أطروحات جادة محايدة أطل بها المجلس القومي لحقوق الإنسان في مؤتمره الأخير انتقلت من مجرد التعبير والالتفاف وطرح الأفكار حول المواطنة التي تتصدر مواد الدستور المصري إلي التطبيق الفعلي بكل تفاصيله..ومن ثم انتقل المجلس من مرحلة عقد الندوات وورش العمل إلي البحث في آليات مؤسسية فعالة ترعي حقوق المواطنة علي اختلافها وتصونها من خلال وسائل رقابية جادة..
المؤتمر طرح عام 2008 ليكون عام حقوق المواطنةيتم من خلاله إعداد التشريعات ووضع السياسات اللازمة لتعزيز مبدأ المواطنة وتحويله لبرامج عمل وواقع يلمسه المواطنون بلا تمييز,يستمر علي مدار عام ..2008وجاءت فعاليات المؤتمر كما رصدتها وطني علي النحو التالي..
في البداية أكد الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أن مؤتمر المواطنة يهدف إلي تقديم رؤية متكاملة كأساس لحوار وطني شامل حول مبدأ المواطنة في كافة تطبيقاته وأبعاده خاصة وأن مبدأ المواطنة هو أساس أكده الدستور ولابد أن يتحول إلي سياسات وقوانين تراجع بشكل دائم للتأكيد علي احترام حقوق الإ نسان ومباديء العدل والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين لأي سبب كان سواء اللون أو الجنس أو الدين أو العرق أو التوجه الأيديولوجي.
وأكد الدكتور عماد عواد المستشار في المجلس القومي لحقوق الإنسان أن وجود مبدأ المواطنة في المادة الأولي من الدستور لايمثل في حد ذاته نهاية المطاف بل إنه بداية لطريق طويل من المراجعة والتصحيح تجعل من هذا النص منطلقا لممارسات فعلية تضمن تطبيق حقوق المواطنة وحرياتها وأن تتوافر نظم المتابعة والرقابة القانونية والسياسية والشعبية لهذه الممارسات وبهذا يتحول مبدأ المواطنة من نص دستوي إلي واقع حي معاش يلمسه المواطنون في حياتهم اليومية.
قانون تكافؤ الفرص
من ناحية أخري قالت مني ذو الفقار عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إن الدستور المصري نص في مادته الأولي علي مبدأ المواطنة باعتباره الأساس الذي يقوم عليه نظام الدولة المصري,ويرتكز هذا المبدأ في جانبه القانوني علي مبدأين أساسيين هما مبدأ تكافؤ الفرص والذي يتمثل في المادة8 من الدستور ,والمبدأ الثاني هو المساواة أمام القانون ويظهر ذلك في المادة 40 من الدستور..وإذا كان الدستور ومن بعده التشريعات في مجملها قد التزمت بهذه المباديء إلا أن هناك مساحة شاسعة بين النصوص الواردة في الدستور والتشريعات وما يشهد به الواقع من قصور شديد في تطبيق القانون من ناحية,وعدم فعالية إجراءات الإنصاف عن طريق القضاء من ناحية أخري مما ترتب عليه تراجع في احترام سيادة القانون وزيادة كبيرة في ظواهر العنف والتطرف بوجه عام والعنف الطائفي أو الديني بوجه خاص.
النصوص والواقع المعاش!
أكد الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أنه في مجتمع مثل المجتمع المصري يزداد فيه التعصب لايشعر أي مواطن معه بالاطمئنان,وحرصا علي المساواة لايجب ذكر الدين في البطاقة الشخصية ,إذا كان البعض يتعلل بأنه من الصعب ذكر كلمة بهائي في خانة الديانة بسبب أن البهائية ديانة غير سماوية,إلا أن الشريعة الإسلامية أكدت علي أنه لا إ كراه في الدين,والبهائيون يعانون بصورة كبيرة من جراء عدم حصولهم علي أوراق مثبت بها ديانتهم الحالية وهذا خطأ مسئولة عنه الدولة في المقام الأول ,خاصة وأن حرمان فئة من المواطنين من الحصول علي أوراق مهمة بموجبها يحصلون علي خدمات صحية وتعليمية وأخري ضرورية وتعد من مقومات الحياة هذا يطلق عليه في القانون الدولي الإنسانيإفناءولذلك لابد من إلغاء خانة الديانة فورا من البطاقة الشخصية,وإذا كانت هناك حاجة لخانة الديانة في أمور الزواج والطلاق والمواريث فيمكن الاعتماد علي شهادة الميلاد.
