فى بادرة هى الأولى من نوعها أقترح الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة، أن يتم التصويت على جوائز الدولة العام المقبل إلكترونياً، وذلك لضمان سرية التصويت وشفافيته، وكذلك توفيراً للمال.
كما عقدت لأول مرة وقائع جلسات أعضاء المجلس الأعلى للثقافة للتصويت على جوائز الدولة التشجيعية لعام 2010 والتقديرية والفنون والنيل لعام 2011، وذلك بحضور العديد من الصحفيين والإعلاميين الذين شاهدوا بث مباشر لأحداث التصويت، وذلك لنفى حالة التشكيك الدائمة فى نزاهة التصويت على الفائزين بجوائز الدولة.
التصويت الإلكترونى وعدم التلاعب
وفى البداية يجب التعريف بنظام التصويت الإلكترونى بشكل عام والذى يعتمد على استخدام أجهزة كمبيوتر وماسحات ضوئية والتكنولوجيا الحديثة من أنظمة وأجهزة لعد وإحصاء الأصوات أوتوماتيكياً دون استخدام أية أوراق، ويحتوى هذا النظام على طريقتين، الأولى هى التصويت عبر الإنترنت عن طريق وضع معايير لمنع التزوير، فمثلاً عن استخدام التصويت الإلكترونى فى عملية الأقتراع يتم حماية نظام الأقتراع بمضادات للفيروسات، وتعيين كلمة سر أو كود مميز لكل ناخب لا يمكن التلاعب به ، والطريقة الثانية، يتم فيها الأقتراع من خلال الضغط على أزرار معينة على شاشة إلكترونية ويتم تسجيل بيانات المقترعين على أجهزة الكمبيوتر فى مراكز الأقتراع، وفى نهاية فترة التصويت، يتم تجميع البيانات فى جهاز مركزى لإحتساب الأصوات دون تلاعب.
خفض التكلفة وراحة للناخبين
وللتصويت بالنظام الإلكترونى العديد من المزايا منها توفير الراحة للمقترعين مما يشجع على مشاركة أكبر عدد ممكن، حيث يمكن توفير إمكانية التصويت من أى مكان عبر الإنترنت، استحالة قيام غير الناخب أو صاحب الحق فى التصويت بالتصويت، تمكن الألات الإلكترونية ذوى الإحتياجات الخاصة من الإدلاء بأصواته، تؤدى عملية التصويت بإستخدام الإنترنت ووسائل الإتصالات الحديثة إلى خفض تكلفة الأقتراع حيث لا تحتاج العملية إلى إجراءات إدارية ومكتبية وأمنية و استخدام مقار جهات وتعطيلها ، إمكانية حفظ وتخزين البيانات فى أكثر من موقع، إضافة إلى سرعة معالجة البيانات واستخراج النتائج مع صعوبة تزوير الأقتراع أو التدخل فيه.
الأعطال والتحكم فى عدد الأصوات
أما عيوب التصويت بالنظام الإلكترونى فتتمثل فى التلاعب فى النتائج إلكترونياً عن طريق الفيروسات، أو مخترقى أنظمة الكمبيوتر الذين يستطيعون التحكم فى عدد الأصوات وتوجيهها لصالح مرشح بعينه، إحتمالات الأعطال أو الأخطاء الناتجة عن تعطل أو تلف النظم الإلكترونية، إحتمال قيام جهات لها مصلحة فى تزوير وتزييف الأقتراع لمصلحتها بالتدخل فى النظام سواء بوضع تعليمات فى البرمجيات حال تأسيس أو إنشاء النظام أو من خلال إدارته أوصيانته تنفذ تعليمات المتدخلين أو الواضعين للنظام أو مشغليه لتحقيق مصالحه كما أنه لا يمكن التيقن من سلامة النظم الإلكترونية من خلال المعاينة البشرية للشخص المعتاد.
