثيرا.
ليست حقوقا فئوية
وتعتبر نهاد أن تهميش دور المرأة بعد الثورة مسلسل متصل الحلقات ملقية الضوء علي مسألة نزول عصام شرف رئيس الوزراء لميدان التحرير ليستمد شرعيته من الشارع المصري الذي كان يشارك فيه سيدات بجانب الرجل لدعمه ومساندته, في المقابل نجد تمثيل المرأة في وزارته يثير علامات استفهام كثيرة, ألم تكن هناك سيدات يصلحن للمساعدة في الخروج من الأزمة حتي يمكن الاستفادة منهن أم ماذا؟ أيضا ما حدث في ظل الحرص عند تشكيل لجنة الدستور أن يصبح بها قبطي وإخوانان فأين كانت المرأة في هذه اللجنة؟ فما نحتاجه هو وجود مشاركة حقيقية للمرأة في بناء هذا النظام باعتباره حقا مشروعا لها وليس من باب المطالبة بحقوق فئوية فهي قادرة أن تشارك وتعمل علي صنع القرار, وفي القريب ستصبح المرأة التي خاضت ثورة 25 يناير متحدية القيود الاجتماعية وقضت أيام بلياليها في الشارع أن تصل للسلطة بتكشفها الابتزاز الذي تعرضت له علي مدي سنوات طويلة, إلي جانب وجود حوار مجتمعي بين قوي منظمة لمناقشة مطالب المرأة في وجود حكومة تقبل وتسمع.
سن الحضانة.. دستوري وشرعي
تقول الدكتورة زينب رضوان أستاذة الشريعة الإسلامية والعضوة السابقة بمجلس الشعب إن سوزان مبارك لم تكن تطرح القوانين أو التشريعات لكن هذا كان يتم من خلال متخصصين لأنها كانت غير متخصصة وليس لديها الخبرة في مجال القوانين والتشريعات, لكنها فقط كانت تسعد باقتراحات البعض من المتخصصين ويتم نسب ذلك لها.
أما فيما يحدث الآن من جدل حول دستورية بعض القوانين خاصة فيما يتعلق بقضية الحضانة أشارت د. زينب رضوان إلي أن من ينادون أن تعود الحضانة للبنت عند 9 سنوات وللولد في عمر 7 سنوات, هذا غير صحيح لأنه من المفترض أن تكون الحضانة إلي المرحلة التي يكون لدي الأبناء الإدارك الكافي والوعي للاختيار, والفقهاء الذين اجتهدوا وفقا لمتغيرات السنين في عصور ماضية كانت اجتهاداتهم وقتها مناسبة لكنها غير ملائمة في عصرنا الحالي, فلقد حدد الفقهاء آنذاك حضانة البنت بـ9 سنوات وعللوا ذلك بأنها في هذه المرحلة تكون مؤهلة للزواج, وهذا غير معقول في الوقت الحالي فما قاله الفقهاء من قبل كان مجرد اجتهاد فهل نأخذ رأي الاجتهاد لعصور سابقة ونصر علي عودته بالرغم من أنه لا يتناسب مع وقتنا الحالي, في حين أن أبوحنيفة الذي نتبعه في مصر قال إن سن الحضانة هو سن الرشد, كما أن الإسلام بالنصوص الصريحة حدد ترتيب الحاضن في مرحلة الحضانة النساء أولا 12 فئة ثم يأتي الأب في فئة 13 والرجال من بعده, الآن يطالبون بأن ترتيب الأب في الحضانة يكون الثاني بعد الأم, ومن يقولون ذلك أعتقد أنهم يتحدثون من منطلق الاعتراض وفقط دون علم حقيقي بالأمور.
المحكمة الدستورية بيننا
حول الطعن في دستورية المكتسبات التي حصلت عليها المرأة قالت الأستاذة جورجيت قلليني أستاذة القانون الدستوري والعضوة السابقة بمجلس الشعب, إن كان البعض يري أن بعض الحقوق التي حصلت عليها المرأة غير دستورية فعليهم التوجه للمحكمة الدستورية العليا والطعن علي هذه الحقوق, هذا إذا كان لديهم منطق دستوري وأن يضعوا نصب أعينهم موضوعية الحق ويتجردوا من أي أسباب أخري.
تتساءل الأستاذة جورجيت: لماذا نربط بين مكتسبات المرأة والسيدة سوزان مبارك, فهي ساعدت المرأة في الحصول علي بعض الحقوق فقط لكن ما حصلت عليه المرأة جاء نتيجة لجهد طويل كما أن هذه الحقوق هي مطالب مشروعة وتقرها كل الدول للمرأة.
