نيرون روما الذي حرقها وأخذ يغني مستمتعا علي أطلالها لم يكن وحيد العصور والأزمنة,حيث ظهر في قاهرة المعز وفي مصر المحروسة نيرونات كثر,وفي كل المجالات:الاقتصاد والصحة والتعليم والزراعة والفنون والصناعة وغيرها…أحدثهم نيرون السكةالحضيضالذي شرع بكل همة ونشاط في تدمير معلم تاريخي من معالم العالم وليس مصر فقط,وهو مبني سكة حديد رمسيس أو مايعرف بمحطة مصر.كان المستعمر الغاشم!!قد قام بإنشاء ثاني سكة حديد في العالم بيد بريطانيا العظمي,ومنح مصر والعالم تحفة معمارية لم تتكرر اللهم إلا في محطة سكة حديد طنطا ذات الطراز الإسلامي البديع ورحل المستعمر وغادر من اشترك في البناء إلي العالم الآخر. وبعد أجيال وصل السيد الخبير المبدع الفنان والمخترع العبقري سابق سنه وعصره رئيس هيئة السكةالحضيضوفي لحظة تجليقرر تطوير محطة مصر علي طريقته بالطبع بتحويل واجهة وربما كل مكاتب المحطة وأجزاء من الأرصفة
إلي دكاكين لزوم الإبداع والإصلاح الاقتصاد وميزان المدفوعات .
بدأ الهدم ونشطت المعاول,وانطلق التدمير بينما جمهور المسافرين من كل أنحاء المحروسة يقفز ويتعثر عبر الأرصفة والأنقاض والأتربة في جو من تلوث جماعي وبيئي وفكري ومعماري.
ونجتر الذكريات قليلا:ذات مرة كنت أستقل القطار من لندن إلي ميدلزبرة وكانت تجلس أمامي سيدة في الستينيات من العمر,تعرفت علي ملامحي فسألتني: هل أنت من الشرق؟قلت لها:إنني مصري,ظهرت السعادة علي ملامحها وهي تعلق:مصر الجميل,عشت فيها مع زوجي سنواتقلت لها مجاملا:إنجلترا جميلة أيضا,استمتعت بمتاحف لندن وطبيعة يورك وتاريخ أسكتلندة,فكان تعليقها:هذا لايقارن بتاريخ عظيم منحه الله لمصر..أين نحن من حضارة آلاف السنين؟تصور عندنا يعتبر أي مبني عمره مائتا سنة أثرا تاريخيا لايمس ,ويتحول إلي مزار سياحي يشار له بالبنان,هذا بينما لديكم في مصر مبان ومنازل يسكنها مصريون يتعدي عمرها ذلك,ربما في كل مدينة وقرية.نعود للسكة الحديد المهم ياسادة أنه بعد تدمير نصف المبني التاريخي الفريد تنبه البعض لخطورة الوضع فبادر بعد فوات نصف الأوان وربما بعد خراب مالطة المصرية,بطلب إيقاف المجزرة.لم يهتم البعض الآخر كثيرا باعتبار أن ما حدث من تدمير اسم الدلع الحديث:تطوير: يتكرر كثيرا,وليس جراج رمسيس ببعيدزمانا أو مكاناوهو ما صرفنا عليه من الميزانية أكثر من ثمانين مليونا من الجنيهات …تكررت حكاية الجراج في كل مكان في المحروسة كما يتكرر التطوير النيروني في محطة سكة حديد سيدي جابر بالإسكندرية,حيث يجري الهدم علي قدم ورجل ضمن مشروع بهدلة الناس الذين يمارسون الأكروباتبعد نقل موقفالقطارات بعيدا عن أرصفة المحطة المزمع تحويلها إلي محلاتفول وعصير ومنتجات صينية بفضل نيرون آخر,ينتمي إلي وزارة المواصلات أو الحكم المحلي أو القطاع الخاص أو قطاع تدمير الجمال وإهالة التراب علي التاريخ,ولهم جميعا في نيرون روما أسوة حارقة,وهم يغنون بكل سعادة:بلد بدون صاحب وتاريخ بلا مراقب,وكل تطوير وأنتم والمقاولين ورجال أعمال الزمن الرديء بكل خير,ولا عزاء لكل عاشق للوطن محب للتاريخ.مصطفي الخولي