بقلم:آش جين
قبل حوالي أربع سنوات شنت إسرائيل حملة عسكرية في لبنان ردا علي هجوم قام به حزب الله ضد جنودها. ووفقا لمسئول إسرائيلي كان الهدف من تلك العملية: ##القضاء علي قدرات حزب الله##. بيد, لم تنجح الحرب ولا الجهود الدبلوماسية الأمريكية اللاحقة التي كانت تهدف إلي إضعاف المجموعة. ويبدو أن البعض في إدارة أوباما يري الآن أن التعاطي المباشر هو خيار يستحق الدراسة. ومع ذلك, فإن التواصل مع حزب الله في الوقت الذي تكون فيه المجموعة مشجعة سياسيا وعسكريا سيكون عبثا لا طائل من ورائه بل ربما يأتي بنتائج عكسية.
الجهود الحالية
منذ انتهاء حرب عام 2006, سعت الولايات المتحدة لمواجهة حزب الله بالتقدم علي ثلاثة محاور سياسية رئيسية: إنهاء نقل الأسلحة, ونزع السلاح, وتحقيق سيطرة كاملة للحكومة اللبنانية علي أراضيها (أي إنهاء كون حزب الله ##دولة داخل دولة##). ولا يزال نهج واشنطن لتحقيق هذه الأهداف متطابقا إلي حد كبير خلال إدارتي الرئيسين بوش وأوباما علي حد سواء.
أولا: استمرت الولايات المتحدة في دعمها لـ تحالف 14 آذار السياسي الذي عارض وضع حزب الله كميليشيا مسلحة. ثانيا: أنفقت واشنطن مبالغ كبيرة من المال لتعزيز قدرة الحكومة اللبنانية بتخصيصها أكثر من 600 مليون دولار كمساعدة أمنية بالإضافة إلي 500 مليون دولار أخري كمساعدة لبرامج مدنية منذ عام .2006 ثالثا: عززت الولايات المتحدة جهودها لتشويه صورة المجموعة وتقييد أنشطتها المالية من خلال توسيع قائمة المرتبطين مع حزب الله المصنفين وفق نظام التصنيف الصادر بالقرار التنفيذي رقم .13224 وأخيرا سعت واشنطن لتقليل الدعم الشعبي لـ حزب الله من خلال الضغط بدرجات متفاوتة لتسوية الشكاوي العالقة بما في ذلك الطلعات الجوية الإسرائيلية, والسيطرة علي قرية الغجر ومزارع شبعا.
ويبدو أن هذه الجهود قد بدأت تؤتي ثمارها في يونية 2009, عندما فشل التحالف السياسي لـ حزب الله في الحصول علي مقاعد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية. بيد, لم تترجم الهزيمة الانتخابية للمجموعة إلي تقليص قوة الحزب السياسية. بل علي العكس من ذلك, فبعد حصوله علي صيغة ##الثلث المعطل## المؤثر في التشكيل الوزاري, ثبت حزب الله نفوذه وعزز شرعيته كحركة مقاومة مسلحة. إن تحالف 14 آذار قد تمزق تقريبا, ويقف الآن حزب الله كأقوي حركة فاعلة ##مشابهة لدولة## في المنطقة, ويملك ترسانة عسكرية أكبر حجما وأكثر تطورا, ويتمتع بنفوذ سياسي أعظم من أي وقت مضي منذ تأسيسه.
حدود التعاطي
في الوقت الذي يدرك فيه دعاة التعاطي حدود السياسة الأمريكية الحالية, يؤكدون أن الوقت الحالي هو المناسب لاتباع أسلوب بديل. وفي مايو الماضي, اقترح نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون برينان أن التواصل مع عناصر معينة من حزب الله يمكن أن يؤدي إلي اعتدال المجموعة إيديولوجيا. ووفقا لتقارير وسائل الإعلام طرح مؤخرا تقييم مسرب لـ ##الفريق الأحمر## التابع لـ القيادة المركزية الأمريكية خطا مماثلا من التفكير. وعلي الرغم من أنه لا يبدو أن تعليقات برينان (التي تم التراجع عنها منذ ذلك الحين) وبحث القيادة المركزية الأمريكية علي حد سواء, يعكسان إعادة نظر رسمية في السياسة الأمريكية, إلا أنهما يشيران إلي أن الاهتمام بهذا الخيار آخذ في الازدياد.
