تحتفظ لنا أرض مصر العليا ولا سيما محافظة سوهاج بعدد كبير من الأديرة والكنائس التي يفوح منها رحيق الماضي الذي ينعش حاضرنا بتاريخ وأصول وأعمال يفخر بها الإنسان المصري مهما كانت ديانته, فالعالم كله يعرف أن مصر غنية بالتاريخ الذي يحوي بين صفحاته التدين المستقيم والحضارة والأصالة والعلم والمعرفة والثقافة التي يزكيها ما تركه لنا الآباء والأجداد من آثار ومخطوطات تقول: هذه هي مصر وهذا هو إيمانها المبني علي الصخر.
دير الأنبا بسادة:
علي الطريق الشرقي من أخميم إلي نجع حمادي ومقابل المنشأة, وبالتحديد في قرية نجع الدير الآن هي (الأحايوة شرق بمركز أخميم) يقع دير الأنبا بسادة الذي يبعد عن سوهاج بحوالي 18كم من الناحية القبلية ويتبع حاليا إيبارشية أخميم وساقلته التي تنعم بأسقفية نيافة الحبر الجليل الأنبا بسادة, ويخدم بها الآن القمص بسادة القمص صليب. جاء من هذا الدير في سنكسار الكنيسة القبطية وتحت اليوم السابع من شهر كيهك عندما سرد لنا التاريخ خبر شهادة القديسين الناسكين أنبا بانينا وأنبا ناو, أنهما بهد أن تعلما النسك والعبادة في بلاد الفيوم وقضيا ثلاث سنوات مضيا إلي بلاد أبصاري من أعمال أخميم وتعرفا علي القديس الأنبا بسادة وكرز لهما الكنيسة التي أقاماها وكرز الأنبا نينا قسا وأنبا ناو شماسا, وأقام عندهما. وأما ما جاء عن استشهاد الأنبا بسادة نفسه أسقف إبصاي فورد لنا تحت يوم 27 كيهك أنه عندما استشهد حضر عدد كبير من شعبه ودفعوا فضة للجنود وحملوا جسده ووصلوا به إلي ساحل مدينة إبصاي ودفنوه هناك, وبعد زمان الاضطهاد بنوا علي الجسد كنيسة وديرا حسنا والله يظهر فيه آيات الشفاء. إلي يومنا هذا, والكنيسة تعتبر هي المبني الوحيد الباقي من الدير القديم الذي يرجع تاريخه إلي القرن الرابع الميلادي, ويتوسطهما الهيكل الرئيسي علي اسم الأنبا بسادة, ومذبحه فريد من نوعه, إذ أنه علي قطعة واحدة من الجرانيت منحوت علي شكل إسطوانة مفتوحة من أعلي, ومدفن الشهيد بسادة الأسقف والذي توجد به أيضا ذخائر من رفات الأنبا باخوم وأخته ضالوشام يمكن الوصول إليه عن طريق دهليز ضيق لا يزيد ارتفاعه عن متر واحد تقريبا, تعلو مدخله إشارة الصليب المصري القديم (مفتاح الحياة) كما يوجد بالخورس الأخير عند مدخل الكنيسة اللقان وهو حجر منحوت ومثبت, كما يوجد بجوار مزار الشهيد الأنبا بسادة عمود أثري للزيت.
البئر الأثرية:
توجد في نهاية الكنيسة من الناحية القبلية البئر الأثرية, ويطلق عليها بئر الملاك ميخائيل نظرا لأنها تقع بجوار مذبح الملاك ميخائيل, ويقال أنها كانت قديما عبارة عن جوخ به ماء استخدم في عصر الاضطهاد لغسل سيوف الجنود بعد قطع رؤوس الشهداء في منطقة أخميم, لهذا تقدست مياهها التي نالت شرف الخلط بالدماء المقدسة, وأصبحت البئر بما فيها من مياه سبب بركة وشفاء لكل من يأخذ منها علي مر العصور إلي يومنا هذا بشفاعة الملاك ميخائيل والقديس الشهيد الأنبا بسادة الأسقف الذي يشهد التاريخ بشفاعته ومعجزاته الكثيرة من شفاء أمراض وإخراج الأرواح الشريرة وحماية أولاده.
