في ديانتنا خصائص تميزت بها, ومن هذه الخصائص أن المسيح فدانا وعتقنا وأعطانا حرية أصبحت طابعا مميزا لديانتنا, ندين بالجبرية في علاقتنا مع الله ومع الناس والله يعاملنا كأحرار. ولذلك فإن مبدأ الجبرية والقهر والاضطرار لا تعرفه المسيحية, نحن مدعوون إلي القداسة…إلي الفضيلة ولكن لنا ملء الحرية, لسنا مصيرين في شئ وإنما لنا الاختيار وأمامنا الحياة وأمامنا الموت وللمسيحي أن يختار بينهما, وفي علاقاتنا بغيرنا من الناس لا نفرض علي أحد عقيدة, ولانجبر أحدا علي أن يؤمن بإيماننا, ولا نستخدم سبيل العنف في سبيل الوصول لحقيقة ديانتنا وما فيها من تعاليم ومبادئ, إنما كما علمنا السيد المسيح نعرض عقائدنا وإيماننا علي الناس, ولا نستخدم في سبيل الإقناع أي وسيلة عنيفة, إنما نعرضه في حب ولايعنينا الوقت الذي نصرفه في الإقناع, إنما يدخلون بعد أن تكون نفوسهم قد تشبعت تشبعا حقيقيا لهذه العقائد…
وهكذا المسيحية طابعها طابع الحرية لاتفرض شيئا, ولاتقهر ولاتلزم أحدا بشئ,وإنما هي دعوة إلهية تعتمد علي احترام الحرية التي منحنا المسيح إياها, والمسيح نفسه في علاقته بنا علمنا أنه كان يحترم حرية الإنسان عندما كان يتعامل معه, فمثلا كلم المخلع…لم يشأ أن يشفيه إلا بعد أن يعرض عليه استعداده لهذا العمل, علي أن يطلب هو الشفاء مع إن الحالة واضحة, وإنما قصد أن يطلب المخلع لنفسه لبرء لمرضه وهذه سياسة الحرية, هكذا عاملنا المسيح في شريعته, المسيح يحترم حريتنا فهذا هو الطابع العام الذي يميز المسيحية كديانة إلهية, نعرف أننا صرنا أحرارا حتي لا نستعبد لشهوة مامن شهوات العالم,لأننا نعرف أن هذا الاستعباد يتعارض مع الحرية التي أعطاها لنا السيد المسيح,وهكذا الأمر فيما يتصل بعلاقة الرجل والمرأة:
نفس المبدأ وذات القاعدة, إن الحرية التي حررنا المسيح بها, هي التي تفسر لنا أن كل نوع من العبودية يرتفع في علاقتنا بالمسيح,إننا جميعا أبناء الله….
هنا إلغاء للفروق الجنسية, وإلغاء للفروق بين الشعوب, وإلغاء الخصائص الوطنية بين ألوان الناس وجنسياتهم, هنا إلغاء لكل الفوارق في داخل الجامعة الرسولية, في الواحدة الوحيدة تزول الفوارق بين الشعوب, مهما اختلفت ألوانهم وجنسياتهم وأصولهم.
وبهذا المعني نفهم أن في داخل الجامعة الرسولية زالت الفوارق في القيمة الإنسانية بين العبد والسيد, بين الرجل والمرأة, ليس عبد ولاحر, لأننا جميعا صرنا أبناء لله بالمسيح يسوع بالإيمان بيسوع المسيح, ليس هذا معناه إلغاء للاختصاصات العملية في الحياة, ليس معناه أنه ليس رئيس ولا مرؤوس, ولكن معناه أن العبد الذي ليس له قيمة في القديم من الناحية الإنسانية, وكان للسيد أن يفعل ما يشاء في هذا الخادم, له أن يسئ معاملته ويقطعه ويحرقه بالنار. أصبح في المسيحية ليس عبد ولا حر في القيمة الإنسانية.
