كان السبت الموافق أول ديسمبر ,العيد الثمانين لمولد مفكرنا الكبير الدكتور فؤاد زكريا,إذ أنه ولد عام 1927 بمدينة بورسعيد وقضي ثلاث سنوات بالمدرسة الأولية بالعباسية بالقاهرة وقضي فترة التعليم الثانوي حيث حصل علي شهادة الثقافة عام 1944 والشهادة التوجيهية عام 1945 القسم الأدبي وتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب عام .1949
تلقي محاضرات الفلسفة وعلم النفس علي يد كبار الأساتذة في مصر في تلك الفترة ومن بينهم زكي نجيب محمود,د.عثمان أمين ,د. توفيق الطويل ,د. يوسف مراد أعظم علماء النفس في مصرنا المعاصرة بلا جدال ود.عبد الرحمن بدوي,ود. عبد الهادي أبو ريدة ,ود. مصطفي حلمي ,ود. أحمد فؤاد الأهواني.
لقد ذكر لي فؤاد زكريا في لقاء تم بمنزله منذ سنوات بعيدة أن من أكثر الأساتذة تأثيرا عليه خلال فترة وجوده طالبا بالجامعة,زكي نجيب محمود لقد جاء زكي نجيب ليعطينا صدمة فكرية كانت ضرورية لنا في هذا الحين لكي نعرف أن الفلسفة ليست اتجاها واحدا وليست اتباعا لأي نوع من التقاليد والتراث.لقد جاء إلينا زكي نجيب وهو مشبع بالأفكار الثورية التي أثرت علينا تأثيرا كبيرا.
وكان موضوع رسالة فؤاد زكريا للماجستير: النزعة الطبيعية عند نيتشه الفيلسوف الألماني وموضوع رسالة للدكتوراهمشكلة الحقيقة وقد عمل د.فؤاد زكريا بالأمم المتحدة حتي عام .1962
وتولي بعد ذلك رئاسة قسم الفلسفة بجامعة عين شمس
والدكتور فؤاد زكريا ,يعد مفكرا عملاقا نقول هذا وبصرف النظر عن اتفاقنا معه تارة واختلافنا معه تارة أخري.لقد قال بآراء تعد غاية في النضج والعمق وثمرة لتأمل طويل وقراءة مستمرة طوال أكثر من نصف قرن من الزمان.ودافع عن حق العقل في ممارسة دوره,وخاض العديد من المعارك الفكرية بشرف وأمانة..إنه يمثل المثقف كما ينبغي أن يكون.يمثل المفكر العميق التفكير. إننا أمام مفكر من طراز ممتاز ,مفكرا لم يكن مكتفيا بدوره كأستاذ جامعي في وقت انتشر فيه أشباه الأساتذة وأنصاف المفكرين .لقد تولي رئاسة تحرير مجلة الفكر المعاصر ومجلة تراث الإنسانية وكان مستشارا للشعبة القومية لليونسكو ولشئون العلوم الاجتماعية والثقافية وكان ممثلا لمصر في المؤتمرات العامة لليونسكو بالإضافة إلي العديد من المؤتمرات الفلسفية والثقافية.وتعد بحوثه في تلك المؤتمرات قطعة رائعة من الإبداع الفكري والفلسفي والثقافي.إنه يعد فخرا للمثقفين في أرجاء العالم والذين يعتزون بعقلية فؤاد زكريا ويقدرون حق التقدير قلمه الجرئ والمبدع.
وكانت فترة وجوده بالكويت,فترة خصبة من حيث الإنتاج الفكري والثقافي.قام فيها بتدريس العديد من المواد الفلسفية كما عمل مستشارا لسلسلة عالم المعرفة منذ عام 1978م وكان قد سافر للكويت منذ عام .1974كتب مئات المقالات والتي كانت موضع حوار المدارس والاتجاهات الفكرية ونشرت المقالات بعشرات الصحف والمجلات ومن بينها مجلة عالم الفكر والعربي والعلوم الاجتماعية وصحيفة الوطن والقبس بالإضافة إلي الإذاعة والتليفزيون.إن رؤيته تعد رؤية تجديدية وليست تقليدية.
