(يوحنا ابن زكريا)
إنجيل القديس لوقا1/1-25
مع بشارة الملاك لزكريا, يبدأ زمن المجيء الاستعدادي لميلاد الرب يسوع. عندما كان زكريا الكاهن يمارس خدمة الكهنوت, بتقديم البخور في هيكل الرب, تم اللقاء مع الله من خلال جبرائيل الملاك. وكأن الطقوس أداة اللقاء بين الله والإنسان المؤمن, يوحي إليه تصميمه , ويكشف عن إرادته وعن دور الإنسان في هذا التصميم الإلهي, وينتظر منه جواب الإيمان.
البشارة في تعريفها العام هي نقل خبر مفرح عن تدخل الله في التاريخ من ضمن تدبيره الخلاصي. ثلاث بشارات رسمت حدود تاريخ الخلاص: البشارة لإبراهيم بمولد إسحق (تك 15/17-22),الذي من صلبه يولد أسباط شعب الله الاثنا عشر, وهؤلاء من خلالهم تسير كلمة الله الواعدة بالخلاص إلي تحقيقها. البشارة لزكريا بمولد يوحنا المعمدان الذي يختتم مسيرة شعب الله, كآخر نبي منه, ويفتتح كالفجر قبل إشراق الصباح, مسيرة شعب الله الجديد, ويوحنا فيه أول رسول. البشارة لمريم بمولد المسيح الفادي, الذي يبلغ معه ملء الزمن, ويبدأ شعب الله الجديد الذي هو الكنيسة, منفتحا نحو نهاية الأزمنة.
زكريا من فرقة أبيا مذكورة في (أيام الأخبار الأول 10:24). وهي واحدة من الأربعة والعشرين فرقة التي انقسم الكهنة إليها في زمان داود الملك,وكان زكريا وامرأته من عائلة هارون والوحي يشهد لتقواهما, غير أن الله لم يكن قد أرزقهما بنين تلك البركة التي كانت مرغوبة عند جميع اليهود الأتقياء. كان قصده أن يعطيهما ولدا ولكنه شاء أن يعمل بطريق تمتحن إيمانهما كما عمل مع إبراهيم وغيره من المؤمنين من قبلهم.كان مبتغي زكريا وأليصابات أن يرزقا ولدا.فاستجاب الله صلاتهما (لو 13/1). ولكونهما بارين أمام الله وسالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم (لو 6/1), بشرهما بولد, إنما البشري للشعب كله الذي ينتظر المخلص والذي سيعده يوحنا لقبول الخلاص: ستلقي فرحا وابتهاجا, ويفرح بمولده أناس كثيرون (لو 14/1). ويصف الملاك لزكريا رسالة يوحنا التي هي مضمون البشري للشعب كله. فالكلام نفسه سيقوله الملاك للرعاة عند ميلاد يسوع: ها إني أبشركم بفرح عظيم يكون للشعب كله: ولد لكم اليوم مخلص, هو المسيح الرب (لو 10/2).
كان كلاهما بارا أمام الله . هذه كلمة ذات أهمية كبري, لأن كثيرين يظهرون البرارة والفضيلة أمام الناس, الذين ينظرون إلي الوجوه , وقليلون يظهرون أمام الله الذي ينظر إلي القلوب.
فيما كان زكريا الكاهن يقوم برتبة البخور في الهيكل, تراءي له ملاك الرب من عن يمين مذبح البخور (لو 10/1). الليتورجيا هي الوسيلة التي فيها يتم لقاء الله بالإنسان كما قلنا في بداية تأملنا, وعمل الخلاص بالمسيح الذي هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر. فهو يعلن البشري ويشفي القلوب المنسحقة.
بكم زكريا الذي لم يؤمن بأقوال الملاك التي ستتم في أوانها (لو 20/1), ليس مجرد قصاص إلهي علي عدم الإيمان, بل هو علامة للشعب عن حدوث الرؤيا والبشارة, ودعوة لزكريا وزوجته وللشعب إلي التأمل بصمت ورجاء في تدخل الله وفي تصميمه وإرادته الخفية.
الصمت وسيلة أساسية لسماع صوت الله في القلب, وللتأمل في أسراره. نصمت ليتكلم الله, ليتدخل, ليوحي, فنسمع ونمجد ونشكر.الصمت يشمل حالة الألم والفقر والحزن, والله يخاطبنا من خلال هذه الحالات.
حتي يتحقق كلام الملاك ويولد يوحنا المعمدان. المعمدان هذا الذي أطلق في أيامه ثورة روحية, ثورة علي الفساد, ثورة علي الجمود الروحي.
ثورة المعمدان كانت لإعادة إصلاح المفاهيم حول الإيمان والجمال والغني. فالإيمان هو الحياة والعمل, والجمال هو وجه الله, والغني الحقيقي هو الفقر بالروح من أجل الله.