مضي 37 عاما علي انتصارات أكتوبر الخالدة ومازالت تلك الأيام تكتسب إحساسا خاصا ومشاعر مشحونة بالفخر والاعتزاز نتذكر فيها تلك المدينة الباسلة السويس في الصمود والبطولات التي سجلها أبناؤها.
وطني عاشت يوما مع البطل السويسي محمد توفيق أحد أبطال الأجهزة الأمنية بالجيش الثالث الميداني ليروي لنا كيف سجل الشهداء الذين وهبوا أرواحهم فداء للوطن بدمائهم انتصارات رائعة لتبقي راسخة في الذاكرة فلا زوابع للتغيير تمحوها ولا شوائب الأحداث تخفي ملامحها لتظل تأخذ مكانا خصبا في ذاكرة المصريين.
ويستعيد محمد توفيق ذكري هذه الأيام المجيدة ويقول:
عملنا بدأ الإعداد له قبل حرب أكتوبر مباشرة حيث كنت ضمن أحد العناصر الأمنية بالجيش الثالث وكنت مسئولا عن منطقة جنيفة وكانت قيادتي بمنطقة الزنبيات بالسويس بقيادة المقدم مجدي سليمان وهو لواء حاليا وكانت مهمتنا تأمين مداخل ومخارج محاور الجيش الثالث قبل العبور من الناحية الأمنية ومتابعة وتأكيد خطة التموين التي كانت سببا رئيسيا في مفاجأة العدو وبعد قيام جنودنا بالعبور في 6 أكتوبر كلفنا بحراسة وتأمين عشرات الأسري ونقلهم إلي المعسكرات المعدة لذلك إلي أن ظهرت بعض طلائع قوات العدو في جنيفة قادمة من ثغرة الدفرسوار وصدرت لنا الأوامر بمتابعة تقدم العدو وتحركاته وحجم قوته وإبلاغها أولا بأول ولقد كانت قوات الفرقة 19 بقيادة اللواء أركان حرب يوسف عفيفي مع المقاومة الشعبية وقوات الشرطة سببا في تأخير دخول قوات العدو للسويس لمدة أسبوع نتيجة المعلومات التي كانوا يحصلون عليها من عناصرنا الأمنية حتي حاصروا السويس مساء يوم 23 أكتوبر وصدرت لنا الأوامر بالعودة للسويس وعدت ليلا مع رجالي سيرا علي الأقدام والتحم الجيش والمقاومة والشرطة مرة أخري للدفاع عن المدينة بعد أن تجرأ العدو علي اقتحام المدينة فجر يوم 24 أكتوبر.
* وماذا عن الأكمنة والمقاومة الشعبية وشهدائنا الأبطال في تلك الأيام؟
** كل الموجودين بمدينة السويس (جيشا وشعبا) متأهب ومستعد للقتال ويتابع تقدم الدبابات الإسرائيلية وهي تغزو شوارع السويس في عز الظهر يوم 24 أكتوبر حتي وصلت إلي ميدان الأربعين دون أدني مقاومة وكأن السويس خلت من أي مقاومة وتخيل العدو أن السويس قد هجرها هلها أو اختبأوا خوفا منهم وفجأة بدأ هدير الطلقات من مدافع RBG والمدافع الرشاشة تنهال علي القوات الإسرائيلية من كل مكان من فوق أسطح المنازل ومن نوافذ البيوت ومن بين الشوارع ومن خلف سور السكة الحديد لتعطيل مؤخرة الطابور العسكري للدبابات المعادية وإغلاق طريق الرجعة عليهم وليبدأ رجال المقاومة الشعبية بالاشتباك مع مقدمة الدبابات في ميدان الأربعين.
ويقترب الفدائي الشهيد أحمد أبوهاشم أول شهيد يوم 24 أكتوبر قائد كمين مزلقان البراجيلي ويصوب مدفعه علي دبابة مؤخرة طابور الدبابات ويطيح ببرجها وتتناثر أشلاء سائقها وتدور معركة شرسة بين أبطال المقاومة المصرية والدبابات الإسرائيلية المذعورة.
في الوقت الذي كان تدور فيه اشتباكات شرسة في كمين رويال بنك إسكندرية حاليا لإنقاذ المحجوزين تمكن قائد الكمين إبراهيم سليمان وزميلاه أشرف عبدالدايم وفايز أمين من تحطيم دبابة للعدو وفر من تبقي من طاقمها مذعورين لمحاولة الاختباء في قسم شرطة الأربعين وتعقبهم رجال المقاومة واقتحم الفدائي زشرف عبدالدايم الباب الأمامي للقسم تحت تغطية كثيفة بنيران زملائه وبعض أفراد القوات المسلحة وقابله جندي إسرائيلي من أعلي السلالم الداخلية وأطلق عليه النار ليسقط شهيدا أعلي الخندق الداخلي للقسم.
وفي بطولة نادرة كان البطل فايز حافظ أمين متابعا لزميله أثناء عملية الاقتحام من خارج باب القسم ولم يحتمل سقوط صديق عمره فاندفع نحوه يطلق الرصاص والقنابل اليدوية في كل اتجاه وقتل الجندي الذي أصاب زميله ليحمل زميله أشرف عبدالدايم في محاولة لإنقاذه إلا أن رصاص العدو أصابه بعدة طلقات فسقط شهيدا.
أيضا في الوقت الذي نجح فيه البطل إبراهيم سليمان في تسلق السور الغربي للقسم لمشاغلة الجنود الإسرائيليين اقتحم النقيب شرطة محمد عاصم حمودة علي رأس قة من رجال الشرطة لتخليص زملائهم من أيدي العدو وأصابت عدة طلقات غادرة جسد الشهيدإبراهيم سليمان الذي ظل جسده معلقا علي سور القسم حتي فجر يوم 25 أكتوبر.
* بعد استرجاع تلك البطولات والذكريات بما تعبر عما شهدته وما رصدته من أحداث؟
** في كلمة أقول إن حرب أكتوبر أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر فتحية لكل شهدائها من المدنيين والعسكريين الذين استشهدوا من أجل مصرنا الحبيبة.