كشفت أحداث مباراة مصر والجزائر الأخيرة النقاب حول القومية العربية التي انتشرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وبعد الاعتداء الوحشي للجماهير الجزائرية المدعوم بموافقة سياسية من النظام الجزائري وما حدث للمصريين في الجزائر جعل البعض يعيد النظر في فكرة القومية العربية, ورفع شعار ##مصر أولا## لدي العديد من الشباب ومن المثقفين وظهور فكرة المقاطعة لكل ما هو عربي, وقامت وطني بعد أن هدأت عاصفة الأجواء والتصريحات الملتهبة للوقوف علي القومية العربية علي أرض الواقع والمعوقات التي تواجهها.
في البداية قال عبد الله الأشعل نائب وزير الخارجية الأسبق: ##من الخطأ أن تتخلي مصر عن عروبتها أو الفكر القومي العربي خاصة أن مصر لديها أكثر من 3 ملايين عامل في الدول العربية يرسلون تحويلات تصل إلي 5 مليارات جنية في العام الواحد, وما حدث من معالجة ملف أزمة مباراة الجزائر أخطأ فيه النظام المصري, لأنه لم يفرق بين خشونة المشجعين الجزائريين مع المصريين وبين الشعب الجزائري الذي يعتبر جزءا من الوطن العربي, واعتبر النظام المصري الجزائر وكأنها دولة موجودة في أمريكا اللاتينية بعيدة عن مصر, واستعانت بمجموعة من المعلقين الرياضيين عديمي الثقافة وقاموا بتسميم العلاقة بين الدولتين,وما حدث من مقاطعة لدولة عربية خطأ كبير, خاصة أن المقاطعة جاءت من نقابات مهنية مثل نقابة الممثلين, والأخطر من ذلك ما قامت به نقابة المحامين بحرق العلم الجزائري واتهامها للسفير الجزائري بالعمالة والخيانة, ومن حق الشعب المصري أن يشعر بالغضب والإهانة لاعتداء المشجعين الجزائريين عليه واحتماؤهم في الدولة الجزائرية, ولكن هناك خطأ من البداية ضد العروبة ومن يحاول تفتيت القومية العربية وتوجيه السموم داخل الجسم العربي الواحد بدليل الشحن الزائد قبل المباراة.
وعن شعور الدول العربية تجاه مصر
قال الأشعل: كثير من الشعوب العربية تحب مصر وتنظر لها بنظرة احترام وتقدير ولكن في الوقت ذاته تشمت في مصر لشعورها تجاه النظام المصري الذي يهادن إسرائيل وما يقوم به من غلق للمعابر تجاه أبناء غزة ولكن في كل الأحوال مصر هي قلب العروبة في التعليم والثقافة والفنون وكل النواحي وستبقي الشقيقة الكبري لكل الدول العربية.
المبالغة فى العروبة
من جانبه أوضح د.عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: ##الكلام عن القومية العربية أقرب للوهم والعلاقات بين الدول تقاس بالمصالح المشتركة والحديث عن العروبة والقومية به مبالغة, ولا يأتي للصالح المصري, ومصر كان لها دور ريادي في المنطقة العربية حينما كان العرب في حاجة لها أمنيا في الدفاع عنهم ضد الاستعمار والاعتداءات الإسرائيلية, واقتصاديا حينما كانت مصر تنفق علي عديد من الدول وتساعدها, بالإضافة للحاجة الحضارية لمصر حينما أرسلت المعلمين والأطباء للدول العربية ولكن الآن تلك الدول لا تحتاج لمصر فأصبحت تنظر لها بدرجة أقل ورفعت شعارات السعودية أولا ولبنان أولا وغيرها##.
الاعتزاز بالمصرية
وقال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إنه لا يوجد تناقض بين شعارات تم رفعها مثل مصر أولا وبين عروبة مصر فلا عيب أن نعتز بمصريتنا وتكون هناك روابط ثقافية لمنطقة بعينها مثل المنطقة العربية ولكن مع الأخذ في الاعتبار الانتماء الوطني مع وجود روابط أخري مثل العربية والأفريقية والأورمتوسطية ,ولا يمكن إنكار العلاقات المصرية العربية ودور مصر التاريخي خاصة المتعلقة بالتعليم في الدول العربية ولكن للأسف مصر الآن في وضع متدني لاتستطيع إفادة الدول العربية التي كانت تعتمد بشكل كبير علي مصر, ولكن مع ظهورالبترول ودخول شركات أجنبية تم تهميش الدور المصري والسبب الرئيسي في الخلافات الحالية أو ضعف القومية العربية يرجع لتراجع مصر في شتي المجالات, حتي أصبحت بعض الدول في المنطقة تريد أن تلعب دور الدولة الكبري في المنطقة.
