الأسبوع الماضي عقدت حركة (9مارس) لاستقلال الجامعة احتفالية بمئوية جامعة القاهرة, دارت النقاشات فيها حول أوضاع البحث العلمي. وهي إجمالا أوضاع مزرية, نظرا لتآكل التمويل المخصص لها, وغياب الحرية الأكاديمية, فضلا عن غياب العقلية النقدية التي تسمح بممارسة النقد العلمي, الذي يعد شرطا ضروريا للبحث والتأمل.
حركة 9 مارس هي تجمع مدني من أساتذة الجامعات المصرية, اختارت من هذا التاريخ – الذي قدم فيه أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية استقالته عام 1932م احتجاجا علي نقل طه حسين عميد الآداب من منصبه – اسما لها تعبيرا عن أهمية استقلال الجامعة.
في المؤتمر المشار إليه حضر وزير التعليم العالي د. هاني هلال, جلس بين الحضور, وطلب الكلمة, وما إن تجاوز الوقت المقرر له, وهو ثلاث دقائق, حتي قاطعه رئيس الجلسة – د. محمد أبوالغار – الأب الروحي لحركة 9 مارس طالبا منه أن يتوقف. خلفية الأمور لا نعلمها. بالتأكيد هناك علاقة متوترة بين الحركة والوزير, والسبب هو رغبة الأساتذة في الاستقلال, ورغبة الوزير في الدفاع عن الموقف الحكومي. المساجلات بينهم كثيرة, وهناك حالات تدخل فيها الوزير لحل مشكلات طالبت الحركة بحلها. لكن السياسيات الجذرية ليست في سلطات الوزير أو الوزارة بأكملها. أدبيات الحركة تشير دائما إلي تغلغل أجهزة الأمن في كل دقائق الحياة الجامعية, من تعيين المعيدين إلي تحديد الأنشطة الطلابية. يطالبون بإجلاء الأمن, أو الالتزام بنص قانون الجامعات الذي يلزم قوات الأمن بارتداء الزي المدني, والعمل بمقتضي تعليمات رئيس الجامعة. ما تطالب به الحركة ليس قرارا يتخذه الوزير أو حتي رئيس الوزراء, هو تعبير عن سياسة عامة في الدولة في كل المجالات, استعاضت فيها بالأمن عن السياسة لمواجهة المشكلات, من الإرهاب, والتطرف, والفتنة الطائفية إلي إنفلوانزا الطيور. ومن البحث العلمي, والنشاط الاجتماعي إلي العمل الإعلامي. لم تكن الصورة هكذا بالمناسبة قبل توحش المواجهة الأمنية بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية باختلاف أطيافها منذ أواخر السبعينيات, وهو ما يحتاج الآن إلي العودة من جديد إلي تحديد الحدود الفاصلة في عمل المؤسسات, بما يحفظ للأمن عمله الرئيسي, ويسمح للمؤسسات الأخري بالعمل في مجالات نشاطها الأساسي.
وتشير الممارسة الفعلية إلي أن الجامعة ضمن المؤسسات والهيئات الواقعة ما بين الاحتجاج السياسي من جانب القوي الإسلامية, والحل الأمني المباشر من جانب الدولة. ولذلك تراجعت كثيرا فعاليتها, وفقدت أهميتها, وجف عطاؤها, وصارت مسخا مؤسسيا, أكثر من كونها أدوات مجتمعية للتغيير والحرية. من هنا تصبح قضية البحث العلمي في قلب الحديث عن الحل الأمني من جانب الدولة, والمصادرة العقلية من جانب الإسلام السياسي.
نعود إلي مؤتمر حركة 9 مارس. كنت أتمني أن يكون هناك حوار هادئ متزن مع وزير التعليم العالي حول مناطق يستطيع الوزير أن يعمل فيها, يصحح الأخطاء, ويطور فيها. أما القضايا التي تتصل بما هو أكبر من قدرة الوزير, فالنقاش حولها غير مجد, وطرحها يجعل العلاقة تدور في أفق المستحيل.
هل يمكن أن يكون هناك حوار بين الجانبين في حدود الممكن وليس في حدود ما يجب أن يكون؟