● للمسرح فى مصر خصوصية فى البداية، هل لسيادتكم أن توجز لنا فى إلماحة سريعة هذه البداية؟
●● بداية معرفة مصر بالمسرح كانت مع إنشاءات الأوبرا عام 1869 حينما بدأت الفرق الأجنبية تأتى فى مواسم مسرحية وأوبرالية لتقدم عروضها للطبقة الأستقراطية أو الجاليات الأجنبية التى كانت تعيش فى مصر، وظل هذا الإتجاه المسرحى محصوراً فى هذه الطبقات والفئات، لكن الحركة المسرحية التى أبتدت فى أن ترتبط بالجماهير بدأت على أيدى الفنانين الشوام الذين أتوا إلى القاهرة مثل: يعقوب صنوع وسليم ومارون النقاش، وأبو خليل القبانى وغيرهم … وبدأوا فى تقديم المسرحيات الفرنسية باللغة العربية ومعظمها كانت المسرحيات التى عرفت فى باريس بمسرح “البوليفار” أى مسرح التسلية والترفيه، وكان أول كاتب مسرحى يحاول أن يكتب نصوصاً مصرية صحيحة هو محمد تيمور الذى توفى عام 1922 وكتب أربع مسرحيات أشهرها مسرحية “عبد الستار أفندى”، كما كتب “العشرة الطيبة” لسيد درويش وأنتجها نجيب الريحانى وأخرجها عزيز عيد، وفى أثناء الحرب العالمية الأولى كان من الطبيعى أن يزدهر مسرح التسلية التجارى فى شارع عماد الدين، وكان نجيب الريحانى قد أشتهر بدور “كشكش بيه” عمدة كفر البلاص، وعلى الكسار أشتهر بدور “بربرى” مصر الوحيد عثمان عبد الباسط، وأيضاً أزدهر مسرح الميلودراما من خلال مسرح رمسيس الذى أنشأه يوسف وهبى ومعه أمينه رزق وفردوس حسن وفردوس محمد، ومسرح عزيز عيد، ومسرح فاطمة رشدى، ومسرح عبد الرحمن رشدى، ومسرح أولاد عكاشة … إلخ، أيضاً أزدهر المسرح الذى قدم الأعمال الغنائية من تأليف سيد درويش وداود حسنى وكامل الخلعى، وكان من نجوم هذه العروض منيرة المهدية.
وقد بدأ الإتجاه العلمى فى المسرح بعودة ذكى طليمات من فرنسا، ودخول توفيق الحكيم حلبة التأليف الجاد فى المسرح من مسرحية أهل الكهف عام 1933 والتى قدمها المسرح القومى الذى كان يعرف فى ذلك الوقت بالفرقة المسرحية الحديثة.
واستمر المسرح القومى فى خطة الجاد، إلى أن ظهر فى الخمسينيات المسرح الذى عرف بإسم (المسرح الجر) الذى أنضم إليه من الكتاب نعمان عاشور ورشاد رشدى، ومن المخرجين كمال ياسين وعلى الغندور، وقدم مسرحيات ذات إتجاه جديد مثل: مسرحية “الناس اللى تحت” لنعمان عاشور، ومسرحية “الفراشة” للدكتور رشاد رشدى، ولكن سرعان ماجذب المسرح القومى هؤلاء الفنانين بحيث أنتهى المسرح الحر، وأصبح المسرح القومى هو سيد الساحة المسرحية، وكانت فرق مسرح رمسيس ليوسف وهبى وفاطمة رشدى قد تعثرت وتوقفت، ولم يتبق فى الساحة من المسرح القديم سوى مسرح نجيب الريحانى رغم وفاته عام 1949 ومسرح إسماعيل ياسين.