ولكن ما معني ليس ذكر ولا أنثي في المسيح يسوع؟
وإلي أي مدي يمكن أن نفهم هذه الوحدانية, وهذه المساواة بين الرجل وبين المرأة؟ لست في حاجة أن أقول إننا ونحن في نصف القرن العشرين, وفي مجتمعنا القبطي, في حاجة أن نفهم العلاقة في النظرة بين الرجل والمرأة. في مثل هذه الكلمات أبان الرسول أن هناك مساواة, ولاشك أن معني هذه المساواة, أن الله الذي خلق الرجل هو الذي خلق المرأة, ولابد أن للمرأة دورا تقوم به في الحياة, ولهذا الدور قيمته في الحياة بأثرها, المرأة والرجل أمام الله خليقته, وهي بهذا عزيزة عليه ولا يسمح أن تمس بسوء, وفي المسيحية للمرأة نصيب في الديانة يتساوي مع نصيب الرجل, فللمرأة أن تعبد الله وتصوم…وتمارس كافة أنواع العبادات, والكنيسة المسيحية تطلب من المرأة أن تدخل أحضانها كالرجل سواء بسواء.
قد يكون في الأديان الأخري من لا يسمح للمرأة أن تدخل في المعبد بجانب الرجل, ولا يعترض ذلك أن المرأة تمنع من دخول الكنيسة في بعض الأوقات وليس هذا لأن الرجل أطهر من المرأة, ولكن لو كان الرجل في ظروفها لمنع أيضا-وحتي المنع لمدة معينة- فالمرأة لها أن تشترك في جميع الأسرار المقدسة, ما سمعنا في العهد القديم عن الروح القدس أنه حل علي المرأة, لأنه كان موقوفا علي الرجال في بعض المهام, مثل النبوة أو الكهنوت أو الملك, أما في العهد الجديد يحل علي المؤمنة في المعمودية وجميع الأسرار, حتي في الكهنوت هناك شماسات سواء خدمتهن في الكنيسة أو في منازل المؤمنات, لأنه ليس خدمة الشماسة فقط المساعدة في تعميد النساء المؤمنات, بل عملها يمتد كثيرا, وإن الكنيسة لا تستغني عن خدمة النساء, ومن يفهم ذلك يسئ إلي تعاليم المسيح في نظام الشماسات.
إن المرأة تستوي مع الرجل في القيمة الإنسانية, من حيث أنها خلقت كالرجل علي صورة الله ومثاله, فللمرأة روح أو نفس جاءت من غير هذا العالم, وهذه النفس طامحة للخلود, في يوم الدينونة المرأة والرجل كلاهما يقفان أمام الله ويجزيان عن كل فعل حسن أو أثيم, وليس الفرق بينهما إلا فرقا عرضيا, وهو يتناول قيمة عمله في الحياة الحاضرة, أما في الحياة الأخري لافرق بين رجل وامرأة.
في الحقوق الأبوية:لافرق بين ولد أو بنت, للبنت أن تتمتع بمحبة والديها وعطفهما ورعايتهما, كما يتمتع الولد سواء بسواء, لأنه لافرق بين ولد وبنت, قد يكون هناك أحيانا ظروف اقتصادية تجعل الأبوان يفرحان بالولد أكثر من البنت, ولكن لا يرتفع لدرجة القيمة الإنسانية, بل عليهما أن يوزعا للولد والبنت العطف والحنان.
في المواريث: المسيحية لا تفرق بين ابن وابنة, المسيحية تساوي وتسوي بين المرأة والرجل في الميراث, لأن القيمة واحدة.
سئل البابا كيرلس الرابع عن رأي المسيحية في موضوع المواريث؟ فقال: إذا صنعت المرأة خيرا فهل تجزي أمام الله بأقل من الرجل لو صنع الخير نفسه؟وأجاب رجل الدولة حاشا أن يكون عند الله ظلم, فأجاب: نحن في ديانتنا كما في السماء كذلك علي الأرض.