من الحقوق التي نادي بها وحققها المجلس القومي للمرأة حق الرجل في معاش أرملته, فهل سيطالب المعترضون علي مكتسبات المرأة بإلغاء هذا القانون لمجرد أن من طالب به المجلس القومي للمرأة الذي كانت ترأسه السيدة سوزان مبارك.
كما تطالب المقتنعين بمكتسبات المرأة بالدفاع عنها والتمسك بها وتطالب المعارضين والرافضين لها باتباع الطريق القانوني لأننا دولة مؤسسات ودولة قانون.
أرفض ربط إنجازات المرأة بسوزان مبارك
تقول فريدة النقاش الكاتبة والناقدة: أنا ضد رهن مكتسبات المرأة بسيدات مصر الأوائل, فما حصلت المرأة عليه من مكاسب جاء نتيجة لكفاح الشعب المصري كله والنساء خاصة, فالتعديلات التي أدخلت علي قوانين الأحوال الشخصية جاءت استجابة لمطالب المرأة منذ عهد السيدة هدي شعراوي, وتعديل قانون الجنسية ليمنح الجنسية لأطفال الأم المصرية المتزوجة من أجنبن هي نتاج كفاح استمر لأكثر من ربع قرن, كذلك قانون كوتة المرأة بالرغم من أن الطريقة التي نفذ بها كانت مشوهة وجري تصميمها لمصلحة الحزب الوطني وليس لصالح جميع النساء المصريات إلا أن هذا القانون جاء بعد عمل شاق من الحركة النسائية التي وضعته علي جدول أعمالها منذ الثمانينيات.
أرفض ربط إنجازات المرأة المصرية بسوزان مبارك أو جيهان السادات, فهما وقفن مع المرأة في الأوقات الحرجة, لكن تحقيق هذه الإنجازات جاء نتيجة لجهد ملايين النساء والرجال وليس لجهد زوجات الرؤساء.
ويمكننا أن نحمي هذه المكتسبات فنحن علي أعقاب مرحلة جديدة تزداد فيها الحقوق الديموقراطية قوة وأمامنا مطالب كثيرة ومكافحة الفقر بين النساء فهي الفئة التي تعاني من الفقر أكثر من كل فئات المجتمع, أيضا مكافحة البطالة فهي بين النساء ثلاث أضعاف الرجال.
أما بالنسبة لتعرض الناشطات اللاتي خرجن في مظاهرة بميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضي للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة للضرب وبعضهن للتحرش فهذا هو الصراع القادم في المرحلة المقبلة والذي سيتم علي عدة مستويات منها الصراع بين التقدم والتخلف فالأول تمثله مطالب النساء والطبقات الكادحة والثاني تمثله مطالب الجماعات السلفية والإخوان المسلمون, من مظاهر هذه الردة إعلانهم عن رفضهم لتولي امرأة أو قبطي لرئاسة الجمهورية وذلك فيه معاداة لفكرة المواطنة والحريات العامة, وعلينا أن نكافح لمواجهة هذا التيار.
عن عدم انخراط أفراد المجتمع في المظاهرة المليونية التي طالبت بها جمعيات المرأة فذلك لأننا علي أعتاب التحول الديموقراطي وعادة الكفاح الفئوي أو النوعي تكون مساحته محدودة إلي أن يلتحم بالكفاح العام للشعب, كذلك جاءت المشاركة نتيجة لوضع قضية المرأة في آخر جدول أعمال الحركة الوطنية المصرية, ولن يتم وضعها في ترتيب متقدم إلا بكفاح متواصل للمنظمات النسائية والأحزاب التقدمية.
ويري كمال مغيث الخبير التربوي أن مشكلة القوانين التي تخص المرأة أنها ارتبطت ذهنيا بسوزان مبارك ورغم أنها تقدمية إلا أنها كانت فوقية من قبل زوجة رئيس الجمهورية ولم تكن بسبب تغيير ثقافي حقيقي, لذلك فالمشكلة الأساسية التي تواجه القوانين التي تتبناها بشكل أو بأخر زوجات الرؤساء أن تغيرات القوانين تكون بتعليمات وليست من خلال تغير ثقافي حقيقي أو مزيد من الوعي, ولذلك فبالرغم من أن مثل هذه القوانين تكون في صالح المرأة بلاشك لكن الأفضل بكل تأكيد أن يتم التغيير ويبذل جهد في تغيير ثقافة المجتمع خاصة في الطبقات الدنيا.