تغيرات جذرية
ويرى الكاتب الدكتور زكى سالم أن التحول إلى التصويت الإلكترونى فى جوائز الدولة يعد خطوة إيجابية، ولكن ليست هذه هى المشكلة، فالمشكلة إن المجلس الأعلى للثقافة بأكمله فى أشد الحاجة إلى تغيرات جذرية ، لأن منذ إنشاء المجلس ويتم تعيين أعضاءه بناء على العلاقات الشخصية مع وزير الثقافة أومع الأمين العام، وهنا يتضح إن الجانب الشخصى هو الجانب الأبرز فى اختيار أعضاء المجلس، ولكن هذا لا ينفى قيمة الكثيرين من هؤلاء الأعضاء الذى نكن لهم كل إحترام وتقدير، مشيراً إلى إن ثورة 25 يناير جاءت لتحدث تغير عام فى مصر، بما فى ذلك المؤسسات الثقافية مطالباً استبدال فكرة التعيين ليحل محلها الإنتخاب، فعلى سبيل المثال انتخاب المحافظ من قبل الشعب سيجعله يعمل لصالح هذا الشعب الذى أنتخبه، أما إذا تم تعيينه من قبل الرئيس فأنه سيسعى إلى إرضاءه، ومن هذا المنطلق لابد من تغيير هيكل المجلس الأعلى للثقافة بحيث يتم إبعاد جميع الموظفين من التصويت، ثم بعد هذا يجب أن يتم تشكيل المجلس الأعلى بجميع لجانه بالإنتخاب، وذلك من قبل تشكيل جمعية عمومية تجمع جميع المثقفين والمهتمين بالثقافة، وانتخاب منهم أعضاء ذات قيمة وثقل ثقافى للمجلس الأعلى للثقافة، وهم يقومون بدورهم بالتصويت على جوائز الدولة بعيداً عن أى تأثير للعلاقات الشخصية.
وتوافقه الرأى الكاتبة سلوى بكر التى ترى أن الأهم من بحث كيفية التصويت فى جوائز الدولة فى الأعوام القادمة هو البحث عن كيفية تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة وماهى شروط أعضاءها ؟ خاصة إن لجان التحكيم غير متخصصة، هذا إلى جانب أن الحزب الوطنى المنحل ألقى بظلاله على جوائز الدولة مثل كل عام ، وكان بالأحرى جوائز الدولة لهذا العام أن تؤجل لحين إعدادها بصورة جيدة تتناسب مع روح ثورة 25 يناير المجيدة، مؤكدة أن سيرورة هذه الجائزة جاءت لتقزيم دور مصر الثقافى والتقليل من قيمتها الثقافية فى المحيط العربى
جوائز الدولة والمناصب
ويقول الدكتور عاطف العراقى و قد حصل على جوائز الدولة من قبل ( التشجيعية ، التفوق ، التقديرية ) إن التصويت الإلكترونى فكرة جيدة و قد يكون أدق لكن ليس له مردود و لن يحل المشكلة فموضوع جوائز الدولة على إختلاف مستوياتها من الجائزة التشجيعية حتى جائزة النيل يحتاج إلى تغييرات جذرية و جوهرية إذ يلاحظ على هذه الجوائز ما يلى :
أولاً : نبدأ بالجائزة التشجيعية تعطى عن عمل معين تعلن عنه لجان المجلس الأعلى للثقافة و يلاحظ إنه لا يوجد توسع فى جزء من هذه الجائزة بمعنى إنه يوجد أناس لهم أعمال فى التخصص و ربما كرامتهم تمنعهم من التقدم للجائزة ، فوظيفة اللجان يجب إلا تكون محصورة فى فحص الأعمال التى تقدم و هذا هو النظام المعمول به حالياً ، يجب أن يبحث أعضاء اللجان عن أعمال فى التخصص المعلن عنه و قد لا يتقدم بها أصحابها و يرشحونها .
