في طريقي إلي مقر بطريركية الأقباط الكاثوليك بشارع ابن سندر كنت أعلم أني ذاهب لأحاور ليس فقط النائب البطريركي للكنيسة القبطية الكاثوليكية بل مطرانا ساهرا لخدمة الرعية, يبذل كل جهده من أجل خدمة الشباب, يدعو دائما إلي التطوير والإصلاح, ولا يقلل عمله الروحي من دوره الاجتماعي نحو تربية أجيال يعرفون ماهية المواطنة.. وبرغم انضمامه للأسقفية حديثا عام 2006 إلا أن بصمات خدمته جعلت له تاريخا طويلا.. إنه نيافة المطران الأنبا بطرس فهيم الذي ولد في المنيا عام 1961 وبعد انتهاء الثانوية العامة التحق بكلية العلوم الإنسانية واللاهوتية بالمعادي -الإكليريكية- وبعد ذلك خدم في المنيا ورسم كاهنا عام 1988 وبعدها سافر لمدة ست سنوات لدراسة الكتاب المقدس في روما ثم عاد للدراسة بالكلية الإكليريكية حتي عام 2006 إذ تمت رسامته أسقفا بيد غبطة وقداسة الأنبا أنطونيوس نجيب بطريرك الأقباط الكاثوليك وكاردينال الكنيسة الجامعة ليصبح معاونا له في الشئون الرعائية.
* ماذا عن اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمنطقة الشرق الأوسط؟
* * في الحقيقة إن اهتمام الكنيسة الجامعة بمنطقة الشرق الأوسط ليس غريبا, فالشرق الأوسط يمثل بذرة الإيمان فهو المكان الذي ولد فيه السيد المسيح, وعاش فيه الأنبياء منذ العهد القديم, فهي منطقة تمثل الإيمان المسيحي, ليس فقط للكنيسة الكاثوليكية بل لسائر الكنائس الأخري.
والاهتمام الآخر هو وضع المسيحيين في هذه المنطقة وما يعانونه في الفترة الأخيرة من ضغوط وتمييز, بالإضافة إلي الصعوبات الاقتصادية, وأدت هذه الظروف إلي هجرة المسيحيين من الشرق وبما أنهم أقلية في المنطقة فقد لاحظت الكنيسة الجامعة هذه القضية المهمة. وهذا جعل قداسة البابا بنديكت السادس عشر -بابا الفاتيكان- يدعو بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط أجمع لعمل سينودس لمناقشة أوضاع المسيحيين في هذه المنطقة وهو السينودس الذي انعقد في أكتوبر الماضي بالفاتيكان.
* حدثنا عن كواليس هذا السينودس والتي لم تنشرها وسائل الإعلام..
* * قداسة البابا بنديكت أصر في هذا المجمع المنعقد بخصوص أوضاع مسيحيين الشرق أن تكون كل تفاصيله ولجانه منشورة وتغطي إعلاميا حتي لا يقال إن الفاتيكان يناقش أمورا مسكوتا عنها, أو يتدخل في شئون بلاد, فكل شئ كان علي مسمع الجميع وقد طرحنا كل قضايا المنطقة وما يعانيه مسيحيو العراق ولبنان والأراضي المقدسة من صعوبات, كا تطرقنا إلي الصعوبات التي تواجه الكثير من البلاد الأخري من حيث الحرية الدينية.
كما أكدنا الحوار الديني ووضعنا رؤية لمستقبل المسيحيين حيث عليهم أن يعلموا دورهم فإن التحدي الحقيقي لمسيحيي المنطقة ليس خارجيا بل تحدي لإيمانهم وتعاليم السيد المسيح.
* ما موقف كنيستكم من الهجوم الإرهابي علي المصلين بكنيسة القديسين بالإسكندرية؟
* * لاشك أن الكنيسة الكاثوليكية جزء من المنظومة العالمية تندد وترفض الإرهاب شكلا وموضوعا, نحن نرفض العنف, وأنا مازلت أسأل نفسي ما ذنب هؤلاء الأبرار ليتعرضوا للعنف والإرهاب عند خروجهم من الكنيسة, وقد أدان غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب هذا العمل الإجرامي وأصدر بيانا باسم الكنيسة القبطية الكاثوليكية وأوفد سبعة من الآباء الكهنة بالإسكندرية لزيارة المرضي وتقديم التعزية لكل أسر الضحايا, كما قمنا بقداس علي أرواحهم ونحن نصلي من أجلهم جميعا.
