تتوالي أخبار حوادث انتحار الأطفال في السنوات الأخيرة لأسباب متعددة وبطرق متغيرة منها القفز من شرف المنزل, أو الشنق بحبل يتدلي من سقف حجرة وإلي آخره من طرق مؤلمة كان آخرها خبر انتحار تلميذ بالصف الأول الإعدادي في الإسكندرية بشنق نفسه بحبل يتدلي من سقف الحجرة, وذلك لعدم رغبته في الذهاب للمدرسة, وهنا تثار العديد من الأسئلة التي تفرض نفسها وهي ما هو حجم المعاناة التي عاشها هذا الطفل إلي الدرجة التي جعلته يقرر التخلص من حياته؟ما هو حجم الضغوط المدرسية التي تعرض لها خلال سنوات عمره التي لا تتجاوز الاثني عشر عاما أدت به إلي هذا المصير المظلم؟ من هو المسئول عن وصول الطفل إلي هذه الحالة من اليأس الذي أدي به إلي الانتحار؟ كيف لم يشعر والداه بالمعاناة النفسية التي يعاني منها؟ وكيف أقدم علي الانتحار دون أن يدري أحد به.
أسئلة كثيرة تتوارد إلي الذهن نحاول الإجابة عنها من خلال لقائنا مع الدكتور محمد مهدي استشاري الطب النفسي الذي بدأ حديثه قائلا: إن ظاهرة انتحار الأطفال هي ظاهرة جديدة علي المجتمع المصري الذي لم يعهدها من قبل حيث إن فترة الطفولة هي فترة اللعب واللهو والمرح بدون أي مسئوليات تثقل كاهل الأطفال, أو ضغوط لا تستطيع قدراتهم النفسية تحملها, كما أنهم يلقون كل الرعاية والاهتمام من قبل والديهم الذين يحققون لهم أعلي درجات الحماية والأمان التي يحتاجونها.
ولكن مع الأسف أن هذه المنظومة اختلفت حيث تراجعت العلاقة الأبوية الفطرية الدافئة والمحبة واستبدلت بعلاقة جافة عنيفة محورها المذاكرة والامتحانات خاصة في ظل العملية التعليمية التي أصبحت تتسم بكم هائل من الخلل الذي دفعت ثمنه الأسرة المصرية التي استنزفت مواردها وجهدها من أجل تعليم أبنائها, ومثل هذا ضغطا من جانب الأسرة علي الأطفال الذين فقدوا اتزانهم النفسي بسبب غياب الدفء الأسري وكثرة الضغوط النفسية التي تمارس عليهم من أجل الحصول علي أعلي الدرجات.
ومن جانبه أضاف عالم الاجتماعدكتور ميشيل حليم أن العملية التعليمية في مصر في حالة تدهور شديد حيث أصبحت الدورس الخصوصية هي البديل الرسمي للتعليم في المدارس وهذا أحدث عبئا كبيرا علي ميزانية الأسرة المصرية أدي إلي إرهاقها.
ومن هذا المنطلق يشعر الكثير من الآباء والأمهات بأنهم يقدمون تضحية كبيرة لأولادهم لايقدرونها لذلك يطالبونهم بصفة مستمرة بأن يقدروا المسئولية والتضحية التي تمارس من أجلهم إلي الدرجة التي جعلت الأبناء يشعرون بأن حب والديهم لهم حب مشروط بمدي النجاح والإنجاز في مراحل التعليم المختلفة, فإذا أخفق الطفل في تحصيل دروسه يشعر أنه فقد حب والديه وهذا يشعره بالتعاسة والإحباط إلي الدرجة التي تجعله لا يستطيع احتمال هذا فيقبل علي الانتحار للخلاص من عبء الألم النفسي الذي يواجهه ولا يستطيع احتماله.