رحب كثير من المصريين المستنيرين بوثيقة شيخ الأزهرحول مستقبل مصر والتى صدرت بعد عدة اجتماعات بين شيخ الأزهر وعلماء مسلمين ومفكرين، وضمت أقباط منهم سمير مرقص، والدكتورة ليلى تكلا، واعترفت الوثيقة بمدنية الدولة وعدم وجود نص في الإسلام بالدولة الإسلامية، كما اعترفت بحرية واحترام الأديان الثلاث، ودار العبادة، وإن كانت أقرت بأن الإسلام المصدر الرئيسى للتشريع لكن مع ضمان اتباع الأديان الأخرى فى تطبيق شرائعهم الدينية، كما أقرت بحرية الاختلاف والتنوع والتعددية، وحذرت الوثيقة من خطور التيارات الدينية المتطرفة التى تحاول استغلال الدين فى أمور تزيد من الطائفية والفرقة بين أبناء الوطن.
من جانبها رحبت الكنائس المسيحية بوثيقة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر التى صدرت أمس بعنوان “وثيقة الازهر لمستقبل مصر”، ووصفت الوثيقة بالتاريخية التى تتسم بالحكمة وتعبر عن وسطية الإسلام الحقيقى، وتتصدى للتيارات الدينية المتشددة التى تتلاعب بالدين ونصوصه لخدمة أهدافهم السياسية، وأشارت أن الوثيقة خطوة وتأكيد للدولة المدنية والمواطنة بين كافة المواطنين دون تمييز .
صرح الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح أن الوثيقة فى مدلولها تتسم بحكمة شديدة وعمق فى التفكير والحرص على السلام الاجتماعى وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين دون تمييز، وكذلك اعتراف بمدنية الدولة من قبل الأزهر المؤسسة الرسمية التى تعبر عن الإسلام المنبر الحقيقى لوسطية الإسلام المعتدل الذى يقف بكل حسم ضد التيارات الدينية المتشددة التى تحاول جر المجتمع الى بؤرة من الطائفية والتمييز .
وأضاف الأنبا باخوميوس أن هذه الوثيقة الصادرة عن شيخ الأزهر وهو من الشخصيات المستنيرة والمحبة لمصر واستقرارها تغلق الباب أمام الأحاديث أو الصراعات حول ما أثير فى الفترات الأخيرة بشأن الدولة الدينية التى دعت إليها تيارات متشددة وظهر بوضوح فى وثيقة الأزهر بأن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية التى تسلطت على الناس بل ترك إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، كما أكدت الوثيقة على المواطنة واحترام الاختلاف ومبدأ التعددية ومواثيق حقوق الإنسان وهو أمر ظهر واضحا فى موقف الأزهر ضد استغلال الدين من قبل تيارات المتشددة التى ترفع شعارات دينية طائفية وأيدلوجية وهو ما يظهر أن مصلحة الوطن فوق أى شئ والحرص على تقدم البلاد، وأكد الأنبا باخوميوس ترحيب الكنيسة بهذه الوثيقة التى إذا فعلت سوف تكون لها أثر فى إنهاء صراعات طائفية وتحقق المواطنة الكاملة للمصريين .
ويتفق معه الأب رفيق جريش المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية بأنها وثيقة لها كل التقدير والاحترام ويعبر عن وسطية الإسلام، ولكن يرى الأب جريش أن الأهم من صدور الوثيقه أن يتم تفعيلها لأن ” الكلام الحلو لن نلمس أثره سوى على أرض الواقع ” على حد قوله، وإذا نجح الأزهر فى تطبيقه والتغلب على التيارات المتشددة التى تسيطر على قطاع كبير من الشارع المصرى سوف يكون له أثر فى المساواة ونبذ التعصب، وأضاف أن تفعيل الوثيقة لن يتم إلا من خلال قيام الأزهر بتفعيلها من خلال منابر المساجد والمعاهد الأزهرية والجامعة والمنابر الإعلامية حتى يدخل هذا التفكير فى عقول ونفوس الأجيال الجديدة قبل سيطرة التيارات المتطرفة عليها.