ومع ذلك, تعتمد مثل هذه الحجج علي افتراضين مضللين بصورة أساسية. أولا: إن استعداد حزب الله للمشاركة في العملية السياسية غالبا ما يتم الاستشهاد به كدليل علي تراجع الحزب عن دعائمه القائمة علي العنف. وفي الواقع, لا تزال المجموعة ملتزمة — كما كانت دائما — بدورها كحركة مقاومة مسلحة. وفي بيانها الرسمي الذي تم تحديثه ونشره في عام 2009, والذي اعتبره بعض المراقبين كعلامة علي الاعتدال, أعاد زعيم حزب الله حسن نصر الله التأكيد علي رفضه لإسرائيل (##نحن نرفض رفضا قاطعا أية تسوية مع إسرائيل أو الاعتراف بشرعيتها##) كما أعلن أن المقاومة هي ##ضرورة وطنية## مستمرة.
ويظل الإرهاب والعنف والتخويف الأصول الاستراتيجية الرئيسية لـ حزب الله, ليس فقط ضد إسرائيل بل أيضا ضد دولة لبنان نفسها. فاستيلاء المجموعة في مايو 2008 علي بيروت قد حطم [تلك] الخرافة بأنها لن تستخدم الأسلحة ضد الشعب اللبناني. وعلاوة علي ذلك, لو صدقت الشكوك المثارة حول حكم المحكمة الخاصة بلبنان حول تورط حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري, فإنها ستوضح أن حزب الله لا يجد غضاضة/ليس لديه أي هواجس في تحويل مهاراته الحاذقة في الاغتيالات القاتلة ضد خصومه السياسيين المحليين. وتسعي المنظمة أيضا إلي استمالة القوات المسلحة اللبنانية لكي تعمل كذراع للمقاومة, كما تبدو المجموعة مصممة علي استخدام أية وسيلة ضرورية لبسط سيطرتها علي الدولة.
والفرضية الثانية الخاطئة هي أن حزب الله قد تراجع عن عدائه التاريخي تجاه الولايات المتحدة. وعلي الرغم من أن المجموعة كانت حريصة في السنوات الأخيرة علي تجنب أي استفزاز مباشر, إلا أنها ظلت متمسكة بتحدي الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة. وقد أعاد بيانها لعام 2009 التأكيد علي أسس المجموعة المعادية للولايات المتحدة, التي أوجزت لأول مرة في عام 1985, مما يوسع نطاق مبررات المقاومة كرد علي ##الإرهاب## الأمريكي وخططه ##للهيمنة علي الدول (العربية والإسلامية), سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفي جميع المجالات##.
وثمة أدلة قليلة علي أن نصر الله أو أي شخص حوله يسعي إلي تغيير التوجه الاستراتيجي لـ حزب الله أو فك تحالفه الوثيق مع إيران وسوريا. ولن يؤدي التعاطي الأمريكي إلا إلي المصادقة علي القدرات المتزايدة للمنظمة, والتعزيز من شرعيتها المحلية والدولية. وسوف يزيد أيضا في إضعاف ما تبقي من الحكومة المنتخبة ديموقراطيا والموالية للغرب في بيروت. وعلي نطاق أوسع, سيشير مثل هذا التحول الجوهري في السياسة, إلي عزم واشنطن المتناقص عن مواجهة الإرهاب وتقويض موقفها القائم منذ مدة طويلة ضد مكافأة الجماعات الإرهابية علي أفعالها.
نهج أكثر صرامة
ينبغي علي المسئولين الأمريكيين التطلع إلي تكثيف الجهود الرامية إلي تقييد أنشطة حزب الله, والحد من نفوذه المزعزع للاستقرار, بدلا من السعي للتعاطي مع المجموعة. وعلي الرغم من أن زيادة الضغط علي حزب الله قد يثير رد فعل [سلبي] عنيفا, إلا أن المنظمة ستزيد فقط من قوتها, وتتحرك بصورة أقرب نحو أهدافها الطويلة المدي, ما لم يتم اتخاذ إجراءات متضافرة ضدها. ومن شأن اتباع نهج أكثر صرامة أن يشمل الإجراءات التالية:
زيادة الضغط علي سوريا وإيران: لكي تتم زيادة تكاليف الدعم لـ حزب الله, ينبغي علي الولايات المتحدة شن حملة لفرض عقوبات من قبل الأمم المتحدة علي سوريا بسبب انتهاكاتها الواضحة لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يحظر نقل الأسلحة إلي حزب الله. وبالمثل, ينبغي علي واشنطن أن تضغط من أجل فرض عقوبات علي إيران لانتهاكها القرار رقم 1747 حول حظر نقل الأسلحة. (وقد أحيلت ثلاثة انتهاكات إلي لجنة عقوبات تابعة للأمم المتحدة لكن بدون إجراءات متابعة). إن قيام مثل هذه الحملة من شأنه أن يساعد أيضا علي إضفاء الشرعية علي الضربات الجوية المحتملة ضد المنشآت السورية علي طول الحدود اللبنانية إذا ما استمر نقل صواريخ سكود أو غيرها من الأسلحة المتطورة [إلي حزب الله].