وفي طرقة الدير توجد شجرة النبق الشهيرة والتي بسببها حزن الأنبا يوساب الأبح علي أولئك الشمامسة الذين أكلوا منها أثناء القداس, ولم يتقدموا إلي التناول, وقال فلتسوس ثمارها, ومنذ ذلك الحين (حوالي 200سنة) وحتي الآن تخرج ثمرا ولكنه يسوس لتشهد للتاريخ علي قداسة الأنبا يوساب وطاعة الشجرة له.
كتب عن الدير كثير من المؤرخين, ففي معجم البلدان لياقوت الحموي المتوفي عام 1229م قال: ومنها دير أبشاي – بفتح أوله وياء موحدة ساكنة وشين معجمة مكسورة وياء مثناة من دير بنواحي الصعيد. وفي مراصد الاطلاع في الكلام علي الدير قال ابن عبد الحق المتوفي عام 1308م: وقد ذكرنا ها هنا من دير النصاري ما هو مشهور… دير أبشيا: بفتح أوله وباء موحدة ساكنة وشين مجمعة مكسورة وياء مثناة من تحت. وللتوضيح أن كليهما أخطأ في جغرافية الدير حيث أنهما نسباه إلي أسيوط. وأما المقريزي في خططه التي كتبها في بداية القرن الخامس عشر بين عامي 1417 و1436 قال: دير أبي بشادة الأسقف قريب من ناحية… وهو بالحاجر, وتجاهه في الغرب منشأة أخميم, وكان أبو بشادة من علماء النصاري. وجاء في كتاب تحفة السائلين دير أنبا بصادة شرقي النيل تابع ناحية المنشأة بمديرية جرجا ذكر في سجل الكنائس في كرسي أخميم وذكره المقريزي في وجه 504 فقال دير أبي بشادة الأسقف قريب من ناحية أتفه وهو بالحاجر وتجاهه في الغرب منشأة أخميم أ.هـ, وخبر الأسقف الأنبا أبصادي في سنكسار 27 كيهك.
قام بزيارة الدير وأقام قداسا إلهيا فيه قداسة البابا شنودة الثالث عندما كان أسقفا للتعليم في عام 1967 وبرفقته نيافة الأنبا مرقس مطران طهطا وأبو تيج ونيافة الأنبا بطرس مطران أخميم وساقلتة ونيافة الأنبا لوكاس مطران منقلوط وأبنوب, وقد ترك قداسته كلمة تذكارية نصها أخذنا اليوم بركة القديس العظيم الأنبا بسادة الأسقف, فشكرا لصاحب النيافة الأنبا بطرس مطران إيبارشية أخميم وساقلتة المحبة للمسيح الذي هيأ لنا هذه الزيارة المملوءة بركة, نطلب شفاعة القديس الأنبا بسادة وزميله غلينيكوس وصلوات القديسين الذين يعيشون في هذا المكان جعله الرب عامرا شنودة المتغرب بالكلية الإكليريكية في 1967/4/18.
عزيزي: إنها رحلة قصيرة إلي أعماق التاريخ في إيبارشية أخميم وساقلتة التي تتمتع بأسقفية نيافة الأنبا بسادة وأحضان بئر القديس الأنبا بسادة الأسقف, نتمني أن يكون هناك عناية واهتمام من هيئة تنشيط السياحة في الإعلان عن هذا الدير بصورة تليق بتاريخه وبئره المقدسة, وإلي اللقاء عند بئر أخري.
المصادر:
سنكسار الكنيسة القبطية – تحفة السائلين – تاريخ المسيحية والرهبنة في إبروشيتي سوهاج وأخميم نبيه كامل ود. سامح شفيق د.عادل فخري – سيرة الشهيد الأنبا بسادة تقديم القمص بسادة صليب – بعض المواقع المختلفة علي الإنترنت.
[email protected]