* وكيف تتم معالجة آثار الحادث؟
* * لقد سعدنا بتقديم العزاء من جانب فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر, ومفتي الجمهورية, ووزير الأوقاف لقداسة البابا شنودة الثالث, وكم رأينا جموع المثقفين والأدباء والفنانين في تظاهرات سلمية, وشهدنا رجال الدولة والسياسيين في صالون البابا يوم العيد, ولكن كلها مشاعر نتخوف من أن تأخذ وقتها وتأتي أحداث أخري تغطي عليها وينشغل الناس والدولة عن معالجة جذور المشكلة.
أتمني أن يكون حادث الإسكندرية بداية للتفكير ووضع رؤية واستراتيجيات لإصلاح منظومة التعليم وإعادة دراسة التفكير في سياسات إعلامية, لابد من خطاب ديني يرافقه واقع عملي حقيقي ملموس, فحماية مصر ليست بكثافة أمنية ولكن بمنظومة ثقافية.
علينا جميعا أن نحمي حقوق الإنسان ونحترم كرامته وإيمانه أيا كان دينه.
* وماذا عن تقديم نيافتكم واجب العزاء لقداسة البابا؟
* * البابا الجبل.. لقد رأيته جبلا في تحمله للمآسي وللمصاعب وبرغم إحساس الألم إلا أني وجدت في عينيه الإحساس بالرجاء.. الرب يديمه لمصرنا فهو مثال للمواطنة يتألم كثيرا ولا يهتز أبدا..
* وما رأيكم عما يتردد حول تدخل الفاتيكان في الشئون المصرية؟
* * هذا الأمر أثار تعجب جميع الكاثوليك في العالم لأن قداسة البابا بنديكت وجميع باباوات الفاتيكان لا يتدخلون إطلاقا في شئون الدول الأخري, فالبابا يدين دائما العنف والظلم والاضطهاد والإرهاب وجميع الأوضاع المنافية للأخلاق, ومن المعروف أن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني قبل الحرب علي العراق رفض مقابلة وزيرة الخارجية كونداليزا رايس -وقتها- قائلا إن هذه الحرب لا أخلاقية وعواقبها مدمرة.
فالبابا هو الرمز الديني الواعي تماما بدوره الروحي والأخلاقي وما حدث أنه ناشد من أجل حقوق الأقليات كما دعا لحماية المسيحيين بمصر, كما دعا إلي حماية المسلمين بأوربا.
كما أنه لا توجد مصالح دولية, فالفاتيكان ليس لديه سلاح ولا جيش بل يدعو من أجل سلام العالم.
* ما الجديد من أخبار الخدمة الكاثوليكية في مصر؟
* * لقد شرعنا في بناء كنيسة للأقباط الكاثوليك في شرم الشيخ وهي في المراحل الأخيرة للتشطيبات, وقد أناب غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس, الأب بولس جرس للخدمة هناك منذ ديسمبر الماضي وتم صلاة القداس الأول بالكنيسة يوم عيد الميلاد المجيد -25 ديسمبر الماضي- ويتابع شئونها نيافة الأنبا مكاريوس توفيق.
* ماذا يتمني نيافتكم للكنيسة؟
* * بناء البشر قبل الحجر إذا استطعنا بناء قلوب, فقد نجحنا في تحقيق القول اللإلهي أنتم أحجار حية ونستطيع بها أن نشهد عن إيماننا في كنيستنا ومجتمعنا.
وأن يكون هناك إخاء وطني حيث يشعر كل إنسان أنه خليقة الله, وأنه أخ لكل إنسان في البشرية, كما أعطانا السيد المسيح وصيته الأولي والعظمي أحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك وقريبك مثل نفسك هذا القريب هو كل إنسان في البشرية, علينا جميعا أن نشعر بهذا لننهض جميعا مسلمين ومسيحيين.