تحديد دور حزب الله في الحكومة: ينبغي علي المسئولين الأمريكيين أن يبدأوا النقاش مع حلفائهم في لبنان والمنطقة فيما يتعلق بشروط استمرار مشاركة حزب الله في حكومة الوحدة الوطنية, علي غرار مبادئ ##اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط## المفروضة علي حماس. إن مثل هذه الشروط يمكن أن تشمل نبذ العنف, واتخاذ خطوات ملموسة نحو نزع السلاح, والإعتراف بسلطات الحكومة اللبنانية. ورغم أن المبادرة بمثل هذه النقاشات ربما لا يكون لها أي تأثير فوري, إلا أن بإمكانها أن تساعد علي إعادة ترتيب التوقعات فيما يخص الدور المستقبلي لـ حزب الله في الحكومة وتؤدي إلي إعادة النظر في هذه القضية في اللحظة السياسية الآنية التالية (علي سبيل المثال, إذا قامت المحكمة الخاصة بإصدار لوائح اتهام ضد نشطاء حزب الله).
تقوية الشيعة المستقلين: سيتطلب إضعاف حزب الله كسر الاحتكار الذي يتمتع به الحزب وحلفاؤه علي المجتمع الشيعي في لبنان. ينبغي علي إدارة أوباما أن تبني علي جهود الإدارة السابقة للوصول إلي نشطاء الشيعة المستقلين, وأن تعزز قدرتهم علي تشكيل حركة سياسية بديلة. فعلي سبيل المثال, بإمكان واشنطن أن تسهل الاتصال بجهات تمويل, وتشجع [قيام] روابط أقوي بين الشيعة المعتدلين في لبنان, والعراق, وغيرهم في المنطقة.
تعزيز التنسيق مع الحلفاء: مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله, ينبغي علي الولايات المتحدة المبادرة بإجراء مشاورات مع إسرائيل — وبصورة منفصلة, مع الحلفاء العرب الذين يشاركونها نفس القلق مثل مصر والأردن والسعودية — لوضع الأساس العملي لاتباع أسلوب دبلوماسي مشترك في حالة نشوب صراع بين الطرفين. ينبغي علي واشنطن أن توضح بأنها ستقف إلي جانب إسرائيل لو وجدت الأخيرة نفسها مضطرة إلي التحرك والعمل ضد القدرات العسكرية لـ حزب الله, لكنها ستسعي أيضا إلي الحد من الإجراءات التي يمكن أن تقوض الحكومة أو القوي الموالية للغرب في لبنان.
الخاتمة
في الوقت الذي كان مساعد وزير الخارجية الأمريكية جيفري فيلتمان يدلي بشهادته أمام الكونجرس الأمريكي في الشهر الماضي, أكد بأن الولايات المتحدة ##لن تتعامل مع, أو [ليس] لديها أي اتصال مع## حزب الله. ونظرا لعدم جدوي هذا الاتصال, فإن ذلك هو موقف سليم [ينبغي] الحفاظ عليه. وربما يستحق التفكير في اتباع سياسة التعاطي في وقت معين في المستقبل, عندما يكون قد تم إضعاف المجموعة, وتبدو مستعدة عندئذ لقبول تسوية يكون لها مغزي. ولكن, حتي ذلك الحين, فإن اتباع أسلوب أكثر شمولا ومفعما بالحيوية لمواجهة توسع نفوذ حزب الله, من شأنه أن يخدم مصالح واشنطن علي نحو أفضل.
آش جين هو عضو سابق في فريق تخطيط سياسة وزارة الخارجية, ويعمل الآن زميلا زائرا في معهد واشنطن.
معهد واشنطن