قال اللواء محمود نصير – مدير إدارة الدفاع المدني والحرائق بالقاهرة – إنه تم مؤخرا رصد 80 حريقا يوميا حدثت بالقاهرة, وذلك بسبب الإهمال وبطء الإسعاف وعدم معرفة استخدام طفايات الحريق, وبالتالي فثقافة مقاومة الحرائق مفقودة بين المواطنين حيث يمكن تلخيص المخاطر التي تنتج عن الحرائق في الخطر الشخصي وهو تعرض الأفراد للإصابات مما يستوجب توفير تدابير النجاة من الأخطار عند حدوث الحريق, بجانب الخطر التدميري أي ما يحدث من دمار في المباني والمنشآت وتختلف شدة هذا التدمير باختلاف ما يحويه المبني نفسه من مواد قابلة للاشتعال والانتشار.
أضاف اللواء نصير أنه يتم تشكيل لجنة لمنع أي ترخيص مطلوب للمنشآت تتكون من عدة جهات مختلفة هي الصحة والسلامة الأمنية والإسكان والصحة وأخيرا أضيف إليهم ممثل رابع ألا وهو وزارة البيئة, بجانب موافقة إدارة الدفاع المدني لمعرفة هل موقع المنشأة ملائم وله علاقة بنشاط المنشأة ومدي تأثيره علي البيئة المحيطة؟ ثم بعد ذلك تمنح التراخيص للتفتيش علي المواصفات التي وضعتها لجنة التراخيص عند التنفيذ والتأكد من وجود متدربين من نفس المنشأة تدربوا علي استخدام الحماية والدفاع والأمان تحت إشراف الدفاع المدني, وكذلك تأمين مخارج الطوارئ في حالة حدوث حريق أو تسرب غاز مثلا, وأيضا تأمين مصادر الطاقة كالكهرباء. ويجري التأكد من خلال التفتيش الدوري علي المنشآت من وجود عدد كاف من طفايات الحريق الجيدة والتي يتم صيانتها باستمرار حرصا علي كفاءتها بالإضافة إلي وجود بعض المعدات الخاصة بالوقاية كالخوذة الرأسية والحذاء المطاطي في مكان واضح وأمام الجميع لتسهيل الاستخدام في حالة نشوب حريق.
مثلث الاشتعال
أشار اللواء رسمي سلامة مدير إدارة الدفاع المدني بوزارة الإعلام إلي أن الأعطال الكهربائية بجانب وجود مواد سهلة الاشتعال بالقرب من أجهزة كهربائية تستخدم لأغراض التسخين وترك المهملات والفضلات القابلة للاشتعال بالمنشآت الصناعية والتي تشتعل ذاتيا بوجود الحرارة, كذلك وجود النفايات السائلة والزيوت القابلة للاشتعال علي الأرضيات.. كل هذا يؤدي لكارثة كبري خاصة في المناطق الصناعية متعددة المنشآت.. فتعريف عملية الاحتراق تلخص في أنها الظاهرة الكيميائية التي تحدث نتيجة اتحاد المادة المشتعلة بأوكسجين الهواء بعامل تأثير درجة حرارة معينة لكل مادة من المواد.. وتختلف درجة هذه الحرارة بالنسبة لكل مادة وتسمي نقطة الاشتعال وبالتالي نجد من ذلك أنه لكي يحدث حريق يلزم أن تتوفر ثلاثة عناصر هي الوقود والحرارة والأوكسجين, وهو ما يطلق عليه مثلث الاشتعال وتعتمد نظرية إطفاء الحريق عليه.
استطرد اللواء سلامة بقوله أن عمليات الإطفاء تحتاج إلي ثلاث وسائل هي: تبريد الحريق ويقصد به تخفيض درجة حرارة المادة المشتعلة باستخدام المياه حيث يتحول الماء عند استخدامه لهذا الغرض إلي بخار يعلو سطح الحريق ويكتم النيران بإنقاص نسبة الأوكسجين, ثم الثانية وهي خنق الحريق حيث يتم تغطيته بحاجز يمنع وصول أوكسجين الهواء إليه وذلك بغلق منافذ وفتحات التهوية بمكان الحريق وتغطية المادة المشتعلة بالرغاوي الكيماوية وإحلال الأوكسجين ببخار الماء أو ثاني أوكسيد الكربون أو المساحيق الكيماوية الجافة أو أبخرة الهالوجينات. أما الوسيلة الأخيرة فهي ما تعرف بتجويع الحريق وذلك بالحد من كمية المواد القابلة للاشتعال وذلك من خلال نقل البضائع والمواد المتوفرة بمكان الحريق بعيدا عن تأثير الحرارة واللهب.
