نصر بفارق كبير أحرزه الفائز بدخول البيت الأبيض باراك أوباما علي منافسة جون ماكين…لكن المنافسة لم تكن بين مرشح جمهوري يمثل امتدادا لدورتين أخيرتين وآخر ديموقراطي يسعي لاقتناض فرصة ذهبية لدخول البيت الأبيض بعد غياب ثماني سنوات.
المنافسة,حسبما اتفق المراقبون,تاريخية باعتبارها بين مرشح أسود يمثل سابقة أولي في تاريخ الولايات المتحدة وآخر أبيض اختار نائب رئيس من النساء.
وبقدر من الإنصاف يقول فريق من الخبراء إن ماكين الذي يعد أكبر مرشح رئاسي أمريكي من حيث السن,يبلغ عمره 72سنة وإن كان محسوبا علي الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش,إلا أنه لا ينتمي أيديولوجيا للمحافظين الجدد الذين يقفون من خلف الرئيس الحالي ويمكن احتسابه ضمن المدرسة الواقعية للجمهورية.ومع ذلك لم يتخل ماكين عن أيديولوجيته الجمهورية,والخاصة بالذهاب إلي الإرهاب لمحاربته في مقر داره بدلا من انتظاره في الداخل,وهو توجه مازال يحظي بتأييد قطاع كبير من الأمريكيين ضمن من يبحثون عن الأمن ولا يرجون تكرار هجمات سبتمبر2001.
ورغم إخفافه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة,حيث جاء الفارق كبيرا لصالح أوباما إلا أن لماكين-من وجهة نظر نفر من المحللين-جوانب إيجابية عديدة في شخصيته,فرغم المحاولات العديدة من جانب الديموقراطيين للربط بينه وبين جورج بوش فهو صاحب خبرة وتاريخ طويل في قضايا الأمن القومي,ولديه الكثير الذي يمكنه أن يفخر به كمرشح للرئاسة الأمريكية.
فقد وقع أسيرا في حرب فيتنام إبان ستينيات القرن الماضي لخمس سنوات,وعندما عرض الفيتناميون إطلاق سراحه لاستغلاله دعائيا بعد معرفتهم بأن والده أدميرال في البحرية الأمريكية رفض المغاردة إلا بصحبة زملائه في الأسر.
أيضا رغم تأييده القومي لغزو العراق منذ البداية,إلا أنه كان من أشد المنتقدين لأسلوب إدارة بوش للحرب وطالب بزيادة أعداد القوات الأمريكية, وهو ما تحقق منذ أكثر من عام بما ساعد علي تحسين الأوضاع الأمنية هناك بشكل كبير.
هاجم ماكين استخدام أساليب التعذيب في استجواب المعتقلين المشبته في قيامهم بأنشطة إرهابية,وهي أمور توضح جميعها مواطن قوة في شخصية ماكين.فقد عرف أيضا استعداده لتجاوز الخطوط الحزبية والتعاون مع الديموقراطيين بما يعطيه جاذبية خاصة لدي الناخب المستقل,وإن كان ذلك-من وجهة نظر المراقبين-أفقده ثقة اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري,ومن ثم أضعف موقفه الانتخابي.
ركزت حملة ماكين علي انتقاد شعار التغيير والأمل الذي تبنته حملة أوباما,وما إذا كان ذلك من باب الخطابة والتبشير بمبادئ الوحدة والمساواة ومجتمع الفرص للجميع,ثم تبني ماكين شعار الأمة أولامع التشديد علي محور التغيير لتذكير الناخب الأمريكي أن التغيير لابد وأن تصحبه الخبرة لتحقيقه.
لكن فريق ماكين أغفل أن الناخب الأمريكي يهمه في المقام الأول كيفية إدارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تسببت عن كارثة القروض العقارية,وأيضا أسعار الوقود إلي باقي المخاوف الحيايتة التي باتت في خطر من جراء الأزمة الطاحنة الحالية.
ويبدو,من وجهة نظر المحللين,أن التجربة الأوبامية كانت تجربة خاطبت في الصميم أحلام الأمريكيين بكل الألوان,حتي شعر الأمريكيون فيها بالحل لأزماتهم الراهنة.
حتي اختيار سارة بالين كنائب للرئيس جاء بمثابة نكبة علي ماكين,فحاكمة ولاية ألاسكا البالغة من العمر44سنة تصورت حملة الجمهوريين أنها ستجذب أصوات النساء والكاثوليك المحافظين وأن بوسعها التهام النخبة الديموقراطية الليبرالية.
وما جري هو أن سمكة ألاسكا الشرسة كما يطلقون علي بالين تسببت في بعض الإخفاق الذي تحقق علي الجانب الجمهوري,كما امتعض كثير من الناخين من مجرد متابعة حجم إنفاق بالين علي تحسين مظهرها,حيث أنفقت150ألف دولار علي الإكسسوارات والملابس.في حين كانت ميشيل أوباما زوجة الرئيس المقبل تظهر ببلوزة بسيطة وملابس لا تلفت الأنظار.
هكذا في ظل الأزمة الطاحنة التي مست عشرات الملايين من الأمريكيين لم يخاطب ماكين الطبقة الوسطي وشرائح العمال,في حين نجح أوباما في خطابه الذي ممس هذه الطبقات,ومن ثم قفز لولايات ذات ميول جمهورية وتصوت لصالحهم في الانتخابات منذ عشرات السنين ولهذه الأسباب كان التغيير إلزاميا!
التقي جون ماكين وسيندي هينسلي(زوجته)منذ ثلاثين عاما في حفلة بهاواي وهو يكبرها بـ18سنة وكان لا يزال متزوجا من زوجته الأولي كارول.كما لم يكن يملك ثروة ولا شبكة علاقات للانطلاق في الحياة السياسية.وهو ما وفرته له سيندي,حيث قدمته إلي فينيكس بولاية أريزونا معقل أسرتها الثرية وفي عام1982 توجت جهودها بانتخابه سيناتور عن الولاية وظل نائبا عن الولاية بمجلس الشيوخ حتي الترشح عن الولاية لانتخابات الرئاسة.