بعد قيام ثورة يوليو، 1952، أنشئت وزارة الإرشاد القومى التى تفرعت منها بعد ذلك وزارة الإعلام و وزارة الثقافة، وقدم المسرح القومى مسرحيات تواكب فترة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، فقدم المسرح القومى مسرحية (جون ستاينبك) “أقول القمر” التى تدور حول الإحتلال النازى، ومسرحية الكاتب محمد متولى “تحت الرماد” وغيرهما، و واصل المسرح القومى استمراره الإيجابى المثمر حتى وقوع الإنفصال بين مصر وسوريا فى سبتمبر، عام 1961، وبعدها أنشئت فرق التليفزيون العشرة لكى تمتص الهزة النفسية والسياسية التى ترتبت على الإنفصال.
● وماذا عن الحركة المسرحية الحديثة؟
●● بدأ المسرح الحالى بما يسمى مسرح الستينيات، كان هناك مسرح صنعته الدولة وكان قد بدأ، حيث كانت هناك الفرقة القومية المسرح القومى، لكن عندما وقع الإنفصال بين مصر وسوريا حدثت هزه عنيفة جداً بين المثقفين والكتاب كما ذكرت، وكان من الصعب على السلطات أن تحتوى هذه الهزة بالطرق التقليدية، ودار حوار بين الرئيس جمال عبد الناصر والدكتور عبد القادر حاتم (وزير الإعلام والثقافة فى ذلك الوقت)، وأقترح الدكتور حاتم إنشاء فرق مسرحية متعددة الأنشطة لكى تستوعب نشاط الأدباء والنقاد والكتاب، وهذه كانت بداية ما عرف “بفرق مسرح التليفزيون” التى كان من ضمنها المسرح الكوميدى والمسرح العالمى ومسرح الطفل ومسرح الجليد والسيرك القومى والمسرح الغنائى وغيرها. وبالفعل أزدهرت نهضة مسرحية بكتاب جدد غير الذين بدأوا قبل ذلك، فنألف أسماء نعمان عاشور ويوسف إدريس وألفريد فرج ورشاد رشدى وسعد الدين وهبة ولطفى الخولى، ثم على سالم، محمود دياب، ميخائيل رومان، وكان بعضهم مثل نعمان عاشور ورشاد رشدى قد أفتتحا حياتهما المسرحية فى المسرح الحر، لكن مسرح الدولة استوعب الجميع خاصة بعد عودة المخرجين الشبان من بعثاتهم فى فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وغيرها، مثل: حمدى غيث، سعد أردش، جلال الشرقاوى، نجيب سرور، كمال عيد، كمال مطاوع، محمد مرجان، أحمد عبد الحليم، كمال ياسين، ومن جاء بعدهم فى الجيل التالى مثل: سمير العصفورى، وأزدهرت الحركة المسرحية بالفعل حتى فيما يتصل بالمسرح الطليعى الذى عرف فى ذلك الوقت (بمسرح الجيب)، وظلت المواسم مزدهرة حتى نكسة يونيو 1967، وبعدها بدأت الحركة المسرحية فى الإنحسار عندما أعلن عبد الناصر شعاره المشهور: “لا صوت يعلو على صوت المعركة” بما يعنى أن الميزانيات التى كانت مخصصة للعروض المسرحية أختصرت وتحول معظمها إلى دعم المجهود الحربى.
