يعاني نظام الولايات المتحدة المالي أزمة، هي الأخطر بين أزمات العصر الحديث، أدّت الى إفلاس اثنين من اكبر بنوك الاستثمار، «ميريل لينش» و«ليمان براذرز». واشترى الأول «بنك اوف أمريكا»، وأعلن الثاني إفلاسه. وسعت «المجموعة الأمريكية الدولية»، وهي إحدى أكبر شركات التأمين في البلاد، الى الحصول على دعم مالي. وجاءت هذه الحوادث بعد اسبوع على شراء الحكومة عملاقي التمويل الإسكاني «فاني ماي» و«فريدي ماك». ولا شك في أن هذه الحوادث هي خطوات أولى على طريق بناء هيكلية مالية جديدة في العالم. وفي الأيام الثلاثة الأخيرة، اضطر عمالقة «وول ستريت»، الى مواجهة واقع الحال، وهو أن حجم القطاع المالي ضخمٌ، وأن الديون تثقل القطاع الذي ينوء بها. ويتهدد هذا سلامة الاقتصاد ونزاهته. وتتداول أوساط وول ستريت، والعواصم المالية العالمية، مسألة إعادة النظر في النظام المالي العالمي. وتتناول المناقشات الدور الذي على الحكومة، أو الجهات التي تتولى إملاء قواعد العمل، في الأسواق المالية. ومن شأن عمق الأزمة المالية حمل المسؤولين على المبادرة الى إرساء الحلول. وفي ما مضى، والى وقت قريب، أطلقت أيدي الشركات المالية في وول ستريت، ولم يقيد أنشطتها غير قيود ضعيفة. وعليه، توسعت هذه الشركات. واتخذت «لجنة الأوراق المالية والبورصة» (اس إي سي) عنايتها حماية المستثمرين، عوض المصارف. واليوم، وافقت مصارف الاستثمار الخمسة الكبيرة، وهي تقلص عددها الى ثلاثة في نهاية الأسبوع، على إشراف اللجنة على أعمالها. ولم يكن يسيراً على سلطات الرقابة الاطلاع على معلومات دقيقة تخولها تقويم المخاطر التي تغامر بها الشركات المالية. وضخامة حجم سوق المشتقات المالية، وتبلغ قيمته نحو 50 تريليون دولار، هو نموذج انعدام العلانية المالية، شأن الرهون العقارية، وديون بطاقات الائتمان، أو قروض الشركات. ويبدو أن كبار المدراء التنفيذيين في وول ستريت لم يدركوا مخاطر معاملاتهم المالية في أعوام الازدهار من العقد الماضي. وقد تتفاقم مشكلات وول ستريت. فالشركات المالية توسعت كثيراً في العقد الماضي، ووظفت عشرات الآلاف من حملة شهادات في إدارة الأعمال في سبيل تطوير وسائل إدارة أموال الآخرين، وانتهاج أقوم الطرق الى تقسيم الشركات الأمريكية، ودمجها وتطويرها. ويبدو أن قسماً من هذه الجهود لم يراع مصالح الزبائن، ولا اقتصاد الولايات المتحدة. وفي عالم المثل والنظريات، يصحح مسار الأزمة بواسطة خفض الديون والاستثمارات تدريجاً، ويشتري مستثمرون شركات منافسة لهم، ويسرح عدد من الموظفين، وتتوقف شركات وول ستريت عن توفير فرص عمل جديدة. وفي عالم الواقع، تكاد الإصلاحات المالية أن تطيح النظام المالي العالمي كله. ولكن، الى اليوم، أصابت الأزمة الاقتصاد الأميركي الواسع، ولم تتعدَّ الى النظام العالمي. وارتفع الناتج المحلي الأميركي، في الربع الثاني من 2008، 3,3 في المئة، ومعدل البطالة الى 6,1 في المئة. وهذا معدل مرتفع ولكنه معتدل قياساً على نظيره في الأزمات السابقة.