علي رأي المثل عبارة طالما سمعناها كثيرا منذ نعومة أظافرنا… ففي كلمات بسيطة لها إيقاع علي الأذن تلخص خبرات طويلة… ولها من القوة ما يصل إلي حد العقائد, ويقول علماء الاجتماع إن من يريد أن يدرس معتقدات الشعوب وأفكارهم فعليه بدراسة أمثاله الشعبية التي تحمل مخزونا متوارثا يعبر عما هو متأصل لديه من مفاهيم الحياة.
الزواج من أكثر الموضوعات التي حظت بالأمثال الشعبية حتي إنها تؤثربشدة علي مفاهيمنا المتوارثة عن الزواج واختيار شريك الحياة… بعضها في محله والآخر يحتاج إلي مراجعة.
جذبني كتاب للدكتور عادل حليم المتخصص في الطب النفسي والمشورة الأسرية يحمل عنوان قالوا في الأمثال عن الزواج وقسم الأمثال إلي قسمين الأول عن مفاهيم الزواج, والثاني عن الاختيار في الزواج واتبع أسلوب شرح المثل كما يفهمه الناس ثم البحث فيما وراءه لاكتشاف مدي تأثر المجتمع به ثم قياسه في ضوء علم النفس ثم تقديم الرؤية المسيحية حول موضوعه مع اقتراحات وتوصيات لتعميق ما هو إيجابي وتغيير ما هو سلبي.
القسمة والنصيب
وحول مفاهيم الزواج استعرض د. عادل الأمثال التي تتكلم عن القسمة والنصيب والبخت في الزواج مثل الجواز قسمة ونصيب… اللي من بختك ما ياخدها غيرك, وناقش الفكرة الراسخة في المجتمع بأن هناك أشياء تحدث للإنسان رغما عنه, ورد عليها بأن القسمة والنصيب ما هما إلا الشماعة التي يعلق عليها البعض فشلهم الزوجي, وأن فكرة وجود أشياء سوف تحدث لنا رغم إرادتنا ومهما فعلنا تعتبر ضد حرية الإرادة التي منحها الله للإنسان, وأن علم الله السابق بكل شئ لا يلغي ولا يتنافي مع حرية الإنسان في اختيار حياته, وقد حجب الله عنا ما يعلم به حتي نستمر في المحاولة وممارسة حريتنا… ومن سلبيات فكرة القسمة والنصيب والحظ هو الخمول والتواكل وعدم بذل الجهد سواء في اختيار شريك الحياة المناسب أو محاولة تفهم الطباع والتكيف مع شريك الحياة.
خيبة الأمل
وهناك من الأمثال ما تعتبر الزواج شرا لابد منه فهناك مثل يحمل نفس اللفظ والمعني ومثل آخر يقول جات العازبة تشتكي لقت المتجوزة بتبكي… وهذه الفكرة السلبية عن الزواج والتي تروج لها سلسلة طويلة من الأمثال الشعبية تجسد خيبة الأمل في الزواج ومنها ما يقول كانوا بيحسبوا الجواز هدية لقوه رزية, ويعلق د. عادل علي ذلك قائلا أن هذه الأمثال تجد إن الزواج سعادة مؤقتة ومزيفة, والواقع أن العيب ليس في الزواج وإنما في المتزوجين أنفسهم, وفي أسلوب ممارستهم للحياة الزوجية, فالله كون الزواج وأسسه منذ البدء حينما أخذ حواء وأحضرها بنفسه لآدم وباركهما, فالزواج نعمة منحها الرب منذ البدء لأجل محبوبه الإنسان ولا يمكن أن يصنع الله شيئا من الشر!!… فالواقع أن الزواج الفاشل ينتج عن أزواج لا يقيمون الجسور وإنما الحواجز فتتكون فجوة بينهما قد تتحول إلي هوة عظيمة, أما السبب في فشل توقعات الشباب من الزواج وشعورهم بأنه يتحول إلي نقمة أنهم لا يستوعبون أن الزواج عملة ذات وجهين هما البهجة ومعاناة المسئولية, وأن يتوقع من الزواج البهجة والمتعة فقط إنما يخدع نفسه ويعتبر الواقع بالنسبة له صدمة كبيرة.
