يعتبر سلفادور دالي (1904 – 1989) آخر رواد السريالية في العالم, وأحد أشهر فناني القرن العشرين الذي تخيل أن العباقرة لا يموتون.. وبمناسبة الذكري العشرين لوفاته, تفخر العاصمة الألمانية -برلين- باحتضانها متحف جديد للفنان الإسباني افتتح في فبراير 2009, ليتيح فرصة للتعرف علي نبوغه الفني والإبداعي في مراحله الفنية المختلفة.. وبجانب هذا المتحف توجد ثلاثة متاحف في إسبانيا مخصصة لفن دالي أحدها في مدينة فيجوريس حيث ولد الفنان, وآخر في سان بطرسبرج بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية.. وفي يناير 2009 تمت الموافقة علي مشروع ترميم منزل الفنان دالي وتحويله إلي متحف فني.
كانت مدينة برلين شهدت عام 2006 معرضا مؤقتا, ولاقي نجاحا كبيرا وهو ما دفع المسئولين لإنشاء متحف دائم للفنان علي مساحة 1400متر مربع علي طابقين, يضم المتحف الجديد ببرلين أكثر من أربعمائة عمل من إبداعات الفنان السريالية, تتنوع ما بين رسومات ومنحوتات وكتب مصورة وخرائط ووثائق عن سيرته الذاتية ومقاطع من أفلام الفنان.. كما يقدم صورة عريضة لإنجازاته عن طريق عرض ثلاث آلاف قطعة فنية من المقتنيات الخاصة المتوفرة لدي المتحف.
ولأن دالي كان يسبق عصره تكنولوجيا, برع في التعامل مع الخدع البصرية, وكان يتقن استخدام الأدوات والوسائل العلمية التي ساعدته في عمل الكثير من أفلام الخيال العلمي.. وخاض بنجاح تجربة إخراج أفلام الرسوم المتحركة, حيث نال جائزة عن فيلم دستينو بالتعاون مع والت ديزني.. وبعد أن توجه إلي الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية عمل في أنشطة كثيرة أخري كمصمم ديكور ومصمم أزياء, حتي أنه أبدع نوعا خاصا من العطور. ورغم إغراقه في النشاط الفني إلا أنه قدم سيرته الذاتية.. إضافة إلي كتابات أخري عن نظريات في الفن.
ولد سلفادور دالي في مدينة فيجوريس بإسبانيا في 11 مايو 1904, وتوفي 23 يناير 1989 في فيجيراس بمقاطعة كاتالونيا.. اكتشف موهبته الفنية وصقلت في سن مبكرة, وفي الوقت الذي كان مازال طالبا كان يحضر دروسا مسائية في مدرسة الرسم.. وفي عام 1922 بعد أن أكمل تعليمه المدرسي, بدأ تدريبه في المدرسة الخاصة للرسم والنحت بمدريد متأثرا بالمدرسة السريالية. وتقابل مع كثير من الفنانين مثل بيكاسو, وشاجال, وميرو.. وأحب ذلك الوسط.
في تلك الفترة, غلبت علي أعماله السريالية, وأصبح هذا الاتجاه مميزا لطابعه, حتي أن النقاد أطلقوا علي السريالية التي تطغي عليها الهلوسة الفنية بـالدالية.. لكنه في ختام حياته اتخذ في فنه اتجاها أقرب إلي الرهبنة الكاثوليكية, وعاش في عزلة مرتديا ملابسه باللون الأبيض حزنا علي وفاة زوجته ومحبوبته جالا التي وجد فيها إلهاما لخواطره حتي أنه صورها في إحدي اللوحات علي شكل العذراء مريم.
كانت السريالية جزءا من تركيبته الشخصية, فكان يحول أفعاله الغريبة بين الناس إلي موضوعات للوحاته. الفنان دالي لم يكن مجنونا ولكنه صانع الجنون كما يسمونه إذ كان يمتلك قدرة فائقة من الخيال, فكان يرسم عناصره كما تخيلها بإسقاط عقله الباطن دون تدخل العقل الواعي, فنجد شخصياته تحلق في السماء أو علي حافة بحيرة أو تطير علي الأرض.. فهو يرسم كل ما هو ممكن -بعيدا عن النظريات الفنية- معتمدا علي الرمزية.
وكان البيض -الذي يحب أن يأكله- عنصرا مشتركا في الكثير من لوحاته, وأشهرها ميلاد الإنسان الجديد التي أنجزها عام 1943, وفيها يصور بيضة كبيرة الحجم (وكأنها الكرة الأرضية) ويخرج منها جزء من جسم الإنسان, تعلوها مساحة من القماش معلقة في السماء علي شكل نصف بيضة.. في شكل خيالي متفرد.
كما تكرر عنصر الساعات في أكثر من لوحة, ففي لوحة الزمان والمكان رسم دالي الساعات هلامية ورخوة وكأنها توقفت عن الحياة, دلالة علي تحذير الإنسان من نوع الحياة التي لا يرضاها الفنان.. وفي لوحة أخري بعنوان إصدار الذاكرة التي أنجزها عام 1931, وتوضح أهمية المنظر الطبيعي لدي الفنان, فرسم أربع ساعات, منها الذائبة والمغطاة بالنمل, والتي تشير عقاربها لتوقيتات متباينة.. وبهذا العمل يرمز دالي إلي مبدأ نسبية الزمن, والرغبة في التحكم فيه, وتذكر أن كل شئ زائل.
مثل باقي السرياليين حملت أعمال دالي روح النبوءة, ففي إحدي لوحاته عبر عن التوتر والصمت مثل لوحة أشلاء الحرب مصورا أجساد شخصياته هلامية الشكل, مازجا هذه النماذج من الشخصيات بالبحار والنيران.. وكأنه كان يتنبأ بأن القرن الحادي والعشرين سوف يحمل أهوالا وويلات الحروب وتحققت نبوءته بما يدور من حولنا هذه الأيام في مختلف أنحاء العالم.