حلم الرئاسة وارد
حول ما أثارته بعض مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة من تخوفات من أن نص المادة 75 التي تم تعديلها توضح أن الترشح للرئاسة مقتصر علي الرجال وأنه لا مجال لترشح المرأة تحدثنا إلي الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة وأحد أعضاء لجنة التعديلات الدستورية فقال: إن التعديلات الدستورية الأخيرة لن تمنع المرأة من الترشح كما ادعي البعض, وأن مسألة عدم ترشح المرأة للرئاسة غير صحيحة بالمرة لأن من حق المرأة الترشح لا يوجد أي نص صريح في المواد المقترحة بالتعديلات الدستورية يدل علي أننا نستبعد المرأة من الترشح للرئاسة, حيث إنه لا يتم حرمان أي فئة من الترشح دون نص صريح علي ذلك.
خلط العمل السياسي بالاجتماعي.. أجهض القضية
يقول محمد منيب – المحامي والناشط الحقوقي – إن مسألة تبني سيدات مصر الأوائل قضية المرأة جاءت في مصلحتها أم ضدها؟ تنحصر في أنه من حيث المبدأ من حق أي مواطن مصري الحديث عن قضايا بعينها والمشاركة في إنجاز ما يتصور أنه لصالح ما يدافع عنه, وبالتالي فهو حق مكفول لكل مصرية بما فيها زوجة رئيس الجمهورية لكن المشكلة تثور عندما يخلط اشتراك السيدة الأولي في العمل الاجتماعي الذي يتحقق من خلال زيادة النفوذ السياسي لتطوع النفوذ السياسية لتحقيق أغراض ورغبات السيدة الأولي تحت شعار أحلامك أوامر
وإشارة للأجهزة المختلفة لمحاولة إقصاء الفاعلات الحقيقيات عن الضوء حتي لا يصبح هناك مقارنة بين السيدة الأولي وغيرها من الناشطات الحقيقيات المصريات لتحدث النتيجة السلبية وهي القضاء علي المشاركة الحقيقية للمتطوعات بحق والراغبات بصدق في تحقيق إنجازات واضحة في قضية المرأة لحساب صورة افتراضية يلح بها القائمين علي أجهزة الدولة علي حساب المواطن المصري وهي أن السيدة الأولي هي المتبنية الوحيدة والمدافعة الحقيقية لحقوق المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية الأخري, وهو أمر خطير لذلك فإنني لست مع أحد للحرمان من المشاركة العامة ولكن علي كل من يشترك الالتزام بذات القواعد التي ينتهجها باقي أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة.
قلق حول مصير مشروع القراءة للجميع
ذكر منيب أن إجهاض مشروع ما بمجرد خروج السيدة الأولي مثل ما حدث مع مشروع النور والأمل الذي تبنته السيدة جيهان السادات بعدما كان من أجمل المشاريع لمساندة المعاقين وإعاد تأهيلهم نفسيا واجتماعيا لنتفاجئ أن المشروع انتهي بين يوم وليلة بمجرد تولي مبارك الحكم وأصبحت سوزان مبارك السيدة الأولي لمصر, والأمر كذلك يشوبه القلق بشأن مشروع القراءة للجميع الذي يوفر الكتب بأسعار زهيدة, تري هل سيظل المشروع قائما أم سيغيب بخروج سوزان مبارك؟ ومن هنا فالمسألة تتعلق بوجود السيدة الأولي والقائمين علي صنع القرار الذين يفعلون معها وبها كما شاهدنا في فترات سابقة.
مضيفا المواطن المصري يمتلك من الذكاء ما يكفيه لكي يستطيع التفرقة بين المصالح الشخصية التي تحققت من وراء بعض مشروعات القوانين وبين الإنجازات الحقيقية التي تحققت له كمواطن نتيجة لذات المشروعات, ومن ثم ما تحقق سيحافظ عليه بدمه فالشعب المصري بكافة شرائحه يدرك كيف يتحرك ويثور لينتزع مطالبه.
فشل تنظيم مظاهرة مليونية.. سوء تنظيم
رفض منيب فكرة عودة المرأة لعهود سابقة بتهميشها بعدما دفعت فاتورة الثورة, مشيرا إلي أن المشكلة تتمثل في الوعي الجماعي دون أن تخص فئة بعينها, وما حدث في يوم 8 مارس من رفض المجتمع مساندة المرأة للقيام بمظاهرة مليونية للمطالبة بحقوقها ومنع التحرش الذي تعرضت له هو سوء تخطيط وسوء ترتيب للقوي السياسية والمدنية والاجتماعية للعمل كيد واحدة فلا ينتفع في هذه المرحلة الأخذ بقرار فرديا وإنما كان ينبغي ترتيب متزن في وقت مناسب يتسع بانضمام كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي باعتبار أن حقوق المرأة جزء من حقوق المواطنة والتعامل معها بعكس ذلك يحقق نتائج عكسية بدلا من دفع الجميع للالتفاف حولها لتبني مطالبها والدفاع عنها.