ونظراً لأن الحركة المسرحية التى أزدهرت حوالى سبع سنوات كانت من صنع الدولة وليست من صنع القائمين على الحركة فأنحسرت عندما خفضت الميزانيات إلى حد كبير فى حين إنه كان من المتوقع أن يواصل الفنانون بالجهود الذاتية استمرار الحركة المسرحية، خاصة أن فترة النكسة أو الهزيمة كانت فى أشد الحاجة إلى الحركة المسرحية لتدعيم الروح المعنوية فى مواجهة النكسة، مثلما فعل “ألبير كامى” و”جان بول سارتر” وغيرهما فى أثناء الإحتلال النازى لفرنسا فى الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فكان هناك استمرار ولكن على غير المتوقع إذ إن نجوم المسرح الكوميدى سواء أكانوا كتاباً أم مخرجين أم ممثلين أنفصلوا عن مسرح الدولة وأنشأوا أول فرقة أهلية بإسم فرقة الفنانين المتحدين التى تفرعت منها بعد ذلك فرق أخرى، لكنها لم تواصل الإتجاه الجاد الذى تجلى فى عروض المسرح الكوميدى قبل النكسة، وهو المسرح الذى قدم مسرحيات شكسبير الكوميدية وموليير وألفريد فرج، أما ما عرف فى ذلك الوقت بمسرح الأقاليم فكان من الطبيعى أن يندثر تماماً. ولم يتبق فى الساحة سوى العروض الهزلية التى عادت بالمسرح إلى أيام عماد الدين وروض الفرج، وانتشر هذا الإتجاه باستثناء، مثل المسرح القومى الذى واصل إتجاهه الجاد وإن كانت عروضه قد عددها إلى حد كبير، وعندما حدث نصر أكتوبر كنا نتوقع أن تعود الحركة المسرحية إلى سابق إزدهارها، لكن يبدو أن المسرح الذى عرف بأنه المسرح التجارى كان قد سيطر على الساحة واستطاع أن يجذب إليه نجوم السينما والراقصات الشهيرات اللائى كن بمثابة جذب كبير للجمهور…..
ولا شك أن وزارة الثقافة قامت بدور كبير فى الخروج بالمسرح المصرى المعاصر من أزمته، ولكن يبدو أن المعوقات البيروقراطية وطرق رصد الميزانيات وكثرة الموظفين الإداريين قد أضعفت من قوة الدفع السابقة، بل إن بعض فرق وزارة الثقافة لجأت إلى الأسلوب الذى تتبعه الفرق التجارية من حيث استقدام أو استعارة مشاهير النجوم وأحياناًَ الراقصات، ويبدو أن هذا الإتجاه سوف يستمر طويلاً إذ إن تيارات العولمة نفسها الأن تركز على الأرباح التجارية كقيمة مطلوبة فى حد ذاتها، إذ يبدو أن الأفكار الجادة والأيديولوجيات السابقة لم تعد قادرة على أن تشق طريقها وسط جمهور مرهق وقلق ويسعى للبحث عن التسلية والترويح عن النفس.
● هل هناك دراسات أكاديمية جادة للحركة المسرحية؟
●● بالنسبة للدراسات المسرحية فقد أقتصرت فى معظم الأحيان على المقالات الصحفية أو تغطية العروض سواء بالكلمة أو الصورة فى الصحف والمجلات حتى يكون جمهور القراء على دراية بما يدور فى الساحة، لكن الدراسات الأكاديمية والجادة للحركة المسرحية سواء كانت فى مجال النصوص والعروض فهى قليلة للغاية، وأقتصرت عند بعض النقاد على جمع مقالاتهم فى كتب كنوع من رصد الحركة المسرحية وليس نقدها نقداً علمياً بمعنى الكلمة، واستمر هذا الوضع حتى أوائل السبعينيات لدرجة إننى عندما شرعت فى كتابة دراسات نقدية أكاديمية عن الحركة المسرحية، وجدت أن أحداً لم يكتب فيها من قبل، وإن كتبى كانت بمثابة فتح الطريق لمن جاء بعدى خاصة تلاميذى بالمعهد العالى للنقد الفنى أو معهد الفنون المسرحية أو كلية الأداب، وينطبق هذا على كتب:
– “الدراما الواقعية عند نعمان عاشور” الصادر عام 1968.
– “فن المسرح عند يوسف إدريس” الصادر عام 1970.
– “لغة المسرح عند الفريد فرج” الصادر عام 1973.
– “فن الدراما عند رشاد رشدى” الصادر عام 1975.