ويستطرد الكاتب موضحا أسباب تحول خير الزواج إلي شر بأن ذلك يرجع إلي فقر المحبة , وعدم قدرتنا علي العطاء, ورفض الغفران والمسامحة فيتحول الزواج من علاقة محبة بين شريكين إلي علاقة صراع وصدام وخصام, ويقترح بعض الأفكار التي تساعد شبابنا علي الارتباط بزواج غير روتيني وغير ممل بعدة طرق منها: الإعداد النفسي للزواج بمعني التخلص من سلبيات في الشخصية بالجهاد الروحي مع الاستعانة بشخص متخصص حتي لا يدخل الشاب إلي الزواج محملا بمتاعب نفسية يتعب بها شريك حياته, مع حضور دورات تدريبية للمقبلين علي الزواج حتي يمكن لكل فرد فهم أبعاد وأهداف الزواج وأسس التفاهم الزوجي, وبناء الزواج علي الاختيار المناسب والذي لا يعني فقط أن من تختاره مناسب لك بل أنت أيضا مناسب له, وتفهم حقيقة أننا نتزوج لكي نسعد شريك حياتنا لا لكي نسعد أنفسنا فقط وأن السلوك بهذه الروح في الزواج يجعلنا نعيش سعادة أعلي بكثير من مجرد إسعاد الذات المؤقتة… فبالطبع سعادة الآخر ستعود علينا بعمق أكبر.
مقبرة الحب
ومن المفاهيم التي ترسخها الأمثال الشعبية عن الزواج أنه مقبرة الحب فيقولون الحب بستان يضحك بالزهور والجواز سجن نهايته القبور, ويعلق الكاتب علي هذا المثل بأن كلمة الحب المستخدمة فيه لا تعني سوي الحب الهزيل الأناني الذي يطلب فيه المحب ما لنفسه فقط, ولا يعني إلا بالسعادة الشخصية فهو في الواقع أنانية وبالفعل يصير الزواج مقبرة للأنانية… ولكن لماذا يحدث الهبوط العاطفي بعد الزواج أحيانا؟ فيقول! إذا كانت العاطفة جارفة في الخطوبة وبداية الزواج فالسبب هو الاهتمام بشريك الحياة والتركيز عليه, أما هبوطها أحيانا بعد الزواج فيعود إلي إهمالنا لشريك الحياة, وإذا اعتبر الشريك شريكه قطعة منه إذ أصبحا جسدا واحدا فسيسعي إلي تنمية المشاعر الدافئة, أما إذا نظر إليه بعد الزواج كأحد ممتلكاته وأنه لن يستطيع أن يذهب بعيدا عنه فهنا تهبط قيمته ويهمله ويتحول الزوج لحياة مملة.
إمشي في جوازة
حول التوسط في الزواج أو من يقوم بدور الخاطبة فالأمثال تتناقض فمن يحذر من هذا الدور يقول إمشي في جنازة ولا تمشي في جوازة, ومن يؤيد ويبارك هذه الواسطة يقول يا بخت من وفق راسين في الحلال, وينتهز الكاتب الفرصة لمناقشة مواصفات من يقوم بدور في التعارف للزواج ثم يناقش فكرة الخاطبة الإلكترونية أو الزواج عن طريق النت, وإن كان يرفض المواقع الإلكترونية التي تقوم بهذا الدور علي اعتبار افتقادها لدقة وجدية المعلومات المقدمة علي هذه الشبكة العنكبوتية, أما من يقوم بدور التعارف من الأصدقاء أو الجيران أو الأهل فوضع له عدة شروط منها أن يتمتع بالوعي والحكمة ومتفهما لمعني وأبعاد الزواج المسيحي وأن يكون دافعه المحبة المجردة وليس له أية منفعة شخصية وأن يكون عارفا للشخصين معرفة غير سطحية, وأن يوقن أن دوره هو مجرد مقدمة لفكرة الارتباط أما القرار فمتروك كليا للطرفين, وأن يقتصر دوره علي مجرد الاقتراح دون إلحاح, وألا يمتدح أي طرف بشكل مبالغ فيه ولا ينشغل بمتابعتهما أو الإطلاع علي أمورهما, وألايقوم بهذا الدور إلا إذا وافق الطرفان خاصة وأن كثيرا من الشباب لديهم حساسية من هذا النوع من التعارف.
ولاختيار شريك حياة أمثال شعبية أخري نغربلها في عدد قادم.
[email protected]