قدمت القرية المصرية علي مدار العصور المختلفة نماذج مصرية أصيلة لها فكر متجدد يغوص ما بين بحار العلم ليجدد الأمل ويطير فوق سماء المعرفة لينشر المبادئ ويبث عبر الأثير ذبذبات الثقافة والعلوم والأدب.. اتشاق إلي دروب المعرفة والشهامة التي اتسم بها كثير من النوابغ الذين رفعوا اسم مصر في الداخل والخارج وكأنهم ورود في بستان المعرفة فيهم رحيق الماضي وأمل المستقبل.. إنه الدكتور صوفي أبوطالب رجل القرية والمنصة.
ولد الدكتور صوفي حسن أبوطالب في قرية أبوطالب التابعة لمركز طامية بمحافظة الفيوم في 27 يناير عام 1925 ونما في أحضان القرية المصرية التي نالت منه الكثير في معاملاته وعلاقاته التي كانت تتسم بطيبة الفلاح وطموح الشباب وذكاء العالم فنجح في دراسته وحصل علي ليسانس الحقوق جامعة القاهرة في عام 1946 وحصل منها أيضا علي دبلوم القانون العام في عام 1947 ثم أرسل في بعثة إلي فرنسا في عام 1948 وهناك كان متميزا في دراسته وحصل علي دبلوم تاريخ القانون والقانون الروماني عام 1949 ومن محبته لدراسة القانون في كل فروعه حصل علي دبلومة في القانون الخاص من جامعة باريس عام 1950 واستمر في جهاده العلمي حتي حصل علي درجة الدكتوراه من جامعة باريس عام 1957 وفي نفس العام حصل علي جائزة أفضل رسالة دكتوراه من نفس الجامعة وبعدها وفي عام 1959 حصل علي دبلوماسة قوانين البحر المتوسط من جامعة روما.
حياته العملية
رجع العالم الجليل الدكتور صوفي إلي جامعة القاهرة من باريس وروما وهو يحمل بين يديه ثمرة جهاده في الأبحاث العلمية ولاسيما علوم القانون وتاريخه وتدرج ضمن هيئة التدريس بها حتي وصل إلي رئيس قسم تاريخ القانون في عامي 1966 و1967 وتم تعيينه مستشارا لجامعة أسيوط ثم بعد ذلك مستشارا لجامعة القاهرة حتي عام 1973م وفي نفس العام تم اختياره ليكون نائبا لرئيس جامعة القاهرة مقدما كل ما يملك من نشاط علمي, فكان عضوا بمجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية وعضو المجلس القومي للتعليم وعضوا منتخبا باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي عام 1975 وتولي منصب رئيس جامعة القاهرة في الفترة من عام 1975 وحتي عام 1978, وفي عهده بدأت الدراسة في كليات جامعة القاهرة بالفيوم وشارك في إنشاء قسم الدراسات القانونية بكلية الشريعة جامعة الأزهر, كما انتخب عضوا لمجلس الشعب عن دائرة مركز طامية الفيوم عام 1976 وفي عام 1979 تولي رئاسة مجلس الشعب في عهد الرئيس السادات وتقلد الكثير من المناصب, حيث كان عضو المجلس الأعلي للفنون والآداب ومقرر لجنة تاريخ القانون للمجلس وعضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد والتشريع ورئيس لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب, وعاصر اغتيال الرئيس السادات وتولي منصب رئيس الجمهورية لمدة ثمانية أيام كونه رئيسا للسلطة التشريعية كما ينص الدستور المصري 1971 بأن يتولي رئيس مجلس الشعب منصب رئيس الجمهورية عند خلو منصب رئيس الجمهورية للوفاة وتعتبر فترة رئاسة الدكتور صوفي لجمهورية مصر العربية أقصر ولاية في روساء مصر الذين كان ترتيبهم كالآتي: الرئيس محمد نجيب في الفترة من 1953 إلي 1954 ومن بعده الرئيس جمال عبدالناصر من الفترة 1954 وحتي 1970 وتولي الرئيس أنور السادات عام 1970 واستشهد في حادث المنصة في أكتوبر عام 1981 وجلس الدكتور صوفي أبوطالب علي منصة رئاسة جمهورية مصر في السادس من أكتوبر عام 1981 وحتي الرابع عشر من أكتوبر عام 1981 ثم تولي الرئيس محمد حسني مبارك منذ عام 1981 وحتي الآن.
