لعل أحد أبرز مميزات استراتيجية محاربة الإرهاب التي تتبناها إدارة أوباما هي جهودها الرامية لتغيير مقاربة أمريكا الخطابية تجاه تهديد الإرهاب, وبخاصة الإرهاب الإسلامي; حيث قال أوباما في حوار مع قناة ##العربية##خلال أسبوعه الأول في البيت الأبيض ##إن اللغة التي نستعملها مهمة##. وهكذا, ألغيت من التداول مصطلحات كانت رائجة في عهد جورج دبليو. بوش مثل ##الحرب علي الإرهاب## و##الإسلام الراديكالي## و##الجهاديين##; كما استبدلت رسميا استراتيجية الأمن القومي 2010 الصادرة عن البيت الأبيض مصطلح ##الإرهاب الإسلامي## بـ##التطرف العنيف##.
وكان هدف هذا التحول الدلالي ذا شقين; حيث كان يرمي إلي إعادة صياغة جهود محاربة الإرهاب باعتبارها حربا ضد تنظيم ##القاعدة##, وليس ضد التطرف الإسلامي, والذي يعتقد أوباما أنه ساهم في تكريس الانطباع الذي انتشر بعد الحادي عشر من سبتمبر من أن أمريكا ##في حرب مع الإسلام##. وكان هذا الخطاب الجديد مقرونا بمحاولات أوباما التقرب من العالم الإسلامي من أجل بناء ##شراكة جديدة تقوم علي الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة##. ثانيا, كان الهدف جزءا من جهود أكبر تروم تخفيف وتبديد مخاوف الأمريكيين من الإرهاب الإسلامي, والذي يعتقد مسئولو إدارة أوباما أنه يخدم بشكل مباشر مصلحة المتطرفين.
الآن, من العدل أن نسأل ما إن كان استعمال أوباما للغة المتعلقة بالإرهاب قد أثبت فعاليته; غير أن استطلاعي رأي جديدين يشيران إلي أنه لم يكن كذلك. فاستطلاع الرأي الأول, وقد أجرته مؤسسة ##بروكينجز## في واشنطن, يظهر أن عدد عرب الشرق الأوسط الذين عبروا عن تفاؤل بخصوص مقاربة أوباما تجاه منطقتهم, بين مايو 2009 ومايو 2010, قد انخفض من 51 في المئة إلي 16 في المئة فقط; كما ارتفع عدد من اعتبروا أن رئاسة أوباما ##غير مشجعة## من 15 في المئة إلي 63 في المئة. أما استطلاع الرأي الثاني, وأجراه مركز ##بيو## للبحوث, فيظهر أن عددا أقل من الأمريكيين يتبنون موقفا إيجابيا من الإسلام في أغسطس 2010 (30 في المئة) مقارنة مع خمس سنوات مضت خلال إدارة بوش (41 في المئة); كما يري عدد أكبر من الأمريكيين (35 في المئة) أن الإسلام يشجع علي العنف أكثر من ديانات أخري (في 2002, كان المعدل هو 25 في المئة).
إن هذه الاتجاهات السلبية تشير إلي الجدوي المحدودة للغة في محاربة الإرهاب. أجل, الإرهاب نشاط يتغذي من ##البروباجندا## _ معركة متواصلة لكسب العقول والقلوب واستقطاب مجندين جدد للمحاربة من أجل القضية. وبالطبع, فإن اللغة التي تستعمل في محاربة الإرهاب بالغة الأهمية – ولعل خطاب إدارة بوش واستعماله لعبارات مثل ##سوف نجبرهم علي الخروج من كهوفهم## خير مثال في هذا السياق. غير أنه إذا كان الخطاب لا يواكب السياسة ولا يوائمها, أو يبدو أنه يقلل من شأن التهديدات, فإن مصداقية استراتيجية محاربة الإرهاب برمتها – وبالتالي فعاليتها _ قد تضعف. وواقع الحال يشير إلي أن إدارة أوباما قد وضعت نفسها في مثل هذه الحفرة تماما.
