سيجد الرئيس المنتخب باراك أوباما نفسه محاطا بعدد هائل من النصائح حول كيفية تناوله عملية السلام العربي ـ الإسرائيلي. وإحدي النصائح التي يجب ألا يأخذ بها هي أن يعطي الأولوية لعملية السلام الإسرائيلي – الفلسطيني, فلا يوجد سبيل للاتفاق في هذه القضية, ولكن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلي اتفاق إسرائيلي سوري ويجب أن يسعي أوباما وراء ذلك.
وهناك بالطبع حجج قوية تؤيد منح السلام الفلسطيني – الإسرائيلي الأولوية, حيث يستحق الفلسطينيون أن تكون لهم دولتهم, كما أن الوصول إلي اتفاق إسرائيلي – فلسطيني سيفضي إلي سلام عربي إسرائيلي شامل, ويضمن بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية علي المدي البعيد.
وربما يدفع حماس الرئيس الجديد لإصلاح صورة أمريكا في الخارج علي السعي إلي عقد اتفاق, ولكنه يجب أن يتجنب ما يطلق صفارات الإنذار. فليس من الممكن الوصول إلي اتفاق لإنهاء الصراع في الوقت الحالي, وليس من المرجح أن يكون ذلك في أي وقت قريب, كما تكمن خطورة كبيرة علي الولايات المتحدة في تبني أوهام قد تؤدي بها إلي فشل آخر. ومازالت الفجوات التي تفصل بين الطرفين والخاصة بقضايا محورية (القدس والحدود واللاجئين والأمن) شديدة الاتساع, والزعماء الحاليين أضعف من أن يسدوا هذه الفجوات, ولا تسمح البيئة العملية شديدة التعقيد بإجراء مفاوضات قوية.
ويسود اختلال وظيفي وفوضي في فلسطين, وتعاني الحركة الوطنية الفلسطينية من خلافات سياسية وجغرافية بين حماس (التي تشهد انقسامات داخلية) وفتح (التي تشهد انقسامات أشد هي الأخري), الفرصة ضعيفة أمام توحيد الصف الفلسطيني بصورة تمكنه من السيطرة علي المسلحين واتخاذ موقف حيوي وموحد في المفاوضات يحتمل أن تقبلها أية حكومة إسرائيلية. ويسود ضعف في القيادة وتوجد سياسة ائتلاف غير مستقرة في إسرائيل أيضا. ويكمل النشاط الاستيطاني الإسرائيلي, المستمر بلا كلل, صورة مروعة تخيف أي وسيط ذكي.
ولكن, ثمة رأي آخر يفرض نفسه بصورة أكبر وهو يدعو لإعطاء دفعة أكبر لمفاوضات أخري: بين إسرائيل وسورية. في هذه الحالة توجد دولتان علي مائدة المفاوضات, بدلا من دولة وحركة وطنية عاجزة, وهناك حدود هادئة, بفضل مساعي هنري كيسنجر الدبلوماسية لفك الاشتباك عام 1974, ويوجد عدد أقل من المستوطنين علي مرتفعات الجولان, ولا توجد قضايا كبري, مثل القدس, يمكنها أن تقضي علي المباحثات. وفي الحقيقة, القضايا التي سيتم تناولها واضحة المعالم: الانسحاب والسلام والأمن والمياه, والخلافات محددة ويمكن تقريب المسافات بينها.
وبالنسبة لرئيس يتطلع إلي تعزيز مصداقية أمريكا, توجد فرصة للاستفادة من التوصل إلي اتفاق إسرائيلي – سوري. وسيبدأ مثل ذلك الاتفاق في إعادة تنظيم المنطقة بما يخدم مصالح أمريكية أكبر. وينبغي علي البيت الأبيض أن يتحلي بالصبر; فسورية لن تتخلي عن علاقات عمرها 30 عاما مع إيران, لذا يجب أن يتم إبعاد السوريين عن إيران تدريجيا, ويتطلب ذلك بذل جهود دولية كبري لحشد الدعم الاقتصادي والسياسي لدمشق. ومع ذلك, سيضع إبرام اتفاقية سلام بين إسرائيل وسورية حماس وحزب الله وإيران في مواجهة خيارات قليلة صعبة.
ولن يكون ذلك سهلا. وستحتاج إدارة أوباما, وخاصة الرئيس الجديد, إلي أن تكون في محور الأحداث. وسيكون تلبية احتياجات إسرائيل وسورية الاقتصادية والأمنية صعبا للغاية وسيستغرق الكثير من الوقت والتكلفة. كما أنه من المرجح أن يحتوي الاتفاق النهائي علي وجود قوات حفظ سلام أمريكية. وستحتاج الولايات المتحدة, وهو أمر بالغ الأهمية, إلي دفع الجانبين إلي أبعد مما يرغبان في الوقت الحالي: الانسحاب من مرتفعات الجولان من جانب إسرائيل, والتطبيع والأمن من جانب سورية.
ومع جدية قادة إسرائيل وسورية ووجود إدارة أمريكية جديدة مستعدة لاتخاذ مواقف صارمة وذكية وعادلة في مساعيها الدبلوماسية, من الممكن عقد اتفاق.
سيادة الرئيس المنتخب: تقدم وحاول دعم اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين, وتدريب قوات الأمن الفلسطينية, وضخ المساعدة الاقتصادية في غزة والضفة الغربية, وساند في هدوء المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. ولكن لا تنتقل إلي آخر مرحلة, فلن تصل إليها. وبدلا من ذلك استثمر جهودك في عملية السلام الإسرائيلي – السوري, وبعد ذلك, ربما تجد أنك حققت نجاحا تاريخيا وتستعيد أمريكا احترام قدراتها, وستكون في موقع أفضل لتحقق النجاح الذي تريده في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية أيضا.
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط الدولية