مثال أخترت عملاً و أخذ هذه الجائزة لم يكن صاحبه قد قدمه و هو ( كتاب ) ” المرأة فى الفلسفة ” ، و قد رشحته بنفسى منذ خمسة عشر عاماً تقريباً للدكتور محمود رجب و كان الدكتور فؤاد زكريا مقرراً للجنة الفلسفة و قتها لو كانت على مستوى عال فى التخصصات لكانوا تقريباً متابعين للحالات كلها .
ثانياً : الأخطر من هذا فى جائزة الدولة للفنون عام 2000 يتقدم لهذه الجائزة مئات فى ثلاث تخصصات أى عشرة جوائز ( 3 فى الأدب ، 3 فى الفنون ، 4 فى العلوم الاجتماعية ، من بين حوالى 300 عمل يتقدموا ، و ذلك لأنه من حق أى مواطن أن يتقدم دون جهة ترشيح و كنت أنا أول من حصل عليها سنة 2000 إذن يجب وضع ضوابط بالنسبة للأعمال المقدمة لجوائز الدولة للفنون بفروعها الثلاثة ( الأدب و الفنون و بحيث يتم التصويت على كل المتقدمين ، أما ما يحدث فهو إن المقرر يختار مجموعة من الأعمال المقدمة و يضعها فى الصدارة فيتم التصويت على هذه الأعمال فقط دون الباقى ، و هذا نوع من الظلم لأنه قد يوجد أناس أفضل من الذين يوضعون فى الصدارة للإختيار من بينهم .
ثالثاً : التقديرية يعتمد على ترشيح جهة معينة ، و هى عشرة جوائز أيضاً مثل جائزة التفوق ( 4 علوم ، 3 فنون ، 3 أداب ) ، و هنا من الممكن أن تقوم الجهة بترشيح شخصية ليس لها عطاء علمى ، أغلب الترشيحات تأتى على أساس المنصب مثل عميد كلية أو رئيس جامعة ، و جدير بالذكر إننى قد رشحت من أتلييه القاهرة و لم ترشحنى أية جامعة العام الماضى .
رابعاً : جائزة النيل و هنا يجب أن أبدى أعتراضى على النيل فمن المفروض أن تكون جائزة الدولة التقديرية أعلى و نهاية الجوائز تماماً كما أنشئت عام 1958 أيام جمال عبد الناصر ، و كان أول الحاصلين عليها أحمد لطفى السيد و فى سنوات تالية حصل عليها قمم لهم عطاء الكتور طه حسين ، توفيق الحكيم ، محمود عباس العقاد ، رياض السنباطى ، أم كلثوم .
الأن نظراً لجعل الجوائز عشرة جوائز فهل يوجد عطاء فكرى فى مصر بحيث تعطى لعشرة أفراد فتفقد الجائزة مصداقيتها . إن تسمية النيل فى رأى تسمية خاطئة لأن النيل جزء من الدولة ، فكيف ” التقديرية ” تكون أصغر منها ، ليس لها مبرر خاصة إن الإسم يختلط مع “قلادة النيل ” و يتعارض معها فالقلادة أسمى و قد أعطيت لحكام و نجيب محفوظ و بالتالى يكون حل المشكلة الإبتعاد تماماً عن أصحاب المناصب و خاصة إن العمل الخاص بالمنصب يمنع الإنسان من الإبداع .
التصويت الإلكترونى أدق بكل أمانة لكنه لن يحل المشكلة .. أى صاحب منصب لا يدخل الترشيح . رحم الله ذكى نجيب محمود حينما تحدث فى الصفحات الأخيرة من أخر كتبه ” حصاد السنين ” حينما تحدث عن ظاهرة أسماها عملقة الأقزام أى كيف تجعل القزم عملاقاً و قال شيئين هما الإعلام و السياسة و أذكر للتاريخ إننى قلت له يوجد سبب ثالث و هو إدعاء المرض فقال أتفق معك تماماً و لكننى سلمت كتابى للمطبعة .
==
س.س
8 يوليو 2011