ذلك أنه عند النظر إلي ما وراء اللغة والوعود المعسولة, فإن ما يراه المسلمون حول العالم هو إدارة سعرت الحرب في أفغانستان; وتقتل أعدادا من المدنيين المسلمين بواسطة طائرات من دون طيار; ومازالت تحتفظ بأكثر من ألف معتقل مسلم في ##جوانتانامو## و##باجرام## وسجون أخري; وتحافظ علي ما يبدو دعما غير مشروط لإسرائيل. قصدنا في هذا المقال ليس انتقاد هذه السياسات, وإنما التدليل علي أنها لا تتماشي والسقف المرتفع للتوقعات في العالم الإسلامي, وأنها لم تؤد إلا إلي التشويش علي هدف أوباما المعلن: تقريب المسلمين من أمريكا وإبعادهم عن الحركات المتطرفة.
والواقع أن ثمنا باهظا يتم دفعه أيضا داخليا بسبب هذا الخطاب غير المنسجم; إذ رغم الحفاظ علي كل تكتيكات بوش المتشددة تقريبا _ قانون الوطني, والتنصت غير القانوني, والاعتقال لمدد غير محدودة _ إلا أن البيت الأبيض كان يعمد دائما إلي التقليل من شأن التهديد, حتي في وقت يشهد صعودا واضحا للنشاط الإرهابي. وعلي سبيل المثال, فقد وصف أوباما, عقب محاولة تفجير طائرة فاشلة خلال أعياد ميلاد المسيح في 2009, المشتبه فيه بأنه ##متطرف معزول##, رغم صلاته بـ##القاعدة##. وكان رد الإدارة الأولي علي محاولة التفجير الفاشلة بساحة ##تايم سكوير## في مايو 2010 من قبل مسلم أمريكي تلقي تدريبه في باكستان هو وصفها بأنها ##حالة معزولة## . كما قال وزير العدل ##إيريك هولدر## في شهادة أدلي بها أمام الكونجرس إنه يعتقد أن المحاولتين ومخططات إرهابية إسلامية أخري حدثت مؤخرا غير مترابطة, وإنه لا علاقة لها بالإسلام ##الراديكالي##.
ومما لا شك فيه أن عدم استعداد الإدارة للتحدث بصراحة حول الإرهاب الإسلامي قد أثر علي ثقة الجمهور; إذ يظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ##جالوب## الشهر الماضي تفضيل الأمريكيين لـ##الجمهوريين## علي ##الديمقراطيين## حول موضوع الإرهاب بـ55 في المئة مقابل 31 في المئة _ مقارنة مع 49 في المئة مقابل 42 في المئة الخريف الماضي.
لقد وصل أوباما إلي الرئاسة واعدا بخوض حرب أكثر ذكاء وفعالية علي الإرهاب, وهو ما قام به بالفعل من نواح عدة. والواقع أن حفاظه علي تكتيكات قوية وشرسة, بموازاة مع عمله علي تخفيف حدة الخطاب الناري كان قرارا سليما وحكيما; غير أن إدارته يبدو أنها تعلمت درسا مهما من سنوات بوش: أن للمبالغة في الحديث عن تهديد الإرهاب تكاليف مرتبطة بها. غير أن الأمر نفسه ينطبق علي الخطاب الذي يستهين بالإرهاب ويقلل من شأنه, وبخاصة عندما يكون غير متناغم مع السياسات. والواقع أنه لم يفت الأوان لوقف هذا الاتجاه المقلق, حيث يستطيع البيت الأبيض أن يبدأ بالتركيز أقل علي الخطاب المطمئن المبالغ فيه _ الذي لم يأت بنتائج في الداخل أو في الخارج _ والتركيز أكثر علي تقييم صريح للتهديدات التي نواجهها والسياسات المتبعة لمواجهتها.
مستشار سابق في السياسة الخارجية بمجلس ##الشيوخ## الأمريكي, يشغل حاليا منصب مدير دراسات السياسة بـ##معهد جاكسون للشئون العالمية## في جامعة ##يل##
كريستيان ساينس مونيتور