ثقافة مقاومة الحريق
قال محمد لهيطة – رئيس اتحاد الغرف السياحية السابق – إن توفير بيئة عمل آمنة من مخاطر الحرائق ورفع مستوي كفاءة العاملين بوسائل الوقاية سيؤديان بلا شك إلي الحد من الإصابات وحماية العاملين من الحوادث, كما أن نشر ثقافة مقاومة الحريق بين فئات المجتمع المختلفة لها أهمية كبري في حماية الاقتصاد القومي وذلك من خلال عمل اختبار دوري علي استخدام طفايات الحريق والتشديد علي وجودها بكل منشأة ومؤسسة حكومية أو خاصة وأيضا داخل السيارات والجراجات وذلك للحد من انتشار الحرائق الذي بلغ 80 حالة حريق يتم الإبلاغ عنها يوميا في القاهرة بالإضافة إلي الحرائق المتفرقة في المدن والمحافظات الأخري بجانب وسائل النقل والمصانع. ويرجع أغلب حدوث حالات الحرائق إلي عدم وجود طفايات حريق وجهل من يستخدمها في حالة وجودها. وبالرغم من أن عقوبة المتسبب في وقوع حريق تصل إلي 10 آلاف جنيه بجانب الحبس إلا أنها لم تطبق في مصر ولا مرة واحدة فغالبا ما يكون المتسبب مجهولا أو بسبب ماس كهربائي, كما أن معظم حالات الوفاة في الحرائق تعود إلي الاختناق بسبب بطء سيارات الإسعاف في الحضور وأيضا لعدم الاهتمام بمنافذ التهوية عند تصميم المنشآت, خاصة الإدارية.
الوقاية لها أصول
أوضح الدكتور حسين عبدالحي إبراهيم – مدير المركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل سابقا – أن هناك ضرورة لوضع اشتراطات النشاط الوقائي ضد الحرائق, وأن تتوفر الأدوات التي يلزم استخدامها في مثل هذه الحالات, وكذلك تدريب العاملين في هذه المنشآت علي التعامل بمهارة مع هذه الأدوات كذلك لابد من توفر الإنذار الآلي والإطفاء الآلي بسقف حجرات هذه المباني مما يؤدي إلي تقليل الخسائر البشرية أو الممتلكات.
التأمين.. وخطط الطوارئ
أشارت الدكتورة مشيرة مسعودي وكيلة وزارة القوي العاملة ورئيسة الإدارة المركزية للسلامة والصحة المهنية سابقا إلي أن عمليات تأمين المؤسسات والشركات ليست أمرا صعبا طالما توجد خطط طوارئ لهذه المؤسسات من خلال رجال متخصصين للقيام بواجبهم في حالات الطوارئ, ولكن تبقي المشكلة في انعدام الوعي الوقائي لدي الكثير من الأفراد لذلك لابد من نشر الوعي الوقائي لأن ذلك يشكل ركنا مهما في حلقة الحفاظ علي الأرواح والممتلكات, وتعمل الإدارة المركزية للسلامة والصحة المهنية بالوزارة علي نشر هذا الوعي بعد تفشي ظاهرة الحرائق مؤخرا.
نماذج مختلفة
أوضحت المهندسة سلوي الشروي – منسقة الاتصالات السابقة بمكتب الالتزام البيئي باتحاد الصناعات المصرية – أن جميع الحرائق الأخيرة كانت لأسباب متعددة منها عدم توفير وسائل الأمن الصناعي في تلك المنشآت ولابد من البحث عن وسائل لصيانة هذه الممتلكات لتفادي تكرار الحوادث بها مرة أخري وبرغم وجود مراكز السلامة والصحة المهنية الذي أنشئ بقرار جمهوري رقم 932 لسنة 1969 تحت مسمي مركز الأمن الصناعي والتابع لوزارة القوي العاملة والذي تغير اسمه إلي المسمي الحالي وذلك دلالة علي أهمية الاعتناء بالثروة البشرية في مصر, والذي قدم أكثر من 200 بحث في 49 مجالا مختلفا ومنها منع المرأة من العمل في المحاجر والمناجم وأفران صهر المعادن, والفحص الطبي الابتدائي قبل دخولها العمل, ومقاومة الحرائق وأسبابها, وتوفير العديد من الأجهزة لقياس الغبار والذي لا يجب أن تزيد درجته علي 90 ديسبك في الأجواء المحيطة بالعاملين, ومن خلال التعاون مع منظمة العمل الدولية تم التوصل إلي 6 أمراض مهنية جديدة مثل: أمراض الحويصلات الهوائية والتسمم بالنيترات والإشعاع غير المؤين وهناك مفتشون للمتابعة حاليا علي مواقع العمل الاستراتيجية بالمنشآت وتقديم تقارير دورية, كما يتم إرسال المفتشين كل فترة إلي الخارج للاطلاع علي التطورات والاستخدام الأمثل لوسائل التكنولوجيا الحديثة في مجال الأمن الصناعي.
