الروح القدس ترمز إليه أشياء كثيرة
يرمز إليه الماء كما تحدثنا في العدد الماضييو 38,7-39وترمز إليه النار كما حدث في يوم الخمسين أع2:3وكذلك الريحأع2:2وكلمتا ريح وروح من اشتقاق واحد.
وفي العماد ظهر الروح القدس علي هيئة حمامة والروح القدس يرمز إليه الزيت. وهذا هو موضوع حديثنا في هذا العدد:
أول ما نلاحظه في الزيت هو المسحة المقدسة.التي بها يحل الروح القدس.
وكان قوام هذه المسحة من الزيت,وبخاصة زيت الزيتون تخلط به أفخر العطور والأطياب كما قال الرب لموسيوتصنعه دهنا مقدسا للمسحةخر30:24-25أما عن استعماله فقال له الرب:
وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة والمائدة وكل آنيتها والمنارة آنيتها ومذبح البخور ومذبح المحرقة وكل آنيته.وتقدسها فتكون قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدساخر30:26-39
وهكذا كانت تمسح به الأماكن المقدسة.والمذابح والأواني المقدسة
وبهذه المسحة التي يقوم بها كاهن الرب,كان روح الرب يحل عليها فتتقدس وتصير قدسا للرب إنه ليس زيتا عاديا هذا الذي تمسح به,إنما هو المادة التي يعمل الروح القدس من خلالها.
وكرر الرب وصية المسحة هذه لموسي النبي فيخر40:9-11.ففعل موسي بحسب كل ما أمر به الرب, هكذا فعلخر40:16وقام بعملية التدشين هذه.
ولعل أول مكان دشن بالزيت هو بيت أيل أي بيت الله..
وهو أول مكان مقدس تم تدشينه في العهد القديم إذ ورد في سفر التكوين عن هذا الأمر,لما رأي أبونا يعقوب سلما بين السماء والأرض.
قال أبونا يعقوبما أرهب هذا المكان.ما هذا ألا بيت الله,وهذا باب السماء..وبكر يعقوب في الصباح..وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه,وأقامه عمودا وصب زيتا علي رأسه. ودعا اسم ذلك المكان بيت أيلتك28:16-19.
ويعقوب أبو الآباء كرر عملية التدشين بالزيت لما ظهر له الرب في فدان آرام وباركه:
فنصب يعقوب عمودا في المكان الذي فيه تكلم اللهمعه عمودا من حجر وسكب عليه سكيبا وصب عليه زيتا ودعا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت أيل تك35:9-15.
هذا التقديس بالزيت كان يعني تخصيصه للرب وحده .
فيصير المكان بيتا للرب وتصير الأواني مقدسة للرب أي مخصصة له,لاتستعمل في أي غرض آخر.بل يصير زيت المسحة أو دهن المسحة مخصصا للرب لايصنع أحد مثله وفي ذلك قال الرب عنه لموسيكل من ركب مثله ومن جعل منه علي اجنبي يقطع من شعبهخر30:33.
هذا الزيتالدهن المقدس أو الطيب المقدسكان يمسح به الكهنة أيضا.
فيصيرون بهذه المسحة قدسا للرب,مخصصين لخدمته ومسحهم بالزيت معناه أن الروح القدس هو الذي مسحهم كما قال السيد عن مسحتهروح السيد الرب علي لأنه مسحنيأش61:1.
وقد أمر الرب نبيه موسي أن يمسح هرون وبنيه ليكهنوا له فقال وتمسح هرون وبنيه ليكهنوا ليخر3:30وأيضا وتقدم هرون وبنيه إلي باب خيمة الاجتماع وتغسلهم بماء وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي.وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي.ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتا أبديا في أجيالهمخر40:12-15..
لقد اختار الله هرون وبنيه للكهنوت.ولكن كان لابد من مسحهم الله ليبدأوا عمل الكهنوت.
إن اختيارهم يعني الدعوة الإلهية أما المسحة فتعني حلول الروح القدس عليهم قبل أن يبدأوا خدمة الكهنوت المقدسة لأنهم سوف يعملون بالروح القدس الذي حل عليهم.
وقد قيل عن مسحة هرون في المزمور:هو ذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا كالطيب الكائن علي الرأس النازل علي اللحية لحية هرون النازلة إلي جيب قميصهمز133:1-2
فعل موسي كما أمره الربأخذ موسي دهن المسحة ..ومسح المسكن وكل مافيه وقدسه..وصب من دهن المسحة علي رأس هرون ومسحه لتقديسهلا8:10-12.
