علي مدي عشرات السنين ظهرت إرادة الأمة في العديد من المواقف والثورات والأزمات.. تصدت فيها للاحتلال وظلم الحكام والتخلص من الطغيان, وصمد الشعب حتي تحققت مطالبه.
ظهرت قوة وإرادة الشعب المصري أثناء تأييد حكم محمد علي في 13 مايو سنة 1805, فالزعامة الشعبية أبلغته برغبة الشعب في تنصيبه علي حكم البلاد, وقد ظلت هذه الزعامة كما وصفها المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه تاريخ الحركة الوطنية قائمة في السنوات الأولي من حكم محمد علي, فكان لها تأثير فعال في تثبيت دعائم ملكه وتذليل العقبات التي وضعها رجال الأستانة من جهة, والإنجليز والمماليك من جهة أخري.
فكان علي رأس هذه الزعامة الشعبية السيد عمر مكرم الذي حمل لواءها في تقليد محمد علي سلطة الحكم حيث اقتاد الجماهير وتوجه بهم إلي محمد علي وعرفه مكانة الشعب ونفوذه وكان يرجع إليهم ويستشيرهم فيما يجد من الأمور, فكلما احتاجت الحكومة إلي تنفيذ شيئا رجع إليهم, وبعدما تخلص محمد علي من أعدائه المماليك والإنجليز بفضل الزعامة الشعبية عمل علي التخلص من عمر مكرم بعدما رأي أن مكانته وثقته عند الناس كبيرة حتي إن محمد علي دبر مؤامرة ونفي عمر مكرم إلي دمياط في 9 أغسطس سنة 1809 وعمل علي الافتراء والتشهير علي سمعته لمنع تعاطف الشعب معه, ومن هنا ظهر ما يعرف بالفراع أو انقطاع الصلة بين الحاكم والشعب وخسر الشعب مصدر قوته والترابط الذي كان موجودا في ذلك الوقت خاصة أن محمد علي انفرد بالحكم.
نموذج آخر ظهرت فيه إرادة الشعب عندما قامت ثورة عرابي, والتي لم تكن ثورة عسكرية فحسب بل هي أيضا ثورة قومية اشتركت فيها طبقات الأمة كافة.. وأكد ذلك عبدالرحمن الرافعي في كتابه الزعيم الثائر.. أحمد عرابي ومدي ارتباط الشعب بالضباط والجند أمام الحكومة الظالمة.
فالثورة العرابية كانت ثورة دفاع عن الحق, ودفاع عن الحياة فالأسباب السياسية للثورة ترجع إلي تذمر المصريين عامة من سوء نظام الحكم, ورغبتهم في التخلص منه, ولم يكن ثمة عدل ولا قانون, ولا قضاء ينتصف للمظلوم ويعطي كل ذي حق حقه ولا حرية ولا مساواة ولا ضمانات قانونية تكفل للناس حقوقهم وحياتهم. وأدركت الطبقة الممتازة من الأمة إن إصلاح هذا النظام إنما يكون بقيام الدستور وإنشاء مجلس نيابي يوحد مباديء العدل والحرية, ويتحقق فيه معني الرقابة علي الحكم, ويحول دون ارتكاب المظالم.. فيأمن الناس علي حقوقهم وعلي حياتهم, ومن هنا اتحدت الطبقة المثقفة من الأمة مع الضباط الوطنيين في الشعور والميول, وأجمع الكل علي المطالبة بالمجلس النيابي.. فالثورة العرابية كانت من هذه الوجهة ثورة علي المظالم, وثورة علي الحكم الاستبدادي.
ثورة 1919 تعد نموذجا يؤكد أن المصريين كانوا يريدون عن طريق القيام بمظاهرات سلمية للاحتجاج علي القبض علي زعمائهم الأربعة والتعبير عن تأييدهم في مطلبهم الخاص بالاستقلال التام, ولكن الأمر تطور بسبب التجاء السلطات البريطانية إلي مقابلة محاولتهم السلمية هذه بالعنف والقسوة, مما فجر الاستياء المكبوت في صدور الناس لمختلف الأسباب السياسية والاقتصادية وظهوره في شكل ثورة عارمة ضد الإنجليز, وبدت الثورة كما وصفها د. عبدالعظيم رمضان في كتابه تطور الحركة الوطنية في مصر بأنها انفجار من طابع الارتجال والخطة العفوية والتنظيم السريع ولكن هذا الانفجار سرعان ما تحول إلي ثورة عندما اشتمل علي عناصر جديدة علي النضال الوطني, دلت علي وقوع تغيير عميق في كيان المجتمع المصري وهذه العناصر هم الأقباط والمرأة المصرية.
ومن القاهرة انتقلت الحركة إلي الأقاليم وكانت الطبقة البورجوازية في المدن أول من استجاب لنداء الثورة وتبعتها الطبقة العمالية فيها, أما في القري فكان الفلاحون هم الذين حملوا عبء النضال بتأييد الأعيان وتصدرت الطبقة المثقفة النضال وقادته منذ البداية وانبث أفرادها في كل مكان وتعطلت حركة المواصلات والقتال في الشوارع من وراء المتاريس وفي مدن اشتد طابع الثورة إلي درجة مهاجمة مراكز البوليس وتدمير الكباري والجسور ومحطات السكك الحديدية والاستيلاء علي السلطة أحيانا كما حدث في مدينة زفتي, وفي القري خرجت جموع الفلاحين لقطع الخطوط الحديدية والتلغرافية والتليفونية وكان أعنف حوادث الثورة ما جري في الصعيد وما حدث بين البدو والقوات العسكرية البريطانية في الفيوم.
ولم تخل ثورة 1919 من عناصر فاسدة مثلما يحدث في أي مسيرات احتجاجية تعبر عن رأيها, فقد وجد من كان يحمل علي ظهره البضائع المنهوبة وهو يهتف يحيا الوطن وظهر من ينهبون المنازل ويسيئ للثورة.. ونجحت الثورة في النهاية بإرادة خالصة من الشعب.
وأخيرا ثورة 1952 الذي قام بها الجيش وأطاح فيها بالملك فاروق.
حيث تأزمت الأمور في أواخر فترة حكم الملك وبدأ الجيش يتحرك للتعجيل بثورتهم حتي جاء شهر يوليو 1952 واجتمع كبار قادة الجيش لوضع خطة لقمع حركة الضباط الأحرار وبعد أن تسربت أسرار الحركة إليهم فسرعان ما داهمتهم خطة الضباط الأحرار وحدثت الثورة وألقت القبض عليهم ورغم أن الجيش أو الضباط الأحرار هم الذين قاموا بهذه الثورة إلا أن الشعب كان راضيا عنها ليتخلص من حكم الملك فاروق والتخلص من مفاسده.
وتظل إرادة الشعب في كل الفترات حتي الآن لها مكانتها عند الحكام.