ما يجري في إيران من مواجهات علي مستوي الشارع يحتاج إلي تحليل جاد, لا يزال العالم إزاءه مراقبا أكثر من كونه فاعلا. فقد استطاع أحمدي نجاد, المرشح الرئاسي المحافظ الفوز في الانتخابات الرئاسية بأغلبية ملفتة علي منافسه المرشح الأكثر انفتاحا حسين موسوي. ورغم أن مجلس صيانة الدستور, المشرف علي الانتخابات, أكد أنه لا مجال لإلغاء نتائج الانتخابات, فإنه لم يفته أن يذكر أن هناك تجاوزات انتخابية وقعت في خمسين إقليما فقط مما لا يؤثر علي النتيجة الإجمالية.
بالفعل نجاد هو المرشح الفائز, فقد استطاع أن يحصد أصوات الاتجاهات المحافظة خاصة في المناطق الريفية, بدعم ومباركة واضحة من آية الله خامنئي مرشد الدولة الإيرانية, ذو الثقل السياسي والديني. ولكن يبدو أن أنصار الاتجاه المحافظ أرادوا من خلال سيطرتهم علي مفاتيح السلطة التلاعب بنتائج الانتخابات بحيث يحصل مرشحهم علي نسبة أكبر تزيد من ثقله محليا وإقليميا ودوليا, فجاء التلاعب بالنتائج التي أدت إلي إسقاط حسين موسوي في قريته, وهو الأمر الذي آثار الكثير من التساؤلات علي حرفية عملية التلاعب ذاتها.
في دول أوربا الشرقية, من صربيا إلي أوكرانيا كان صندوق الانتخاب هو بوابة التغيير, وعندما حاول النظام في أوكرانيا سرقة الصوت الانتخابي بإنجاح مرشحه, خرجت الجماهير الهادرة إلي الشارع بالملايين مما ترتب عليه إعادة الانتخابات, وفوز مرشح المعارضة. الحالة الإيرانية مختلفة. السياسة ممزوجة بالدين بشكل يصعب معه إحداث انشقاق سياسي, وأغلب الظن أن هذه المعركة سوف تحسم لمصلحة الاتجاه المحافظ, ولكن من تداعياتها أن الرئيس أحمدي نجاد لن يكون هو الشخص الذي كان يحكم طيلة السنوات الماضية. فما جري من مواجهات شعبية, طالت أعلي رموز الدولة الإيرانية, تركت شرخا حقيقيا في نفسية الشعب الإيراني, قد تعبر عن نفسها في جولات مقبلة أكثر سخونة. ولن يكون في مقدور نجاد أن يتحدث إلي الغرب بصوت الواثق, والمتحدي, ولن يستطيع أن يواصل لعبته الإقليمية في تشجيع حماس وحزب الله, فهو يمسك بتلابيب ولاية جديدة دون تفويض شعبي كامل, بل هناك من يطعن في شرعيته.
التغيير لن يحدث اليوم في إيران, ولكن ما حدث هو بداية التغيير.