إنها قوة الروح القدس العاملة في الزيت التي تقدس الأماكن وتقدس الأشخاص.
وهذه المسحة كان يمسح بها الملوك أيضا.
أول ملك تمت مسحته هو شاول.وقد مسحه صموئيل النبي حسب أمر الرب لهاصم9:16.
ولما مسحه حل عليه روح الرب فتنبأ حتي تعجب الناس وقالوا أشاول أيضا بين الأنبياء1صم10:10-11وقال له صموئيل النبيالرب قد مسحك علي ميراثه رئيسا. فكانت مسحة صموئيل له هي مسحة الرب لنا.لأن روح الرب هو الذي مسحه من خلال الزيت
وهكذا بالمسحة كان يحل روح الرب علي الممسوح.
وكما قيل عن شاول لما مسح ملكا إن روح الرب حل عليه هكذا قيل عن داود النبي أيضا لما مسحه صموئيل وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدا1صم 16:13.
وبنفس الوضع قام إيليا النبي حسب أمر الرب له بمسح حزائيل ملكا علي آرام ويا هو بن نمشي ملكا علي إسرائيل 1مل 19:15-16.
كان هؤلاء الملوك يمسحون لينفذوا مشيئة الرب في ملكهم ولهذا كان لابد أن يحل عليهم روح الرب ليقودهم فإن رفضوا قيادة روح الله لهم يرفضهم الرب ويفارقهم روحه كما حدث لشاول الملك1صم16:14
والمسحة المقدسة كان يمسح بها الأنبياء أيضا.
وقد أمر الله إيليا النبي أن يمسح تلميذه اليشع بن شافاط نبيا عوضا له1مل 19:16لأنه مادام الأنبياء ينطقون بكلمة الله لتوصيلها للناس فكان لابد أن يحل عليهم روح الله الناطق في الانبياء 2بط1:21
والمسحة صارت لجميع المؤمنين:ليحل الروح القدس فيهم.
كان الروح القدس يحل في العصر الرسولي بوضع اليد ولما كثر عدد المؤمنين جدا صار الروح القدس يتم بالمسحة المقدسة حسبما قال معلمنا يوحنا الرسول1يو2:20و27
وصار ذلك بداية لعمل زيت الميرون المقدس,الذي يدهن به المعمد فيحل فيه الروح القدس,ويصير هيكلا للروح القدس الذي يسكن فيه1كو3:116كو6:219كو1:21
لعلنا في هذه النقطة نذكر أهمية الزيت في مثل العشر عذاري
إن كان الزيت يرمز إلي عمل الروح القدس في الإنسان, به يعمل الروح القدس فيه فمشكلة الخمس عذاري الجاهلات تكون عدم عمل الروح القدس فيهن وأنهن لم يدخلن في شركة الروح القدس,إذلم يأخذن معهن زيتا في آنيتهنمت25:3
ولهذا كانت مصابيحهن تنطفيء..لاشك أن هذا الإيضاح يقودنا إلي عمل آخر من أعمال الروح القدس فينا وهو:
الإنارة:لأننا نستنير بالروح القدس
ونذكر في ذلك أهمية وجود السرج في بيت الله. وكانت تنير بالزيت الذي فيها..وقد تكلم الرب عن أهميتها ..فقال في ذلك لموسي النبي.
وأنت تأمر بني إسرائيل أن يقدموا لك زيت زيتون مرضوض نقيا للضوء لإصعاد السرج دائما خر27:20خر35:8.
الشموع أيضا تضيء بالزيت الذي فيها واستخدامها يعطي معني روحيا أكثر من الكهرباء بلا شك..لماذا؟عندما نضع أمام أيقونة قديس شمعة مضيئة أو سراجا يضيء بالزيتقنديلا..فماذا يعني ذلك؟
كلاهما يضيء بالزيت الذي يرمز إلي الروح القدس…فكأننا نتذكر أن هذا القديس الذي كان نورا للعالم في جيله ولايزال, إنما كان ينير بهذا الزيت, الذي هو روح الله العامل فيه..وإ ذا انقطع الزيت عن أحد فلن يضيء .
وبالمثل الشمعة أمام الإنجيل
ترينا أن الإنجيل ينير عقولنا وقلوبنا بالروح القدس الذي يعمل فينا للاستنارة.