وحول ظهور هذه الوثيقة فى هذا التوقيت قال الأب جريش أن الأزهر أدرك خطورة توغل وصعود التيارات المتطرفة فى الفترة الأخيرة ومحاولتها السطو على هيبة ومكانة الأزهر الشريف واستخدامها لنصوص القرآن الكريم حسب أهوائهم الشخصية بما يخدم مصالحهم الشخصية لذا أراد الأزهر توضيح الفكر الصحيح الوسطى للإسلام بصدور وثيقة محددة لحسم الجدل حول الأفكار المتطرفة للتيارات السلفية ضد الآخر والدولة المدنية.
وأكد الأب جريش أن الكنيسة الكاثوليكية ليس لديها مشكلة مع المادة الثانية، وإن كان ما طرحه شيخ الأزهر بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع بما يضمن لاتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم سوف يكون له أثر وطنى إذا ما تم وضعه بالمادة الثانية.
وقال القس رفعت فكرى عضو مجمع السنودس الإنجيلي أنه يتفق فى ترحيب الكنيسة الإنجيلية بهذه الوثيقة، وإن كانت الوثيقة نصت بالتحديد على الديانات الثلاث فقط، وكان يجب تشتمل احترام كل العقائد وليس الديانات السماوية فقط مشيرا إلى أن هناك فئات أخرى بالمجتمع المصرى مثل البهائين يجب أن نتحرم حريتهم لأنهم مواطنين مصريين، كما أن حصر الوثيقة للاتباع الأديان السماوية الاحتكام إلى شرائعهم الدينية فى قضايا الأحوال الشخصية كان يجب أن يكون أوسع من ذلك بأن تكون القيم العامة للأديان ومواثيق حقوق الإنسان هى المصدر الرئيسى للتشريع.
وعاد القس رفعت ليؤكد أن رغم هذه التحفظات لكنه يرحب بهذه الوثيقة فى وقت تصاعدت العديد من التيارات الدينية المتحدثة باسم الإسلام وظهرت تصريحات وفتاوى تخرج عن نطاق الإسلام الصحيح الذى يمثله الأزهر الشريف مثل امتلاك الأرض وتطبيق الحدود لذا جاء أصدر هذه الوثيقة فى وقت تحتاج مصر إليها بعد تصاعد فكر الدولة الدينية وترشح مرشحين إسلاميين للرئاسة لتأكيد مدنية الدولة ومبادئها المواطنة والعدالة واحترام الرأى والتعددية والاختلاف والديانات ودار العبادة، وهو تصحيح لمفاهيم البسطاء والتصدي لأفكار الإسلام السياسى .
وأشار القس رفعت إلى أن صدور هذه الوثيقة يتفق مع توجيهات السلطة العامة والمجلس العسكرى فى تأكيد الدولة المدنية الحديثة، وسوف تكون لهذه الوثيقة مع مبادئ فوق الدستورية التى ستصدر حصن الأمان لمصر وللدولة المدنية وانتصار حقيقى على أصحاب الفكر المتطرف الذين سيحاولون وبقوة التصدى ومهاجمة هذه الوثيقة ومهاجمة الأزهر الشريف، مشيرا أنه يثق فى حكمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى تفعيل هذه الوثيقة وإسكات ألسنه المتطرفين .
أما الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام والدراسات السياسية يرى أن الأزهر يحاول من خلال هذه الوثيق أن يعبر عن ما يراه من الإسلام الوسطى، وأن يقدم حسم واضح للتصدى للتيارات الدينية مثل الجماعات الإسلامية والتيارات السلفية التى ترى عكس هذه الوثيقة من التمييز بين المواطنين وإعلاء الدولة الدينية وتطبيق الحدود وهذه الوثيقة جاءت بعد ما قامت به التيارات المتطرفة من تشويه لصورة الإسلام بعد حرق وهدم الكنائس وتطبيق الحدود فى قنا وتصريحات الدولة الدينية وتصدر المجلس العسكرى للصورة بأنه متضامن مع هذه التيارات.