في القيمة الإنسانية والمواريث والرعاية الأبوية. وفي نظرتنا نحن, وفي العبادة والأسرار, للرجل والمرأة كل منهما أمام الشريعة المسيحية نفس الحقوق.
هذا هو نصف الحق وليس الحق كله, هذا هو نصف الحقيقة, أقول نصف الحق لأني لا أرضي أن أغالط…لأن هناك فروقا رسمتها الطبيعة بين الرجل والمرأة.
فروق جسمية وفروق نفسية وفروق وظيفية تترتب علي الاثنين الأولين:
فروق جسمية أو تشريحية: الرجل يتميز بالصلابة وقوة العظام, والوزن الثقيل, والمرأة أرق من الرجل في هذا كله.
فرروق جنسية حيث إن المرأة تحمل طفلا وستكون أما, يحتاج منها طفلها إلي الحنان والعطف واللين.
فروق نفسية:لا نغالط الحق إذا قلنا إن الرجل أقدر علي التفكير الجاف أو أقوي علي التفكير العميق من المرأة, علي التفكير الإبداعي الخلاق الصرف, المجرد من العاطفة والانفعالات, والمرأة أغني من الرجل عاطفة وشعورا وحساسية, وأقدر علي أن تشعر شعورا عميقا بالمشاكل العاطفية من الرجل, من هنا كل يكمل الآخر, وكل ذلك لمصلحة الجنين والطفل الذي يحتاج إلي صرامة الوالد وقوة حزمه وإرادته ويحتاج إلي قوة عضلاته لكسب القوت, كما يحتاج إلي عطف ورقة الأم وصبرها وجلدها, هذا الجلد الذي نتعجب أنه في المرأة أكثر من الرجل…المرأة أقدر في تحمل الصدمات عن الرجل, الرجل يصاب بالأمراض ربما الشلل أو الضغط, وإن لم يكن الموت, ولكن المرأة عندها المرونة لتحمل الصدمة بالصبر والجلد.
إذا الولد مات أبوه يكون ناقصا, وإن ماتت أمه يكون ناقصا في التربية النفسية, إذن التركيب النفسي يختلف بين المرأة والرجل, وليس هناك مجال المفاضلة لأن الحاجة إليهما في الأسرة والمجتمع. المجتمع لا يصلح أن يكون كله رجالا أوسيدات, بل يعملان جنبا إلي جنب.
لماذا الرجل مركب طبيعيا للرياسة والقيادة, ونفسيا للتدريب والرعاية…ليس إهانة للمرأة بل وضع الأمور في نصابها, لو قلنا إن المرأة لا تصلح للقيادة لأن المرأة عاطفة وانفعالات, وهذا معنيالرجل رأس المرأةأي قائد للأسرة والمجتمع, وذلك بناء علي التركيب الطبيعي( في روما مكتب بريد فيه 150 فتاة موظفة ورجل واحد).
عندما نقول المرأة أضعف من الرجل, ليس القصد من ناحية التكوين أبدا,ربما المرأة أكثر مرونة من الرجل في تحمل الأمراض وصدمات الحياة من الناحيتين الجسمية والنفسية, والمرأة أكثر عمرا من الرجل, الرجل عندما يصدم ربما يموت أو يشل, أو يحدث له انفجارات في القلب أو المخ أو جلطة في الدم, إذن المرأة أقل إصابة من الرجل في هذه الأمراض, لو راجعنا إحصاءات الأموات من سن6-8 من الأطفال نجد أن الموت بين البنات أقل من الأولاد, والمرأة يمكنها أن تصرف آلامها عن طريقها الدموع.