وأيضا ينير لنا الطريق بالروح القدس الذي أوحي إلي الرسل في كتابة الإنجيل2تي3:16والذي كان يذكر الإنجيليين بكل ما قاله الرب لهميو14:26
نقطة أخري نحب أن نضيفها وهي:
علاقة الزيت بالشفاء
قيل عن الآباء الرسل الاثني عشرفخرجوا وصاروا يكرزون..وأخرجوا شياطين كثيرة ودهنوا بزيت مرضي كثيرين فشفوهممر6:12-13
والزيت هنا يرمز إلي عمل الروح القدس في الشفاء أو الروح القدس يعمل من خلال الزيت ويشفي
وعن سر مسحة المرضي يقول الرسول
أمريض أحدبينكم فليدع قسوس الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب. وصلاة الإيمان تشفي المريض, والرب يقيمه. وإن كان قد فعل خطية تغفر لهيع 5:14-15
إن الروح القدس هو الذي يشفي المريض ويعمل في الزيت,سواء في الشفاء أو في مغفرة الخطايا..
وعلاقة الزيت بالشفاء توجد في مواضع أخري في العهد القديم أش1:6وفي قصة السامري الصالحلو10:34
فغير الفوائد الطبية للزيت أتراه أيضا رمزا لعمل روح الله في الشفاء..؟
ننتقل إلي نقطة أخري وهي مصدر الزيتالمستخدم في المسحة وفي السرج,أعني شجرة الزيتون.
فقد شبهت الكنيسة بشجرة الزيتون لأن الإنسان ينال الروح القدس عن طريق الكنيسة مثلما ننال الزيت عن طريق شجرة الزيتون
فالقديس بولس الرسول شبه كنيسة العهد القديم الزيتون الأصلية الطبيعية وكنيسة العهد الجديد بزيتونة برية طعمت فيها,فصارت شريكة في أصل الزيتونة ودسمهارو11:24,17..
وزكريا النبي تحدث في نبوءته عن الزيتونتين اللتين هما ابنا الزيت الواقفان أمام سيد الأرض كلهازك4:11-14.هما ابنا الزيت من حيث أنهما ولدتا من الروح القدس. وفي نفس الوقت هما اللتان تمنحان الزيت للناس.
والمؤمنون هم أغصان هذه الزيتونة
الأغصان التي تتغذي علي عصارة الزيتونة ودسمها والتي تقطع إن لم تسلك حسب الحق رو11:21-22
وهكذا يقول المرتل في المزمور.
بنوك مثل غصون الزيتون الجدد حول مائدتكمز128:3..بل نقول أكثر من هذا:
إن المؤمن عبارة عن زيتونةولأنه يحمل الزيت الذي يرمز إلي الروح القدس.
وهكذا قال المرتل في المزموأما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت أبيمز52:8..فحينما أكون زيتونة أستحق أن يدعي الله أبي, لأنني أحمل داخلي روحه القدوس, أعني الزيت الذي تحمله الزيتونة.
إن كان الأمر هكذا فما هو تأملنا إذن في ورقة الزيتونة الخضراء التي حملتها الحمامة إلي فلك نوح؟
ورقة الزيتونة ترمز إلي السلام,لأن السلام هو من ثمرة الروح غل5:22.
أكانت هذه الورقة الخضراء تشير إلي انحسار ماء الطوفان إلي الأرض أم تشير إلي سلام الله مع الناس ,الذي عبر عنه قوس قزح أيضاتك19:13-15هنا وانتقل إلي نقطة أخيرة هي:
علاقة السيد المسيح بجبل الزيتون
كان مكانه المفضل وكما يقول القديس يوحنا الإنجيلي فمضي كل واحد إلي خاصته أما يسوع فمضي إلي جبل الزيتونيو8:1ومن عند منحدر جبل الزيتون استقبلوه بالتسابيح والفرح كملك علي أورشليم لو19:37-38وبعد أن منحهم سر الإفخارستيا سبحوا وخرجوا إلي جبل الزيتون مر14:26بل أن صعوده إلي السماء أيضا كان من عند جبل الزيتون كذلك أع1:11-12.
أتري كان المسيح في جبل الزيتون,يتأمل الزيتونات الخضراء التي في بيت أبيه وما فيها من زيت الزيتون الذي يرمز إلي عمل الروح فيها, وإلي مسحتها المقدسة بهذا الزيت, والسلام الذي تحصل عليه كل هذه الزيتونات.