عقيدة بدلا من ديانة
وفي هذا المحور قال المستشار أحمد عبد الحميد عضو المحكمة التأديبية بمجلس الدولة إن هناك صعوبات وعقبات واجهت بعض المواطنين العائدين للمسيحية والبهائيين في الحصول علي وثائق ثبوتية رسمية بسبب امتناع مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية عن إثبات ديانتهم الحقيقية في ملفات المصلحة فلم يكن هناك من سبيل سوي اللجوء إلي قضاء مجلس الدولة باعتباره الملاذ الأخير لهم,وعلي الرغم من وجود أحكام قضائية أكدت أحقية هؤلاء المواطنين في استخراج بطاقات شخصية مثبت فيها ديانتهم المسيحية وأرست المحكمة حكمها علي أن هذا الموقف من جانب مصلحة الأحوال المدنية يعد تدخلا لامبرر له من جانبها ويشكل إجبارا منها علي اختيار عقيدة ودين معين وهم ليسوا راغبين فيها,إلا إنه في الوقت الحالي سلكت محكمة القضاء الإداري اتجاها مغايرا وقضت بعدم قبول دعاوي المواطنين لاستخراج بطاقات شخصية تثبت فيها ديانتهم الحالية,كذلك هناك مشكلات لأصحاب الديانات غير السماوية مثل البهائيين وعدم تمكنهم من الحصول علي وثائق ثبوتية مثل شهادات الميلاد والوفاة وبطاقات تحقيق الشخصية وغيرها من المستندات المهمة.
قانون دور العبادة
وفي كلمته التي جاءت تحت عنوانالمواطنة الثقافية..اندماج وتعددية ودور العبادة نموذجا دعا الدكتور سمير مرقس رئيس مجلس أمناء مؤسسة المصري للمواطنة والحوار إلي إقرار قانون منظم لبناء دور العبادة في ضوء المادة46 من الدستور ,خاصة وإنه حتي الآن لايوجد تشريع قانوني خاص ببناء الكنائس,فالخط الهمايوني ليس قانونا بالشكل القانوني وقرارات العزبي باشا المعروفة بالشروط العشرة هي قرارات إدارية بينما يتم الاعتماد حتي تاريخه علي القانون رقم 15 لسنة 1927 والذي يقوم بتنظيم السلطة فيما يتعلق بالمعاهد الدينية وبتعيين الرؤساء الدينيين,والمفارقة أن هذا القانون لايتناول موضوع بناء الكنائس أو تجديدها لا من قريب أو من بعيد!
وأكد أن مصر مركب حضاري متعدد العناصر وبناء الكنائس,وغيرها من المظاهر التي يجب علي المصريين الحفاظ عليها,خاصة وأن بناء الكنائس في مصر لم يكن يخضع لنص مكتوب وإنما لواقع اجتماعي ولحاجة دينية.
وفي هذا السياق كشفت الدكتورة ليلي تكلا عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان النقاب عن أن المجلس أعد دراسة تبرز الموقف القانوني والديني من بناء الكنائس.
فمن جهة الموقف القانوني أجري المجلس اجتماعات مهمة مع مسئولي وزارة الإسكان وعلي رأسهم وزير الإسكان والذي تفهم الأمر وأكد أن الموضوع هندسي فني وأنصت إلي ملاحظات المجلس وطلب بعض الملاحظات,وعدل المجلس بذلك مشروعه الخاص بدور العبادة تمهيدا لتقديمه إلي مجلس الوزراء مرة أخري,وأن المجلس حرص في مشروعه علي إبعاد الجهة الأمنية وكل ماهو مطلوب هو عرض الأوراق الخاصة بالترخيص علي الجهة الإدارية وإذا لم ترد علي الطلب وتوضح السبب خلال شهرين يعد ذلك موافقة علي الترخيص!
القانون الموحد..الخيار الوحيد
اختلف مع هذا الطرح فهمي ناشد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتبار أن مشروع القانون مليء بالتفصيلات والأمور التي تجعل المجلس يحاول أن يسد الثغرات الناتجة عنه ومن ثم أصبح القانون الموحد لدور العبادة هو الخيار الوحيد.
أشار مايكل منير إلي أن تهميش الأقباط في المجال السياسي والحياة العامة علي مدي نصف قرن علي الأقل هو أمر غير صحي وغير طبيعي ويستلزم ولو لفترة انتقالية علاجا يساعدهم علي العودة إلي الحياة العامة وعلي ممارسة حقوقهم الدستورية ولذلك تصبح الانتخابات بالقائمة هي الحل الأمثل لفتح المجال أمام الأقباط والمرأة وكل الجماعات المهمشة للعودة للحياة السياسية مع ضرورة إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص نسبة عادلة في كل قائمة للجماعات المهمشة مثل الأقباط والمرأة وغيرهم لضمان عدم ترك اختيار الترشيح علي القائمة للتحكم الفردي للقائمين علي الأحزاب,كما دعا إلي العمل علي تنقية المناهج التعليمية من النصوص التي تحض علي الكراهية أو التمييز ضد الآخر وترشيد الخطاب الديني الذي ساهم في نشر ثقافة التمييز.
علي الجانب الآخر أبدي المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان دهشته من عدم إقرار قانون دور العبادة الموحد حتي الآن,مشيرا إلي أن الحزب الوطني في مؤتمره الأخير تجاهل مناقشة مشروع قانون بناء دور العبادة رغم مناقشته وطرحه للقوانين المكملة للدستور ومنها قانون مكافحة الإرهاب!