إنما المرأة أضعف من الرجل, لأن العاطفة والانفعالات في المرأة سريعة وقوية, تجعلها تضعف أمام مواقف القوة, لأن المجتمع فيه المواقف التي في حاجة للقسوة والجفاء. لذلك الطبيعة تقتضي المواقف القيادية أن تكون في يد الرجل, الذي هو أكثر قدرة في ضبط الأعصاب وقوة الإرادة والجرأة, وهذا هو الذي يدعو أن لايكون الكهنوت للسيدات, لأن الكاهن يقابل كثيرا من الضرب والإهانات والقسوة والعذاب كما نري في أيام الاضطهادات فلا تستطيع المرأة أن تصمد أمام هذه الألوان. الدسقولية تري أن مريم العذراء رغم أنها مجملة بجميع الفضائل, ولكن ليس لها حق من حقوق الكهنوت, ولكن الكنيسة أباحت خدمة النساء كشماسات, فوزن مخ المرأة عادة يقل 130 جراما عن مخ الرجل.
علي هذه الفروق يترتب وظيفة المرأة والرجل:
الرجل له أن يكدح ويعرق وأن يعمل. والله قال للرجل ولم يقل للمرأةبعرق جبينك تأكل خبزك له أن يكافح في الميادين المختلفة, ويكافح الطبيعة, وهو لذلك مزود جسميا لكي يمكنه أن يصارع الطبيعة في قوتها, ومزود بالإمكانيات والمواهب أبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل عمل الرجل شرف وله أن يشارك الله في العمل, والمرأة لها عملها أيضا في البيت كزوجة وكأم, تمنح زوجها مشورة مخلصة جنبا إلي جنب معه وفي حضرته,مساندة ومشجعة كزوجة شريكة معينة نظيره, كما قال اللهفلنصنع له معينا نظيره وخلقت أيضا ملكة للبيت, فالمرأة مملكتها هي البيتقامت الملكة عن يمينه كأنها عضده وساعده وذراعه اليمين, مدير البيت كمسئولة أمام الله, في حضرته وغيابه, لأن الرجل أكثر وقته خارج البيت, والمرأة الحكيمة تعرف كم هو عظيم وشاق عملها, لأن الزواج حكمة إلهية عجيبة,لتربية الأولاد, جيل جديد يتكون علي أكتاف جيل قديم, في الحيوان مدة التربية تكون قصيرة, أما الإنسان فمحتاج إلي فترة تربية 30سنة, وهذا من الوجهة النفسية, لأن طوال 30سنة يعد الابن أو الابنة في حاجة إلي رعاية روحية في هذه التربية. من يتولي الاهتمام بالولد؟المرأة لها دور أعظم, المرأة أولا لأنه يتكون من لحمها ودمها مدة 9 أشهر ثم يولد ويعيش علي لبنها, من هنا إن أي شئ يفصل المرأة عن مهمتها الأساسية في الحياة بالنسبة للأسرة, وعن القيام بواجباتها نحو زوجها أو أولادها يجب أن تكون ثانوية, أو يجب أن تلغي نهائيا. أعظم إنسان يجب أن يقولإن أمي جعلتني من أنا.
الأم مدرسة إذا أعددتها….أعددت شعبا طيب الأعراق.
المرأة والعمل:لا يمكن لامرأة أن تدعي أن تخدم البيت والعمل في وقت واحد, بنفس القدرة والكفاءة, وقد يكون هناك تبرير إذا كانت هناك ظروف اقتصادية, أو إذا مات رجلها أو كانت تعمل قبل الزواج للظروف الاقتصادية. إن المجتمع البشري في حاجة أن يراجع نفسه من جديد علي ضوء هذه التعاليم, في حاجة لبحث هذا الموضوع. من الجميل أن هناك لجنة في جمهورية مصر العربية تبحث مشاكل الأسرة, وأهم مشكلة هي مشكلة المرأة العاملة لأن الخادمة غير موجودة, أيضا لأنها عاملة, وإن وجدت فهي فاشلة في تربية الأولاد بجوار مرتبها الباهظ.
علي أساس هذه الفروق يجب أن يتعين دور المرأة في العمل وكذلك الرجل, هذه الفروق تنحل ما دمنا دخلنا في الأبدية, لأن في الأبدية الفرق بين إنسان وإنسان, وليس بين رجل وامرأة.