أشياء غريبة تحدث في محمية الزراف, فتلك الحيوانات الضخمة تطوف بالمكان وتطل برؤسها من النوافذ في الطوابق العليا, حتي أنها تأكل من أطباق النزلاء, ولهذا السبب بالتحديد يقبل الناس علي هذا الفندق الموجود وسط محمية الزراف بشرق أفريقيا, فيأتي الزائرين من جميع أنحاء العالم لمشاهدة تلك الزرافات السبع من نوع روثتشايلد.
يعيش الزراف البري في منطقة السافانا savannas الأفريقية أو السهول الخضراء. وهو يعيش في جماعات تشكل قطيعا. وتتفاوت القطعان في أحجامها, فبعضها يتكون من ست زرافات فقط, والبعض الاخر يصل إلي العشرات من ذلك الحيوان المدهش الذي يمتلك أطول رقبة بين جميع الحيوانات. ويضم القطيع جماعة من الإناث فقط, أو الذكور فقط, أو الاثنين معا.
تقوم إناث الزراف برعاية الصغار بشكل جماعي أو تتناوب علي ذلك فيما بينها, فعادة ما تقوم أنثي كبيرة بمراقبة الصغار, حتي تذهب بقية الأمهات لترعي وتأكل, ونحن لا نعلم تماما كيف تقرر الإناث التي سيقع عليها الدور في رعاية الصغار, لعلها تملك لغتها الخاصة التي تناقش بها مثل هذه الأمور.
اعتقد العلماء في الماضي أن الزراف أبكم ولا يصدر أصواتا, إلا أن العلماء اكتشفوا بعد ذلك أنه ثرثار, فهو يصدر هسيسا وخوارا وهديرا بل يمكنه الصفير.
يعتمد الزراف علي كل حاسة من حواسه, وخاصة أعينه الكبيرة الحادة, وتعتمد بعض الحيوانات الأخري علي تلك الأعين المعلقة علي ارتفاعات عالية فوق أعناق هذه الكائنات, فنجد أن الظباء والحمير الوحشية تتبع هذه الكائنات العملاقة أينما تذهب, فهي تعلم فائدة هذه الأبراج المتحركة والقادرة علي الرصد من مكانها لمسافات بعيدة, وأنها ستكون أو من يلحظ ضبعا جائعا أو أسدا متربعا.
أعداء وأصدقاء
يعتبر الزراف كامل النمو أضخم من أن يصبح فريسة لوحش ضار, إذ يصل وزن الذكر منه إلي 1800كجم تقريبا, ويصل طوله إلي ارتفاع مبني مكون من طابقين.
ولكن قد تتعرض الزرافات لخطر حقيقي, فلكي تشرب ويصل فمها إلي الماء. تضطر إما إلي الركوع علي ركبتيها. أو أن تباعد بين ساقيها الأماميتين وكلا الوضعين يحدان من حركتها إذا تعرضت لخطر مفاجئ ويعوقها عن الجري بسرعة والفرار بحياتها.
والزرافات الصغيرة هي الأكثر عرضة للخطر, فهي تستطيع الركض مع الكبار بسرعة تبلغ 48كم/ساعة, ولكن حجمها الصغير ملائم للحيوانات المفترسة, والتي تستطيع اللحاق بها وطرحها أرضا لافتراسها.وتقوم الأسود والضباع بقتل واحد من كل اثنين من الزراف صغير العمر.
فالزراف من الحيوانات ذوات الحافر, فالزراف حوافره كبيرة وصلبة, والحافر الواحد يمكن أن يملأ طبق عشاء كبير.
وأقرب أصدقاء الزراف هي طيور صغيرة تدعي نقار الثور, فهي تتغذي علي الحشرات التي تزعج الزراف وترعي في جلده, وفي مقابل هذه الوجبات المجانية تقوم تلك الطيور بتنظيف جلد أصدقائها الطوال, عن طريق التقاط القاذورات والجلد الميت العالق بأجسامها. فيا له من تعاون!!
معاطف زاهية
للزراف معاطف زاهية الألوان, وهناك تسعة نقوش مختلفة لدي الزراف بواسطتها يمكن التعرف علي نوع الزرافة.
فالزرافة من نوع روثتشايلد مغطاة بجلد بني مصفر بيج وبه بقع بنية, أما نوع الماساي فتأخذ البقع الموجودة علي جلده شكل أوراق الشجر.
ويعتبر جلد الزرافة مثل بصمة الأصبع لدي الإنسان, فقد تكون هناك زرافتان من نفس النوع وولديهما نفس نوع النقش, إلا أنهما لا تتماثلان في نفس نقش الجلد تماما.
تتميز الزرافة عن سائر الحيوانات بقرونها العظيمة وتوجد لدي الذكور والإناث علي حد سواء, وعند الميلاد تبدو هذه القرون مثل زائدة ريشية الشكل, ثم تتصلب تدريجيا وتتحول إلي نتوء عظمي مع استمرار نمو الصغار.
وتجدد ذكور الزراف قرونها طوال حياتها, وتستخدمها للقتال فيما بينها أحيانا, فهي تطوح رقابها وتنطح خصومها, وربما يبدو ذلك عنيفا, ولكن معظم معاركها من باب اللهو, وقليلا ما تحدث إصابات.
غالبا ما يعيش الزراف بسلام في السهول الخضراء المنبسطة, حيث لديها القليل تخشاه, فهي تقضي معظم النهار والليل في البحث عن الغذاء والذكور البالغة تأكل حوالي 63كجم من أوراق النباتات يوميا وهي كمية كبيرة بالنسبة إلي أي حيوان عشبي آخر.
الزراف حيوانات عشبية لا تأكل سوي النباتات وطعامها المفضل هو أوراق وفروع أشجار الأكاسيا ولتلك الأشجار أشواك طويلة حادة, ويصل طول الشوكة الواحدة حوالي 20سم, وتستخدم الزرافة رقبتها الطويلة للوصول إلي قمم الأشجار, ثم تقوم بلف لسانها الطويل الأزرق الذي يبلغ طوله نصف متر, حول فرع ما وبواسطته تجرد الفرع من كل ما عليه من أوراق أو تقوم بطحن الأشواك جيدا بحيث تصبح لينة بالقدر الكافي لابتلاعها بسهولة.
يعيش من الزراف حوالي 141ألف منه في الحياة البرية, ولكن الزراف من نوع روتثشايلد هو المعرض لخطر الانقراض. ولذلك تم إقامة محمية للزراف بشرق أفريقيا لتحمي هذا النوع بالتحديد من الانقراض.
وتم بناء مركز تعليمي في المحمية متخصص في حياة الزراف, يزوره أكثر من 50ألف طالب سنويا معظمهم يعيش في العاصمة الكينية نيروبي, حيث يتعرف أبناء المدن أكثر عن الحياة البرية ويشاهدوها بأعينهم.
ويري صاحب المحمية أن وجود ألفة بين زوار المحمية خاصة من الصغار وبين الزراف يجعل فرص وجود هذه الحيوانات الظريفة موجودة علي الكرة الأرضية.
المصدر: ناشيونال جيوجرافيك