أعتقد أنه لا بد أن يضاف إلي قائمة الاتهامات الموجهة للرئيس السابق حسني مبارك تراجع المهنية علي النحو الذي رأيناه في محاكمة مبارك. المفروض أن هذه المحاكمة هي محل اهتمام المجتمع, وأطراف دولية عديدة, جعلت قناتي سي إن إن و بي بي سي تقومان بنقلها علي الهواء مباشرة. الواضح أن القاضي كان مهنيا, حازما, جادا, يريد أن يمضي حسب الكتاب كما يقولون. ولكن المشكلة في المشهد هو تراجع حال بعض المحامين الذين شاركوا سواء في الدفاع عن المهتمين أو الادعاء بالحق المدني. اللجوء إلي الخطابات البلاغية, والرغبة في الحديث حتي لو كان في الأمر تكرار لأمر سبق التأكيد عليه, وعدم الدخول في الموضوع مباشرة, فضلا عن تراجع القدرات التعبيرية كلها سمات عامة نشهدها في المحاكمة. لا نريد أن نكون قساة علي أحد, ولكن هذه هي التهمة الحقيقية التي توجه إلي نظام مبارك الذي جرف الوعي الثقافي في المجتمع, وجعل المؤسسات التعليمية خاوية من العلم الحقيقي, وتطوير الذات, والتعلم المستمر, وحولها إلي مؤسسات تلقين ودروس خصوصية وضيق أفق لا أكثر.
وما نراه من تراجع بالنسبة لبعض المحامين, نراه في كافة المهن الأخري. تراجع في وعي وخبرة الصحفيين, والمهندسين والأطباء والمدرسين, والحرفيين, إلخ. مشكلة أن تجد مهنيا جادا, يفهم في تخصصه. الفهلوة غالبة, ويغطي ضعف المهنية العلاقات الشخصية, والشهرة الإعلامية الزائفة, والإدعاء الشخصي.
النقابات المهنية عليها دور كبير في إصلاح ما أفسدته مؤسسة التعليم, والخبرة العملية المباشرة بالتأكيد علي قيمة العلم, ونقل الخبرة العملية السليمة لقطاع عريض من المهنيين, واطلاعهم علي الجديد في عالم المعرفة. قد يكون مفيدا أن تتفرغ النقابات المهنية للقيام بذلك خاصة بعد أن أصبحت هناك أحزاب تقوم بالعمل السياسي.