فشل القضية
وفي هذا الإطار قال منير فخري عبد النور سكرتير حزب الوفد: ##القومية العربية فشلت لأسباب عديدة منها طريقة تناول قضية القومية العربية, وكذلك فشل تلك الفكرة ولكن لا يوجد شك بانتماء مصر للعالم العربي جغرافيا وفنيا وثقافيا, وهناك مصالح كثيرة ومتعددة بين مصر والدول العربية وانقطاع مصر عن الدول العربية في المرحلة الحالية بالذات خطأ كبير لأن مصر تنتمي لمجموعة دوائر أهمها وأكبرها الدائرة العربية, وأرفض فكرة التطرف في الرفض أو القبول لفكرة القومية العربية فيجب أن نستفيد من كل الدوائر لأن الانفتاح علي الدول العربية لوجود قواسم مشتركة جغرافيا وتاريخيا وعامل اللغة والثقافة فيه ثراء لمصر, وما حدث بعد مباراة كرة قدم أخذ أكبر من حجمه من حيث الحشد والحماس والآثار التي ترتبت علي ذلك من ضمنها أن تكون القومية العربية مهددة كنتيجة لمباراة كرة قدم, وبالنسبة لمن ينادي بأن مصر أولا فهذا أمر طبيعي ولكن مع الأخذ في الحسبان انتمائنا للدائرة العربية##.
فقدان الحلم
نوه د.طلال عشي كاتب ومفكر سوري أن الخلاف الأخير الذي عقب مباراة مصر والجزائر من أحداث ليس خلاف كروي وإنما خلاف لشعب فاقد لحلمه, والقومية ليست أن تتوحد الدول العربية كلها ولكن أضعف الإيمان أن يكون هناك تكتل اقتصادي قوي بين دول تشترك في وحدة التاريخ والجغرافيا واللغة وفي مجتمع دولي لا يعترف إلا بالتجمعات والكيانات الكبري كالسوق الأوربية المشتركة وتجمع دول جنوب شرق آسيا حتي التجمع الأفريقي, ولا يوجد إلا الدول العربية التي تتخلف عن تلك الوحدات فالتاريخ المشترك والحدود المجاورة واللغة هي اللبنة الأولي والمكون الأساسي لتلك الوحدة, فيجب علي الأقل أن ننظر للمصلحة التي ستعم خاصة في ظل تنوع موارد الوطن العربي ووجود طاقة بشرية هائلة وعقول تنتج في الخارج, فلا يمكن اعتبار القومية وهم أو حلم وإنما حقيقة يجب الوصول لها .
شروط القومية العربية
وأشار صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة إلي أن القومية العربية شئ لم نخترعه وهناك حقائق جغرافية وتاريخية من أمة واحدة تتوافر فيها شروط معروفة من وحدة اللغة والتاريخ, فالشعوب التي تتوافر فيها تلك الروابط المشتركة تكون أمم, فنحن كمصريين عرب ,والاحساس الموجود الآن لدي الناس نتيجة المشاكل الناتجة بين الشعوب العربية خاصة تعمد البعض إهانة مصر, وهناك صعوبة في الوحدة العربية نتيجة فجوات حضارية واقتصادية بين الشعوب العربية. دول غنية جدا ودول أخري فقيرة, دول متقدمة ودول متأخرة وتلك الاختلافات خلقت حواجز بين الجميع ونتيجة لذلك ظهرت منذ 30 عاما شعارات لمثقفين مصريين تنادي بمصر أولا بعيدا عن العرب, وهي نداءات غير مخطئة ولكن في الوقت ذاته ستظل مصر مظلة لكل الدول العربية خاصة أن اللهجة المصرية والفن المصري وحدا بين الشعوب العربية.
دوائر الوطنية
ودافع حسين عبد الرازق الأمين العام السابق لحزب التجمع عن القومية العربية وقال: ##كل ماحدث من خلافات تعتبر حدثا عارضا ولا يمكن أن تمس مكون أساسي من مكونات الأمة المصرية ألا وهي العروبة فهي الماضي والحاضر, قد يتراجع الإحساس بذلك نتيجة الغضب للتصرفات من بعض الدول العربية ولكن سرعان ما يزول ذلك وقضية شعار مصر أولا فلا مانع من ذلك, لكن مصر أولا ونحن عرب وأفارقة أيضا, فمصر لعبت دورا كبيرا علي المستوي العربي من المشاركة في تحرير الدول وكذلك علي المستوي الأفريقي يجب أن تهتم بقضية مياه النيل ودول حوض النيل##.