– “مسرح التحولات الاجتماعية” الذى عالج مسرحيات كل من سعد الدين وهبة ولطفى الخولى، ثم دخلت الساحة بقوة وإقتدار الناقدة الكبيرة الدكتورة نهاد صليحة التى قامت بدور تنظيرى وتطبيقى فى أن واحد، إذ كانت متابعة دؤوبة للعروض المسرحية وكتبت عنها المقالات الرفيعة فى الصحف والمجلات المتخصصة، كما ألفت من الكتب ما يمثل مراجع لطلبة المسرح.
ولابد أن نذكر إنه بعد النكسة التى أصيب بها المسرح عام 1967 ظهر أربعة فرسان فى الكتابة المسرحية على مستوى أكاديمى رفيع وهم: الدكتور فوزى فهمى، الدكتور سمير سرحان، الدكتور محمد عنانى، الدكتور عبد العزيز حمودة، وأنتظرنا على أيديهم خيراً عميماً نظراً للأصالة والعمق والريادة التى تجلت فى أعمالهم المسرحية، لكن يبدو أن مشاغلهم الإدارية الجسيمة قد استهلكت معظم طاقاتهم وجهدهم وفكرهم، فظلت أعمالهم الإبداعية المسرحية قليلة وإن كانت تشكل حجر زاوية راسخاً ابتداءً من أواخر السبعينيات، ولازلنا نأمل أن تتاح الفرصة والوقت والجهد لإبداعات مسرحية جديدة لهم.
ولذلك حرصت فى المعهد العالى للنقد الفنى أن يسجل طلبة الدراسات العليا عدة رسائل جامعية فى مسرح هؤلاء الفرسان الأربعة وربطه بمسرح الستينيات كمنظومة مسرحية متكاملة حتى نستطيع أن نبلور قاعدة جديدة لإنطلاق جديد. ولكن للأسف لم يكتب لهذه الرسائل الجامعية أن تنتشر فى كتب حتى تكون بين أيدى القراء العاديين من عشاق المسرح، ولذلك ظلت الدراسات المسرحية الموجودة فى المكتبات لا تكفى لتغطية كل جوانب ومشاكل وتطلعات المسرح المصرى المعاصر.
● ما قصة التجريب فى المسرح؟
●● التجريب هو جوهر الفنون جميعاً، ولولاه لأصيبت بالجمود والتحجر، لكن التجريب كمنهج مقصود ومتعمد عن التجريب الذى يترتب على التطور الطبيعى لمسيرة فن معين، ومن هنا كان ما يعرف (بالمسرح التجريبى) الذى يعمد الفنانون فيه إلى إكتشاف أفاق جديدة تكون بمثابة إطلاق لطاقات وإمكانات جديدة سواء فى التأليف أو التمثيل أو الإخراج أو الديكور…….. إلخ، وإذا استعرضنا تاريخ المسرح العالمى نجد أن هناك محطات ذات ملامح متميزة تحتم أن نقف عندها لنرى كيف كانت بمثابة نقاط تحول فى المسيرة المسرحية، وغالباً ما نجد على رأس هذا الإتجاه التجريبى فناناً مسرحياً مثقفاً ثقافة عالية وله منظور فكرى، بل وفلسفى يجعله لا يستريح للإلتزام بالتقاليد السابقة بل يسعى سعياً محموماً لإكتشاف الجديد سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وهذا النوع من التجريب يحتاج إلى جرأة بالغة وأرض صلبة من الثقافة والفكر والتقنية تؤهل الفنان التجريبى كى يستكشف الجديد الذى قد يصدم الجماهير لأول وهلة، لكنه بمرور الزمن يتحول إلى نوع من التقاليد الراسخة، وهذا يمكن أن ينطبق على شكسبير نفسه الذى ضرب بكل تقاليد أرسطو عرض الحائط، وكذلك بريخت فى مسرحه الملحمى وأرتو فى مسرحه التجريبى الذى عرف بمسرح القسوة وصموئيل بيكيت فى مسرح العبث…… إلخ، وكانت هذه الأساليب المسرحية عند تجريبها لأول مرة مثيرة لدهشة أو حتى نفور الجمهور، والأن أصبحت نظريات معترفاً بها وتدرس فى معاهد المسرح فى العالم كله.