ويمكن القول بإن الاتجاه السائد في كتابات فؤاد زكريا إنما هو الاتجاه العقلاني,كما يري أن الفلسفة يجب أن تكون أداة لخدمة قضايا الإنسان بمختلف أنواعها ومجالاتها.لقد أكد علي ذلك في كتبه التي قام بتأليفها والكتب التي قام بترجمتها من خلال تصديراته ومقدماته لهذه الكتب وقد يكون من الصعب ,بل من المستحيل في مقالة موجزة حصر تلك الكتب ولهذا فإننا بذكر تكتفي بعضها لقد ترجم جمهورية أفلاطون والتساعية الرابعة لأفلوطين,ونشأة الفلسفة العلمية والمنطق وفلسفة العلوم وحكمة الغرب والعقل والثورة والفلسفة الإنجليزية في مائة عام وعصر الأيديولوجية والفن والمجتمع عبر التاريخ ومن بين مؤلفاته كتابه عن نيتشه الفيلسوف الألماني وكتابه عن سبينوزا والذي حصل علي جائزة الدولة التشجيعية عام 1965,وبعدها حصل فؤاد زكريا علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية ,بالإضافة إلي جوائز عربية أخري.
واهتمامات فؤاد زكريا بالموسيقي تعد لاحصر لها.لقد قدم للمكتبة العربية العديد من المؤلفات والدراسات في هذا المجال,من بينها كتابه عن ريتشارد فاجنر,وكتابه عن التعبير الموسيقي,ودراسته التي تضمنها المجلد الخاص بالموسيقي في موسوعة محيط الفنون.بإشراف د. حسين فوزي..إلي آخر كتبه المؤلفة,وترجماته للكتب التي تهتم بمجال الموسيقي.وهو يفضل بيتهوفن علي وجه الخصوص كما يفضل الموسيقي الغربية الكلاسيكية .وهو لا يقول بآرائه في مجال الموسيقي إلا بعد دراسات عميقة متأنية وتحليلات لخصائص الفن الموسيقي وعناصره وبمعني الموسيقي ولغة الموسيقي.
وقد اهتم مفكرنا الكبير فؤاد زكريا بأكثر مشكلات عالمنا العربي المعاصر وذلك من خلال العديد من الكتب الرائدة والمقالات الممتازة والتي أثار من خلالها العديد من المعارك الفكرية والثقافية.إنها ليست دراسات تقليدية وإلا لما وجدنا حوارا واختلافا حولها بل تعد ــ كما قلنا ــ دراسات تفتح الأبواب أمامنا للحوار الجاد والمتصل.لقد وضع فؤاد زكريا بصماته الواضحة والبارزة علي مسار فكرنا العربي المعاصر إن كتبه ودراساته لا تعبر عن كسل فكري نجده عند أصحاب التقليد,بل إنه ارتضي لنفسه موقف الإبداع والتجديد,وإن كان أكثر مهاجمة لا يعلمون إنه يكشف عن آفاق جديدة بحكم ذكائه الحاد,هذه الآفاق لا يستطيع اكتشافها أهل التقليد والذين يعانون من فقر في الذكاء يؤدي بهم إلي النظر إلي الوراء والبكاء علي الأطلال.
أقول وأكرر القول بأنه ليس في وسعنا ومن خلال مقالة موجزة الكشف عن كل الأبعاد الفكرية والإصلاحية لمفكرنا فؤاد زكريا وتحليل كافة آرائه وما أعظمها وما أعمقها.ولكنني من جانبي كتبت عن الرجل العديد من المقالات في السنوات الماضية ومن بينها:ما نشر بمجلة القاهرة والتي تولي رئاسة تحريرها الدكتور إبراهيم حمادة رحمه الله,وكتبت عنه فصلا مستقلا في كتاب لي صدر بعنوان :البحث عن المعقول في الثقافة العربية وأشرف حاليا علي كتاب تذكاري أرجو أن يصدر قريبا عن الرجل وحياته الفكرية تماما كما تفضل بالتصدير والإشراف علي كتاب تذكاري صدر عني منذ حوالي ثلاث سنوات.
تحية إلي المفكر في عيد مولده تحية إلي من يمثل دور المثقف كما ينبغي أن يكون,دور الرائد بأوسع معانيه وأعمقها ,دور المفكر العملاق والشجاع.