وأضاف جاد أن الإشكالية الآن أن قطار الأزهر لم يعد مؤثرا فى الشارع المصرى، وبات دوره متراجع بعد أن أصبحت السيطرة الفعلية للجماعات الإسلامية والسلفية، ولذا فأن المعركة المقبلة سوف تكون قوية بين الأزهر وتيارات الإسلام السياسى، وإن كانت الانتصار سوف يكون فى النهاية للأزهر ولكن على المدى الطويل بعد تخوف المسلمين من تصريحات التيارات المتشددة، وربما تلجأ هذه التيارات إلى أعمال عنف جديده لزيادة الاحتقان والشحن ضد الأزهر وضد الدولة المدنية وهو ما يحتاج إلى طرح واضح لتفعيل هذه الوثيقة ونشرها على مستوى الإعلام ومنابر المساجد للتصدى لفتاوى الإخوان القديمة وتصريحات الدعوة السلفية المتطرفة .
وانتقد جاد حصر الوثيقة للأديان الثلاث دون الاعتراف بحرية الاعتقاد كحق من حقوق الإنسان وهو بذلك يقصى فئات من الشعب المصرى لا تعتنق الأديان الثلاث مثل البهائيين والأمازيغ وهو أمر يتنافى مع مواثيق حقوق الإنسان .
أما صبحى صالح القيادى الإخوانى لم يجد رد على الوثيقة سوى أنه قال إن الوثيقة مجرد تحصيل حاصل لم تقدم جديد لأن هذا هو فكر الإسلام السنى وفكر الإخوان وما قدمه الأزهر ليس بدعة جديدة، وإن إذا كانت هناك مساواة مثل ترشيح قبطى أو امرأة للرئاسة فمن يحسمها فى النهاية الشارع.
وقال الشيخ يوسف البدرى الداعية الإسلامية أنه يؤيد الوثيقة الصادرة من الأزهر، وهى وثيقة وطنية تتفق مع الشريعة الإسلامية باحترام العقائد التى نص عليها الإسلام ولاسيما الكنيسة القبطية ويكفى أن أول كنيسة بنيت بعد الاضطهاد الرومانى قام ببنائها عمرو بن العاص، ومعظم الكنائس بنيت فى عهد الخلفاء الراشدين، وهذا يوضح أن الأزهر والكنيسة على اتفاق، ويجب أن يقوموا بتسوية المشكلات الداخلية والخارجية معا.
وحول ما نصت علية الوثيقة من أن المصدر الإسلام المصدر الرئيسى للتشريع بما يضمن لاتباع الديانات الأخرى تطبيق شرائعهم الدينية، قال البدرى إن يرفض وضع هذه الإضافة أو تعديلها بالمادة الثانية من الدستور، لأن الإسلام مصدر الرئيسى للتشريع هو الضمان لأصحاب الديانات الأخرى فى حمايتهم والحفاظ على حقوقهم دون وضع أى إضافات أخرى.
وقال أحمد سميح مدير مركز أندلس للتسامح أنه لم ير الأزهر منذ 15 عاما بهذا الإبداع الذى صدر فى وثيقته بحضور مفكرين وأقباط وحقوقيين، وأن تحتوى الوثيقة على التعددية والاختلاف وحرية الاعتقاد.
وأبدى سميح تخوفه من وكلاء التطرف داخل الأزهر على حد قوله إنهم ربما يقودوا تحركات لاعتراضهم على الوثيقة، ومن يشارك منهم تيارات دينية متشددة، ولكن فى جميع الأحوال فإن هذه الوثيقة سوف تضع التيارات المتشددة فى حرج شديد وربما تدفعهم إلى القيام بحملة هجوم ضد الأزهر واتهامه بأنه تابع للنظام القديم أو الدعوة للانتخاب شيخ الأزهر وهى حملة مستهدفة للسيطرة على المنبر الرسمى للإسلام.
==
إس