● وماذا عن التجريب فى المسرح المصرى؟
●● لا شك أن مصر استطاعت أن تحقق ريادة فى المنطقة العربية، بل فى منطقة الشرق الأوسط بأسرها عندما نظمت مهرجاناً سنوياً للمسرح التجريبى الذى هاجمه البعض على أساس إننا فى حاجة إلى تدعيم المسرح المحلى التقليدى وبعد ذلك نلتفت إلى المسرح التجريبى، ولكن ثبت أن هذا مفهوم ضيق للغاية إذ إن مصر بهذا المهرجان استطاعت أن تضع نفسها فى مكانة مرموقة على خريطة المسرح العالمى المعاصر، وقد لا يعلم البعض أن هناك فرقاً مسرحية من بلاد شتى تتنافس لكى تشارك فى هذا المهرجان، وأحياناً يضطر القائمون عليه إلى الإختيار منها عندما لا تتسع المسارح القائمة بالفعل لتقديم هذه العروض، بل إننى فى عام 1995، لبيت دعوة من جامعة لندن لإلقاء عدة محاضرات على مدى شهر عن توفيق الحكيم فى المسرح، ونجيب محفوظ فى الرواية، وصلاح عبد الصبور فى الشعر، وفوجئت بأن عميد مدرسة الأداب الشرقية والأفريقية بجامعة لندن يقول لى إنه حضر دورة المهرجان عام 1994 بالقاهرة بدعوة من المجلس البريطانى وسعد بها وأصبحت حديثه عندما يقابل أحد المسرحيين الإنجليز برغم أن إنجلترا تعتبر الأم للمسرح العريق، وهذا يدل على أن مهرجان المسرح التجريبى هو نافذة لنا لكى نطل من خلالها على إبداعات المسرح العالمى المعاصر، ولكى يطل منها فى الوقت نفسه الأخرون على ما يجرى فى مصر….، وبدلاً من أن نقول إننا لسنا فى حاجة إلى مثل هذا المهرجان الطليعى، يجب علينا أن نطلع ونتابع هذه العروض التجريبية، التى يمكن أن توحى إلينا بأفكار وأشكال جديدة يمكن أن تخرج بالمسرح المصرى من أزمته الراهنة لا أقول نحاكيها ولكن نستلهمها ونخرج منها بعصارة مسرحية مصرية عربية صحيحة.
