أعاني من خلافات أبنائي التي لا تنتهي, ومن المؤسف أن هذه الخلافات لا أساس لها, خاصة أننا نوفر لهم جميع متطلباتهم, نعمل أنا وزوجتي من أجل هذا, وأثناء فترة غيابنا في العمل يجلسون طيلة النهار بمفردهم خاصة في الإجازة, وعند رجوعنا إلي المنزل تبدأ سلسلة من الشكاوي فيا بينهم, ويستمر هذا الوضع حتي ساعات متأخرة من الليل, هم يتشاجرون ونحن نفقد صوابنا من كثرة الصراعات فيما بينهم, هكذا عبر أحد الآباء حزينا عن مأساته مع أولاده الذين لا يكفون عن الشجار, فالبيت الذي يتمناه مكان للراحة بعد يوم عمل ملئ بالتعب والمشاحنات, أصبح ساحة للحرب والمعارك الدائرة بين الأبناء وهنا يتدخل الوالدين في حل هذا الصراع, وقد يكون هذا التدخل بالكلام فقط أو بالعقاب أو بالضرب أو الشتيمة, فالحقيقة هناك أشكال كثيرة لتدخل الآباء لحل الشجار بين الأبناء.
والسؤال ما هو التدخل الأمثل تربويا ونفسيا للآباء في مثل هذا الموقف؟, وهل هذه الخلافات التي لا تنتهي ستملأ القلب بالكراهية والحقد والتراكمات السلبية بين الأبناء علي مر السنين.
الشجار للتعبير عن الحقوق والمشاعر
ولمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة التقت وطني مع الدكتور لطفي الشربيني استشاري الطب النفسي الذي أجاب قائلا: إن الصراع الذي ينشب بين الأشقاء ليس شرا كله, إذ من خلاله يتعلم الأبناء الدفاع عن أنفسهم, وعن حقوقهم والتعبير عن مشاعرهم, كما أن هذا يساعدهم علي احترام حقوق الغير, وتعريفهم بمعني الصدق والكذب, لكن إذا تطور الأمر إلي الإيذاء والاعتداء البدني هنا يلزم التدخل من قبل الوالدين.
وأكد الدكتور لطفي علي أن الشجار بين الإخوة أمر طبيعي لذلك يجب علي الآباء أن يتجاهلوا الشجارات البسيطة عندما يكون الطرفان متكافئان والموضوع تافه, كما لا يتم التدخل بين الأبناء طالما لا يتعرض أحدهم اللإيذاء لأن في ذلك تعويدا لهم علي حل النزاع دون اللجوء للآخرين, درب الأبناء علي مهارات حل المشكلات من خلال دعوتهم بعد أن يتوقف الشجار علي تحديد المشكلة وتوليد الحلول واختيار الأنسب منها, مكافأة الأبناء عندما يتسامحون فيما بينهم وعند إظهار روح التعاون فيما بينهم, هذا إلي جانب استخدام أسلوب الإبعاد المؤقت مع الاثنين حتي يتعودون علي ضبط النفس يعد من الأشياء المفيدة, كما يجب علي الأبوين أن يتجنبوا المقارنة التي يتم عقدها بين الأبناء لأن هذا يخلق حالة من الغضب لدي الطفل تجاه إخوته, هذا بالإضافة إلي أن قضاء وقتا بشكل منفرد مع كل طفل من الأشياء المهمة, وشعور أبنائك عندما تستمع إلي خلافاتهم أنك محايد وعادل يزيد الثقة بينك وبينهم لأنك لا تنحاز مع أحد الأبناء ضد الآخرين.
الشجار والوفاق الأسري
ومن جانبه أضاف الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي قائلا إن الخلافات بين الإخوة شئ عادي ولكن تطور الخلافات بين الإخوة لدرجة عنيفة له عدة أسباب منها, الصراع بين الأبناء في أحيان كثيرة يحاكي الصراع الناشب بين الأبوين, تفضيل أحد الوالدين أو كليهما لأحد الأبناء دون الآخر, الغيرة بين الإخوة بسبب الجمال الشكلي أو التفوق أو أي ميزة أخري, حسب السيطرة وامتلاك الأشياء من أحد الأخوة, الرغبات المختلفة بين الأخوة مثل تغيير قنوات التليفزيون أو أماكن الجلوس, هذا إلي جانب محاولة الظهور والتفوق فيما بينهم أمام الوالدين أو المحيطين, التفرقة في المعاملة بين الذكر والأنثي والمزاح المستفز, ظهور صفة الأنانية بين الإخوة فتكون وقودا للشجار والخصام, عدم المقارنة بين الأبناء لأن هذه المقارنة تجعل الولد يكره التشبه والاقتداء بأخيه رغم صفاته الحسنة ويجعله يشعر بالغيظ من أخيه, شعور الأبناء بأن الصراع الناشب بينهم يصرف أنظار الوالدين عن مشاكل أخري بينهما.
وأوضح الدكتور المهدي أن وقوف الوالدين ساكنون دون تدخل في خلافات أبنائهم هذا من شأنه أن يحول العلاقة بين الإخوة إلي فوضي وخصومات دائمة, مشيرا إلي أن الخلافات فيما بينهم قد تنتهي إذا كانت بسيطة ولكن إذا تطورت ممكن أن تتحول إلي عراك جسدي مؤذي, أما إذا تغلب أحدهم علي الاخر هذا من شأنه أن يولد عند المغلوب رغبة في الانتقام, وبهذا تتعقد الخلافات بين الأبناء وتتحول إلي أزمة قد تستمر سنين طويلة, ويؤدي هذا إلي أن تفقد الأسرة الوفاق الأسري تدريجيا, ويتحول المنزل إلي ساحة توتر ونزاع مستمر, قد يكره الآخر أخاه أو الأخ أخته والعكس صحيح, يكره أحد الأبناء أحد والديه بسبب وقوفه ساكنا دون تدخل, قد تعقد الخلافات لتصبح مشاكل يتدخل فيها الآخرون بدلا من الوالدين.