تتعامل الحكومة مع طوابير رغيف العيش علي أنها أزمة طارئة,يجب التخلص منها بأسرع وقت.ورغم الاجتماعات والتصريحات والوعود,فإن الطوابير لا تزال مستمرة,ومشكلات الخبز المدعم في ازدياد,ووصل الأمر إلي حد أن أصبح جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة طرفا في حل الأزمة.رغم كل الجدل فإن أسباب الأزمة ذاتها غير واضحة,باستثناء ما يقال عن الارتفاع الكبير في أسعار القمح عالميا,وسرقة الدعم محليا,من خلال بيع الدقيق المدعوم في السوق السوداء,أو تقديم الرغيف المدعم علفا للحيوانات,خاصة مع الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف.
في شأن الأزمة عالميا,فإن أفضل تحقيق شاهدته حول الأزمة قدمته قناةبي.بي.سي التليفزيونية,من خلال حوار بين عدد من المتخصصين في مجال الغذاء والزراعة في العالم خلاصة ما ذكر أن هناك أزمة كبري بدأت تعرف طريقها إلي العالم,نتيجة أمرين:الأول أنه لأول مرة في التاريخ البشري يفوق سكان المدن-في العالم- أقرانهم الذين يعيشون في الريف,مما يعني زيادة كبري في عدد البشر غير المنتجين للمواد الغذائية,وتحول أعداد من البشر عن العمل في الزراعة.الأمر الثاني أن الارتفاع الشديد في أسعار البترول جعل من القمح مصدرا للطاقة,مما يعني زيادة الطلب,وقلة المعروض,وهو ما يؤدي إلي ارتفاع السعر.ترتب علي ذلك أن أصبح الشخص العادي ينفق جانبا كبيرا من دخله علي الغذاء.
في شأن الأزمة محليا فإن أزمة رغيف العيش,هي في ظاهرها أزمة رغيف مدعوم,ولكن في باطنها تعبير عن الوجه القبيح للفساد الذي يجتاح الحياة في مصر,بشكل بشع-الفساد-كما يعرفه علماء الإدارة-يعني سوء استخدام السلطة بشكل فردي لتحقيق مصالح شخصية-وهذا لم يعد له وجود في مجتمعنا-الفساد الذي نعرفه الآن في المجتمع هو ذو طبيعةمنظمةعلي هيئة شبكات تطعم حلقاتها بعضها بعضا.من أصغر عضو إلي أكبر عضو في الشبكة له نصيب معلوم ومعروف.هل الدقيق المدعوم لايسرق دون علم موظفي الدولة؟هل السوق السوداء بعيدة عن الأجهزة الرقابية؟هل التجار الذين صدر بحقهم قرارات اعتقال في الأيام الأخيرة لم يكونوا معروفين من قبل؟
الملفت أننا نتحدث عن الفساد كلما حدثت أزمة.في قضية قطارات السكة الحديد-البائسة والمتهالكة-يأتي الحديث عن الفساد مع كل حادث مروع,وفي قضية اللحوم التي لا تصلح للاستهلاك الآدمي يأتي الحديث عن الفساد مع كل ضبطية جديدة للحوم الحمير التي تباع للمواطنين,تماما مثلما حدث مع رغيف العيش,عندما شح,وكثرت الطوابير,ونقلت الفضائيات أخبارها,بدأ الحديث عن الفساد وسرقة الدعم.ألم يكن ذلك يحدث تحت سمع وبصر المسئولين علي مدار سنوات؟.
أزمة رغيف العيش سوف تتكرر حتي إن نجحت وزارة نظيف في إخمادها قليلا.والسبب لا يعود إلي الرغيف,ولكن يعود إلي الحكم والإدارة.تخمد الأزمة هنا,وتشتعل في مكان آخر,كلما طغي الفساد,وزادت رائحته إلي الحد الذي لم يعد من الممكن احتماله.القضية هي محاربة الفساد والاحتكار…هل نحن جادون في ذلك؟