● حينما نتحدث عن مسميات القطاع العام والقطاع الخاص فى المسرح: هل نتحدث عن أسلوب عمل وإنتاج أم نتحدث عن توجهات فكرية وفنية؟ وهل بالضرورة مسرح القطاع العام هو مسرح أكثر جدية وقيمة من الناحية الفنية، ومسرح القطاع الخاص مسرح تجارى لا يتمتع بالرقى الفنى؟
●● لا يمكن الفصل بين الإنتاج والإخراج والإدارة وبين التوجهات الفكرية، لأنها علاقة بين الشكل والمضمون، ففى مجال مسرح القطاع العام يلعب الفكر دوراً واضحاً لأن العائد المادى لا يؤثر كثيراً فى إنتاج المسرحية وإخراجها، لانه من المعروف أن هيئة المسرح أو بيت المسرح (أياً كان المسمى) يقوم بتغطية المسرحية مالياً حتى لو لم يكن لها جماهيرية أو شعبية كبيرة، لكن كتاب المسرح من أمثال د / سعد الدين وهبة أو د. يوسف إدريس، أو د. رشاد ورشدى أهتموا كثيراً بالضرب على الأوتار الحساسة عند الجمهور سواء من ناحية المواقف الكوميدية التى قد تصل إلى حد الإفتعال لدرجة أن نعمان عاشور كان معى ذات ليلة فى أحد عروض مسرحية “جنس الحريم” وبعد إنتهاء العرض قال لى. فى منتهى السعادة: “غن ضحكات الجمهور، بلغت “86” ضحكة وهذا يدل على أن الكاتب سواء كان يكتب لمسرح القطاع العام أو لمسرح القطاع الخاص يحرص دائماً على الإقبال الجماهيرى على مسرحياته”، لكنه نادراً ما يصل لدرجة الإسفاف والتهريج لأنه لا عذر فى ذلك، أما الكاتب الذى يكتب لحساب القطاع الخاص، فهو يضع النجاح التجارى للمسرحية فى المقام الأول لأن المنتج لا يرى فيها سوى مصدر للربح الوفير، ولا يهم الفكر الجاد أو تنوير عقول المتفرجين بقدر ما يهم إمتاعهم بالكوميديا التى تصل إلى درجة الفارص والهزل، وهذا شئ طبيعى لأن المنتج إذا عجز عن تحقيق الربح المطلوب فلا بد أن يغير المؤلف وربما أعلن إفلاسه، ولذلك فإن مسرحيات القطاع الخاص لا تفرق كثيراً بين النصوص المسرحية وبين عروض النمر التى تقدمها الأندية الليلية.
ويضيف د/ نبيل: بداية القطاع الخاص فى مصر الذى كان منتشراً فى شارع عماد الدين وروض الفرج بين الثلاثينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضى لم يستطع أن يصمد أمام المسارح التى مولتها الدولة بصفة عامة ومسارح التليفزيون التى أنشأها د. محمد عبد القادر حاتم (عندما كان وزيراً للثقافة والإعلام) لكن مع نكسة 1967 أنصرف الجمهور عن الموضوعات الجادة فى المسرح، ومن هنا ظهرت أول فرقة للقطاع الخاص بإسم “فرقة الفنانين المتحدين” وقد أشترك فى تأسيسها سمير خفاجى، فؤاد المهندس، محمد عوض، تفرغت منها فرق أخرى مثل: أمين الهنيدى وغيرها، وعاد فن المسرحية الهزلية إلى قمته كنوع من هروب الجمهور من الإكتئاب الذى أصابه فى أعقاب النكسة، وظلت السيطرة التجارية على السوق المسرحى لمسرح القطاع الخاص حتى الأن لدرجة أن هناك عروضاً قدمها مسرح الدولة نحاول أن تحاكى الجيل والألاعيب التى أشتهر بها مسرح القطاع الخاص وذلك على سبيل الرواج التجارى أيضاً.
● ألا يمكن إيجاد صيغ جديدة للتعامل بين مسرح الدولة وبين الفرق الخاصة (مثل فرقة سمير خفاجى، فرقة محمد صبحى، فرقة الشرقاوى وغيرها؟) أو بينها وبين الفرق الصغيرة التى لا تنتج مسرحاً للربح (الفرق الحرة)؟
●● الهواة حالة خاصة، فإذا ظهر نجم أو نجمة فى عرض ما بالصدفة المحضة بشرط أن يكون قد رأه مخرج أو منتج، فإنه يستدعيه فى الحال لكى ينضم إلى فرقته، لكن معظم الشباب الذى شارك فى عروض الهواة ذهبوا ولم يسمع عنهم أحد شيئاً للأسف، لأن الصدفة تلعب دوراً مهماً جداً، ولا يوجد لدينا تخطيط مثلما يحدث بالخارج حيث توجد وظيفة “صانع النجوم” الذى تتركز مهمته فى إكتشاف هؤلاء النجوم أينما كانوا.
==
س.س
15/ 9/ 2011