في الفترة الأخيرة اطلعت علي دراسة حول حالة البحث العلمي في الجامعات المصرية. النتائج التي تمخضت عنها الدراسة لا تحمل جديدا, فالباحث الجاد يعرف البؤس الشديد في مجال البحث العلمي في الجامعة المصرية, التي تحتفل أقدمها -جامعة القاهرة- بمئويتها هذا العام, ولكن ما لفتت الدراسة الانتباه إليه هو أسباب هذا البؤس, ومسبباته, والحالة المتردية التي آل إليها البحث العلمي في الأروقة الجامعية.
المكتبات فقيرة, لا توجد بها دوريات حديثة, أو حتي قديمة, والعاملون فيها مجرد موظفين, يفتقرون إلي ما يجب أن تكون عليه روح البحث, ومساعدة الباحثين علي المطالعة, ولا توجد بالكليات خطط بحثية, أو حتي حصر بالقضايا الحديثة في كل فرع معرفي من أجل تشجيع الباحثين علي الانخراط فيها. إجمالا لا يوجد بحث علمي جاد. والدليل علي ذلك أن البحث العلمي لم يسهم في تطوير المجتمع, والذي تتردي أوضاعه يوما بعد يوم.
عندما درست في بريطانيا في مطلع الألفية الثالثة, كنت أتصور أن الجامعة التي أدرس بها تحوي كل شيء, وهي بالفعل جامعة متميزة. ولكن بمرور الوقت, وبعد أن خضت تجربة الدراسة في جامعة أمريكية عريقة, اكتشفت أن الجامعة في بريطانيا أقل تقدما, ولكن في كل الأحوال فإن الاختلاف في الدرجة وليس في النوع كما يقول علماء المنطق. أهم ما يميز البحث العلمي في أية جامعة أجنبية محترمة, هو وجود دوريات قد لا تعرف أسماءها من كثرة عددها, محكمة, أي تصدر عن جهة علمية معترف بها, ولا تنشر سوي الأبحاث المبتكرة والحديثة, وتنفق الجامعات أموالا طائلة علي البحث العلمي, لانها تعرف أن روح التقدم في المجتمع تتعلق بما يقدمه البحث العلمي من إنجازات حقيقية. وأهم ما في الأمر أن المكتبة تنشط في سياق يقوم علي احترام العلم, وتعزيز اتصاله بالمجتمع, ويعمل بها أشخاص يقدرون قيمة العلم, ومساعدة الباحثين علي الوصول إلي ما يحتاجون إليه من مراجع. هم ليسوا موظفين يتسلمون ##عهدة## من الكتب, ولكن مبشرين بالبحث العلمي, وقيمه, يعرفون واجبهم الأساسي, وهو مساعدة طلاب العلم.
لا أفهم كيف يحصل طالب علي درجة الدكتوراة من جامعة مصرية وهو لا يقرأ باللغة الإنجليزية, أو أية لغة أخري. كيف يصل إلي المراجع الأساسية في موضوعه, وهي بالتأكيد بلغة غير العربية؟
لا تستغرب لو وجدت باحثين في مصر, لا يعرفون أبجديات البحث العلمي, في الوقت الذي يحملون فيه أرفع الدرجات العلمية. ولا تندهش حين تجد باحثين يسرقون الأبحاث, وقد يكون من بينهم أساتذة يعيشون علي عرق طلابهم, يسطون علي أعمالهم البحثية وينسبونها لأنفسهم, وهم يعرفون أن الأستاذ في الجامعة المصرية ##نصف إله## إن صح التعبير, لا أحد يلومه, ولا أحد يراجعه علي تصرفاته, والباحث الأكاديمي دائما علي خطأ, وأستاذه علي صواب.
إنها ثقافة قبل أن تكون إمكانيات مادية. نسمع كثيرا من يقول إن المشكلة في عدم توافر الإمكانيات المادية, وهذا صحيح جزئيا, ولكن المشكلة الأكبر هي في غياب ثقافة البحث العلمي, التي تقوم علي الموضوعية, وروح التعاون, والرغبة في بناء مستقبل.
سامح فوزي