الجامعة من أخطر وأهم المؤسسات التعليمية في المجتمع,ذلك لأنها تعني بتنمية قدرات الفرد في المرحلة التي تسبق خروجه للمجتمع كفرد ومواطن فعال له دور في مسيرة تقدم هذا المجتمع,والجامعات بمصر كانت من الناحية التاريخية رائدة في مجال التعليم الحقيقي الذي ينمي الإبداع والتقدم في عقول الطلاب ولكنها فقدت هذا الدور تدريجيا إلي أن خرجت من مجال المنافسة عند اختيار أفضل500جامعة علي مستوي العالم إضافة إلي تقارير المنظمات الدولية عن مدي التردي التعليمي والانتهاك الأكاديمي بالتعليم العالي ولعله مازال عالقا بذهن القارئ حوادث تعرض لها أكاديميون مصريون كالدكتور نصر حامد أبو زيد الأستاذ بجامعة القاهرة والذي اضطر للفرار من البلاد بعد أن قضت محكمة مصرية بأنه مرتد لدراساته عن القرآن الكريم,ومنع كتاب للدكتورة سامية محرز من التداول الدراسي لتناوله موضوعات جنسية…والسؤال الآن ما هي حدود دور الأمن داخل الجامعات المصرية؟كيف ساهمت القوانين في تقويض دعائم الحرية الأكاديمية بالجامعة؟هل هناك سبيل لتخرج الجامعات من أزمتها؟وما هو دور حركة9مارس لاستقلال الجامعة في التصدي لهذه المعوقات؟هذه الأسئلة وغيرها كثير طرحناها بهذا التحقيق..
بداية يقول د.محمد شرف الأستاذ بعلوم جامعة حلوان:الجامعة المصرية ولدت مستقلة عن كل تبعية سياسية فعندما اجتمع مؤسسو الجامعة عام1906نص بيانهم التأسيسي علي أنه ليس للجامعة أي صبغة سياسية وهي مستقلة إداريا وتعليميا لكن عام1954منعت حكومة الثورة عددا من الأساتذة من التدريس بالجامعة لكونهم غير موالين للثورة وأهدافها فيما يسمي بحملة التطهير ثم صدر قانون الجامعات الجديد عام1956والذي حعل الجامعة تابعة للسلطة السياسية الموالية للحكم وتلك التبعية جعلت مستوي الطالب في تدهور مستمر وذلك لأن السياسات الجامعية الخاصة بالدارسين وأعدادهم والكيفية التي يتم التعامل بها معهم ليحصلوا علي شهاداتهم تسير وفق قرارات السلطة السياسية وليس وفق قدرات الجامعة الاستيعابية وطموحاتها العلمية ويكمل د.شرف حديثه فيقول تتداخلت الاعتبارات السياسية والأمنية أيضا في تعيين المعيدين بل أيضا لا يمكن للأساتذة دعوة محاضرين من خارج الجامعة لندوة علمية إلا بعد موافقة الأمن علي دخول ذلك الضيف إضافة لتقييد النشاط الطلابي مما أفسح المجال للتيارات السلفية الدينية للانتشار علي حساب التيارات المدنية لأنها تجيد التعامل مع السلطة السياسية.أي أن التواجد الأمني لم تعد وظيفة حماية منشآت الجامعة وأمنها وإنما أصبح بمثابة الغطاء لدور أمن الدولة.
وعن معني وطبيعة الاستقلال الجامعي حدثتنا د.مديحة دوس أستاذة اللغويات بآداب القاهرة قائلة: الجامعة تحتاج لاستقلال علمي ومالي وإداري,الاستقلال العلمي أي لا تتدخل أي جهة خارج الجامعة في تحديد محتوي ونظام التدريس والأبحاث العلمية بحيث يمكن لأعضاء هيئة التدريس تعديل محتويات المقررات الدراسية بشكل مستمر دون انتظار موافقة الجعات العليا كالمجلس الأعلي للجامعات وذلك الاستقلال العلمي سيجعل الجامعة مجتمعا للحرية الأكاديمية حيث تبادل البحث العلمي والنقاش بحرية وتلك برأيي الوظيفة الأكثر أهمية لمؤسسات التعليم العالي حتي لا تتحول لمؤسسات مدرسية تخرج عقولاستكاتيكيةلا تعرف سوي الكم وليس الكيف أما الاستقلال الإداري فهو يعني أن تستقل الجامعة عند إدارة مواردها البشرية والمادية بحيث لا يكون لأي جهة الحق في التدخل بإدارة الجامعة سوي في حدود الرقابة القانونية علي المال العام,وهذان الشقان لابد في النهاية أن يجمعهما غلاف من الديموقراطية والشفافية في الإدارة حتي تعود الجامعة كسابق عهدها واحة للفكر المتجدد والتعبير الحر.
أما د.محمد أبو الغار الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة ومنسق حركة9مارس لاستقلال الجامعة فيقول في9مارس 1932 تقدم أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية آنذاك باستقالته من منصبه احتجاجا علي قرار وزير التعليم بنقل د.طه حسين من الجامعة بشكل تعسفي,لذلك اتخذ مجموعة من الأساتذة الجامعيين من تاريخ تلك الحادثة اسما لحركتهم التي تهدف لاستقلال الجامعة عن كل القيود المفروضة عليها وبدأ العمل الفعلي لهم منذ شهر مارس2003وتقوم الحركة بدورها من خلال عقد المؤتمرات وإصدار البيانات وتوجيهها للمسئولين في حال حدوث انتهاك لحق أستاذ أو طالب جامعي ونحصل علي قصص الانتهاكات تلك من خلال المرصد الإليكتروني الموجود بموقعنا علي شبكة الإنترنت.
ويرصد لنا د.يحيي القزاز الأستاذ بعلوم جامعة حلوان في نقاط قصيرة كيف أن الجامعة بالقوانين التي تحكمها مخالفة للمواثيق الدولية الملتزمة مصر بتنفيذها قائلا: اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة في دورتها الحادية والعشرين لسنة 1999في تعليقها العام رقم13تشير إلي أن الحق في التعليم لا يمكن التمتع به إلا إذا صحبته الاستقلال والحرية الأكاديمية للعاملين والطلاب كما أن إعلان كامبالا بشأن الحرية الفكرية الصادر عن منظمة الوحدة الأفريقية عام1990يهدف إلي ضرورة توقف الدولة علي ممارسة الرقابة علي المجتمع الفكري داخل المؤسسات التعليمية كل ذلك بالإضافة لإعلان عمان للحرية الأكاديمية الصادر عن مؤتمر الجامعات العربية لعام2004والذي أعلن في ديباجته أن المؤسسات التعليمية في البلاد العربية تعاني من تردي نتيجة سلطة الدولة عليها.كل تلك الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية والمحلية,والممارسات الفعلية في مختلف الجامعات المصرية تقول إن الجامعات تعاني ولكن يبقي بيد الدولة الحل برفع يديها عن إدارتها فهل تستجيب؟!!