لجنة للحرية الدينية
وفي هذا الإطار قال نبيل عبد الملك رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان إن هناك حاجة ماسة للالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بالحرية الدينية وحرية الاعتقاد,ويعني ذلك تطبيق نص وروح هذه المواثيق دونما تحفظ أو تمييز علي أساس ديني أو فقهي وبالتالي فالحل التشريعي يتطلب صياغة قانون خاصبالحرية الدينيةليعكس التزام مصر الكامل بتلك المواثيق وليتطابق هذا القانون مع مبدأ المواطنة وجوهره,أي المساواة التامة أمام القانون بين كل المواطنين.
المصريون في الخارج وحق التصويت
وحول حقوق المصريين في الخارج قال الدكتور شريف بسيوني أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة ديبول بمدينة شيكاغو الأمريكية إن هناك عددا كبيرا من المغتربين المصريين في الخارج يتراوح عددهم ما بين 3-5 ملايين مواطن وممنوعون من ممارسة حقهم الدستوري بالمشاركة في الانتخابات وممارسة حق التصويت وإلا يتعين عليهم العودة إلي مصر للإدلاء بأصواتهم شريطة تسجيل أنفسهم في الدوائر الانتخابية التابعين لها للحصول علي البطاقة الانتخابية بما يمثله ذلك من عقبات مالية,مما يفتح المجال أمام التساؤل حول مصير من ليس لهم محال إقامة دائمة ومعروفة في مصر,فكيف إذن يحصلون علي بطاقاتهم الانتخابية؟!
دعا بسيوني إلي ضرورة تعديل قانون الانتخابات لكي يسمح للمصري المغترب ومزدوج الجنسية بالإدلاء بصوته في الخارج إما بالقنصلية المصرية أو من خلال بطاقات التصويت البريدية للمغتربين والتأكيد علي أنه يمتنع علي المصري المغترب ومزدوجي الجنسية من خوض الانتخابات في مصر إذا كان منتخبا بأحد المجالس النيابية الأجنبية أو عاملا في القوات المسلحة في بلد أجنبي,كذلك ضرورة تفعيل الالتزامات الواردة بالدستور المصري والمعايير الدولية التي صادقت عليها مصر,ومن أهمها ما تنص عليه المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية,والسماح أيضا للمصري المغترب بالانضمام إلي الأحزاب السياسية في مصر دون تمييز بينه وبين المواطن المصري المقيم داخل البلاد,والنظر في إعادة وزارة الهجرة وشئون المغتربين علي أن تضم الاختصاصات الممنوحة لوزارتي الخارجية والعمل في شأن المغتربين,ويفضل أن تكون وزارة دولة تعمل في إطار وزارة الخارجية.
من جانبه أكد الدكتور مصطفي عبد العزيز مساعد وزير الخارجية الأسبق علي أهمية هذه المقترحات واتفق مع كثير منها,ودعا إلي تشكيل لجنة من أساتذة القانون وممثلي المجلس القومي لحقوق الإنسان وبعض أعضاء روابط المصريين في الخارج ,بالإضافة إلي وزارتي الداخلية والخارجية لوضع تصور أولي حول أنسب الآليات لتمكين المصريين في الخارج من ممارسة حقوقهم السياسية.
*علي هامش المؤتمر:
** شارك في المؤتمر أكثر من 450 فردا يمثلون منظمات المجتمع المدني,وممثلو التجمعات المصرية في الخارج,وأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان,وإعلاميون بالإضافة إلي ممثلي حزبي الوطني والوفد,حيث حرص الدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني علي حضور بعض جلسات المؤتمر دون أن يشارك في مناقشاتها,بينما شارك سامح فكري مكرم عبيد سكرتير مساعد حزب الوفد بمداخلة.
** لم يشارك في مناقشات المؤتمر أي ممثل عن الوزارات المعنية والتي اعتاد المجلس علي دعوتها في كل الفعاليات والأنشطة التي يقوم بتنظيمها,واكتفي البعض منهم بالحضور فقط.
** حرص مجلس حقوق الإنسان علي توزيع كل الكلمات التي وصلت إليه من المصريين بالخارج في المؤتمر.
** نظرا لتكدس برنامج المؤتمر بكثير من المحاور,لم تأخذ الجلسة الخاصة بتقييد عقوبة الإعدام ومناهضة التعذيب حظها من المناقشة.
** شارك في المؤتمر نيافة الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة والدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية والقمص مرقص عزيز كاهن كنيسة العذراء المعلقة.
** طرحت الدكتور بسمة موسي معاناة البهائيين مع مصلحة الأحوال المدنية لاستخراج أوراق ثبوتية لهم,وقدمت الشكر للمجلس القومي باعتباره المؤسسة الوحيدة التي سمحت للبهائيين بتقديم شكواهم ومساعدتهم في حل المشكلة.