ا
هناك اهتمام من جانب مجلس الشوري بموضوع الفضائيات المثيرة, والتي تحض علي الفتنة, وتؤلب المواطنين علي بعضهم بعضا. هذا ما تناقلته بعض الصحف في الأيام الماضية. ومن غير المعروف ما سوف يسفر عنه هذا الاهتمام, والذي أتصور أنه سوف يؤدي إلي ”لا شيء”. والسبب أن هذه الفضائيات ليست تحت سيطرة الدولة, ولا تستطيع أن تفعل إلا القليل مع بعض منها,التي تبث إرسالها عبر ”النيل سات”, أما خلاف ذلك فلا تملك من أمرهم شيئا.
المشكلة ليست في الفضائيات ”المثيرة”, ولكن في وجود بيئة سياسية أو ثقافية مهيأة لالتقاط رسائل الإثارة, تهضمها, وتمثلها, ثم تعيد إنتاجها في صورة شحنات متكررة من الغضب الأعمي, والجهل, والتعصب في العلاقات بين المواطنين, بعضهم بعضا.
المشكلة متعددة الأبعاد. الإعلام- مقروءا أو مرئيا- يتمتع بأسقف مرتفعة من الحرية, اقتطعها لنفسه, أو سمح المناخ العام بوجودها, لا يهم. المشكلة في أنه يمارس هذه الحرية في بيئة غير ديموقراطية. الأمر الثاني أن الإعلام المرئي أو المقروء- المتعدد بطبيعته- يباشر عمله في بيئة لا تحترم التعددية, ولا توقر ثقافة قبول الاختلاف. إعلام حر في بيئة غير ديموقراطية, وإعلام متعدد في بيئة لا ترعي التعددية. ماذا ننتظر؟ الفوضي. غياب التقاليد السياسية والمهنية يعزز من حالة الفوضي الإعلامية, ويعطيها الانتشار والمصداقية. يضاف إلي ذلك حالة كونية تعلي من شأن السجال الديني, والخلاف المذهبي, والتنابذ بالعقائد أهمية خاصة, في إطار ما يعرف بالمواجهة بين الإسلام والغرب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م.
في الخبرة المصرية يصعب أن نجد مؤسسة إعلامية تحترم التنوع, في الوقت الذي توجد فيه بيئة تتنكر لهذا التنوع. يصعب أن نجد مؤسسة إعلامية تشجع الحرية, في ظل مناخ يكبت الحرية, ويصادرها. وأخيرا يصعب أن نجد مؤسسة إعلامية تشجع علي التفكير النقدي, بينما يتجه المجتمع بكافة مؤسساته إلي إغلاق باب العقل.
الإعلام ليس مؤسسة مستقلة بذاتها, بل هو- في الأساس- منتج مجتمعي أو مرآة مصغرة تكشف كل عورات المجتمع. لا ننتظر من واقع يتفشي فيه عدم التسامح أن يفرز إعلاما متسامحا, أو واقعا يضيق بالتعددية أن يكون الإعلام فيه مرآة عاكسة لكل فئات المجتمع. الارتقاء بالواقع هو في الحقيقة ارتقاء بالإعلام, وكل مؤسسات التنشئة من تعليم وأسرة وجماعات رفاق ومؤسسات دينية في آن واحد.
هناك جملة من الاقتراحات لتفادي حالة الفوضي الإعلامية, سواء علي صعيد إرساء مواثيق أخلاقية ومهنية, أو تقديم حزمة من البرامج التدريبية لرفع قدرات الإعلاميين في تناول قضايا تتصل بالسلام الاجتماعي, والتنوع, والتعددية في المجتمع, وأخيرا اللجوء إلي المحاكم من أجل إجبار الإعلاميين علي احترام الخصوصيات الدينية والمذهبية.
كل هذه الاقتراحات جيدة, وينبغي العمل علي تحقيقها. ولكن يجب أن يكون واضحا في الأذهان أن تأثيرها لن يكون كبيرا طالما ظلت البيئة المحيطة بالإعلام علي حالها البائس. وفي كل الأحوال هي دورة زمنية تمر بها الشعوب التي تعرف الحرية للمرة الأولي, تنتقل من حالة لأخري من النضج بالجدل والحوار مع الواقع, هكذا يحدث التطوير.
سامح فوزي