شهادات وشروط
أوضحت نيفين صقر إخصائية تطوير الأعمال بوحدة المساعدات الفنية بمركز تحديث الصناعة المصرية أن برنامج تحديث الصناعة اهتم بأن يصبح مشرفا علي 2000 منشأة لا تحصل علي أي شهادة من شهادات الجودة العالمية إلا من خلال شروط واحتياطيات عالمية في مجال الأمن الصناعي وضعها الاتحاد الأوربي المشارك مع مصر في مركز تحديث الصناعة ومن خلالها يتم تفادي العديد من المخاطر البيئية مثل النفايات الإكلينيكية ونفايات تصنيع الدواء والأصباغ والدهانات.. وغيرها من النفايات الخطرة علي حياة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة ككل.
أبرز الدكتور طارق حسن شرف الدين عميد معهد الأمن الصناعي سابقا أن دور المعهد هو تدريب الأفراد للتعامل جيدا مع وسائل الأمن الصناعي ونشر الوعي الوقائي من خلال إبرام الاتفاقيات والعقود بين المعهد والمؤسسات الراغبة في تدريب العاملين بها أو من خلال التفتيش والمتابعة في إطار تعليمات وشروط الاتحاد الدولي للسلامة والصحة المهنية ويتم تصنيف المتدربين في المؤسسات الحكومية والخاصة إلي ثلاث فئات هي: الإخصائيين والفنيين وأعضاء اللجنة المشرفة حيث يمثل الإخصائيون من خريجي الطب والصيدلة والهندسة والمعاهد العلمية التي تتطابق دراستهم مع طبيعة العمل الذي يسند إليهم, أما بالنسبة للفنيين فيكونون من حملة الدبلومات الفنية الصناعية ويجري تدريبهم وفق برنامج خاص بهم حيث يشمل التدريب بالمعهد علي 32 محاضرة علمية لمدة خمسة أسابيع تتخللها محاضرات طبية وإسعافات أولية وتعتمد هذه المحاضرات علي كيفية مواجهة الحرائق بأسلوب علمي وعملي. وقبل نهاية هذه الدورات يجري تنظيم عدد من الاختبارات لضمان الوصول إلي المستوي اللائق.
الوعي الصناعي
من جانبه أكد الدكتور نادر رياض مستشار لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب ووكيل شعبة أجهزة إطفاء الحريق بالغرفة التجارية سابقا أن قضية الأمن الصناعي ومنها الوعي بالبيئة تتأثر بمستوي التقدم الصناعي والمنظومة الصناعية التي يقع ضمنها العامل المدرب لأنه يمثل الخبرة في المنشأة الصناعية التي يعمل بها, وطالما لا يوجد تدريب جيد فمن الصعب الوصول إلي المستوي المطلوب علي الصعيد الإنتاجي. وهناك ثلاث حلقات ترتبط ببعضها بصورة كبيرة هي القوي العاملة والآلات والمواد الخام.. وإذا فقدت إحدي هذه الحلقات يؤثر ذلك بصورة سلبية علي الإنتاج, ولاشك أن هناك ضرورة للحد من الغش في صناعة وسائل الأمن الصناعي, ذلك يحول دون استخدام هذه الوسائل بفعالية في حالات الطوارئ والتي تم تصنيعها من أجل هذا الهدف ولابد من إعادة صياغة الأمن الصناعي وتوفير الميزانية اللازمة لاستخدام هذه الوسائل بجانب وضع برنامج تدريبي للعاملين بالمنشآت الحكومية والخاصة علي استخدام هذه الوسائل.