لم يكل ويهدأ نشاط الدكتور صوفي وجهاده حتي فرح ومعه أهل محافظته الفيوم بتأسيس جامعة الفيوم عام 2002 كما شارك في إنشاء كلية الشريعة والقانون بالكويت وصنعاء.
أثري المكتبة القانونية والتشريعية والفقهية بكثير من المؤلفات كان أشهرها كتاب أصول الفقه حصل علي وشاح النيل من جمهورية مصر العربية ووشاح الجمهورية من السودان.. لقد عاش قصة كفاح من أجل العلم والقانون والوطن مصاحبا فيها زوجته وفية العطيفي شقيقة الدكتور جمال العطيفي وأولاده الدكتور حسين وكيل وزارة الصحة بالفيوم حاليا والدكتور أحمد الأستاذ الجامعي بهندسة القاهرة وابتسام زوجة المهندس أحمد حلمي والسيدة نعمت زوجة المستشار محمد زكي موسي.. وبعد هذه الرحلة الطويلة من مشوار علمي سياسي قانوني وفاته المنية في فجر يوم 2008/2/20 في ماليزيا عن عمر يناهز 83 عاما وكان وقتها يشارك في الملتقي العلمي الثالث لرابطة خريجي جامعة الأزهر حول العلم في كوالالمبور بورقة عمل تتناول بحثا في قضية تجديد الفقيه الإسلامي وضرورة الاجتهاد المستمر حيث أشار إلي المشاكل التي قد تحدث للمجتمع الإسلامي وتزداد حدتها علي مر الأيام.
كان آخر حوار صحفي له في ماليزيا قبل وفاته بيوم واحد قال فيه: لابد أن نؤمن بحرية النقد البناء وأن نعترف في الوقت ذاته بأهمية الصحافة في إضافة علاقة ربط بين المجتمع وبين المسئولين حيث تمثل العين الحقيقية التي ترصد الحدث فأنا أو أي شخص لا يستطيع معرفة ما يدور بكل مكان حيث يستحيل حدوث ذلك عقليا وبالتالي فيمكنني الاطلاع علي ما يدور بتلك الأماكن عن طريق وسائل الإعلام خاصة الصحافة باعتبار أنها وسيلة تثقيف متنقلة يمكن حمل الصحيفة بأي مكان دون مشقة أو عناء إلا أن تلك العلاقة الترابطية لا يمكن حدوثها دون وجود ضوابط حقيقية بين الصحف ومصدرها تفصل بين المجاملات الاعتبارية التي يختفي وراءها النقد البناء الذي لا يفسد للود قضية وبين الغضب الأعمي الذي يتجاوز الواقع والحقيقة.
كان دور الدكتور صوفي في دائرته طامية ومحافظته الفيوم فعالا في إنشاء المدارس والوحدات الصحية ودور العبادة, كان محبا للجميع ومحبوبا من الجميع المسلم والمسيحي بل كان يجمع الجميع في داره كل أسبوع يناقش ويجيب علي أسئلة الجميع واحتياجاتهم.
كرم مجلس جامعة الفيوم الكتور صوفي أبوطالب بعد وفاته فأطلق اسمه علي أكبر مدرجات كلية التربية وأقدمها والذي افتتحه الدكتور صوفي عام 1979 وأقامت له جامعة الفيوم حفل تأبين حضره كبار الشخصيات يوم 19 أبريل عام 2008 تحت رئاسة الدكتور جلال مصطفي السعيد محافظ الفيوم الآن.