جبران ومي زيادة ..رسائل خالدة من مشارق الأرض الى مغاربها
ابراهيم ناجى يكتب قصيدة الأطلال لزوزو حمدى الحكيم على روشتة الدواء
غادة السمان تكتب لغسان كنفاني : عيناك قدرى ..لاأحد يهرب من قدره
لم تكن قصة ولادة بنت المستكفى وابن زيدون والتى تعتبر من أجمل قصص الحب والغرام في تاريخ الأندلس وفي تاريخ الأدب العربي بصفة عامة هى الوحيدة بين الادباء كانت ولاّدة بنت المستكفي من أروع الشعراء والأدباء في زمانها،و كانت لها مكانة مميزة في الشعر،و لا بد لمن يتحدث عن الحبّ في الأدب الأندلسي من التوقف عند الشاعر العظيم ابن زيدون وحبّه للأميرة ولادة بنت المستكفي بالله، آخر الخلفاء الأمويين في القرن الحادي عشر الميلادي.
إنّ قصّة حب ولادة وابن زيدون واحدة من أجمل قصص الحب في تاريخ الأندلس وفي تاريخ الأدب العربي بصفة عامة، ولولا هذا الحب ما وصل إلينا هذا الشعر الجميل لابن زيدون.
لم تكن هذة القصة على روعتها هى فقط ما سجل فى تاريخ الادب من حب جمع بين الادباء فقد شهد العصر الحديث وسجل التاريخ الادبى العديد من علاقات الحب القوية التى جمعت بين قلوب عدد من الادباء والشعراء امثال مى زيادة التى احبها جبران خليل جبران على الرغم من الاف الاميال التى تفصل بينهما وعدم لقائهما لمدة ربع قرن ليخلد الحب ذكرى ما تزال فى قلوب عشاق الادب حتى يومنا هذا.
خليل جبران ومى زيادة
قصة العشق الطاهر
يعتبر جبران خليل جبران من الأدباء الذين أثروا فن المراسلة عند العرب بما تركه من رسائل لفتت نظر الباحثين وأثارت فضولهم , فولجوا عبرها إلى عالم جبران المليء بالرموز والأسرار لقد فتح جبران فتحاً جديداً ورائعاً في دنيا الأدب العربي , عندما تحول عن التأليف بالعربيه الى التأليف بالأنجليزية , حتى لمع أسمه في كثير من الدول الأجنبية .
واذا اردنا أن نسلّط الضوء على الحب الذي نشأ بين جبران ومي زياده , , حب فريد لامثيل له في تاريخ الأدب , أو في سير العشاق ,مثال للحب النادر المتجرد عن كل ماهو مادي وسطحي .
لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً , دون أن يلتقيا الاّ في عالم الفكر والروح , والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيماً وكانت مي في مشارقها , كا ن في امريكا وكانت في القاهره. لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسامه فسلام فكلام بل كان حباً نشأ ونما عبر مراسلة أدبيه طريفه ومساجلات فكريه وروحية ألفت بين قلبين وحيدين , وروحين مغتربين .ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين ..
الرسائل المتبادلة
كان طبيعياً جداً أن يتعارف بطلا هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن , بعد ان أصاب كل منهما شهره كبيره .. كانت مي معجبه بمقالات جبران وافكاره فبدأت بمراسلته عقب أطلاعها على قصته ( الأجنحه المتكسره ) التي نشرها في المهجر عام 1912م, كتبت له تعرب عن أعجابها بفكره واسلوبه , وتناقش اراءه في الزواج وقيوده , والحب وأطواره حسب رؤيته في هذه القصه التي قرأتها له …
وتعرض عليه رأيها في وجهة نظره في حرية المرأه التي طالب بها والتي اتفقت معه في أمر وعارضته في جانب آخر ,
ومن هنا كانت البداية ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهما يبحث عن روح الآخر في يقظته وأحلامه , كان كل منهما يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه حتى لكأن تلك الروح هي المرآة التي ينعكس على صفحتها نور الأخر …
وبرغم كل هذا الحب كان كل منهما يخشى التصريح بعواطفه فيلجأ جبران للتلميح , ويرمز إليها ويضع عبارات وصور مبتكره وجميله .. فلم ينادي مي قط بقوله حبيبتي” ولم يخاطبها باللغه المألوفه للعشاق , غير أنه عبّر عن حبه بما هو أبلغ عندما قال أنت تحيين فيّ , وانا أحيا فيكِ ” ووصف علاقته بها ” بأنها أصلب وأبقى بما لايقاس من الروابط الدمويه والأخلاقيه “وبعد أن باح لها , رجاها ان تطعم النار رسالته اذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفسها .
كانت مي في حياة جبران الصديقه, والحبيبه الملهمه , وصلة الوصل بينه وبين وطنه , وأكثر ماحبه فيها عقلها النيّرالذى تجلى في مقالاتها وكتبها , وأحب فيها حبها له .., واعجابها بشخصيته وانتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالتقريظ والنقد في مقالاتها في مصر …
كتبت مى زيادة لجبران فيما كتبت : لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب . ان الذين لايتاجرون بمظهر الحب ينمّي الحب في أعماقهم قوه ديناميكيه رهيبه قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في الللاء السطحي لأنهم لايقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر ,, ويفضّلون تضليل قلوبهم عن ودائعها , والتلهي بما لاعلاقه له بالعاطفه , يفضلون أي غربه , وأي شقاء ( وهل من شقاء وغربه في غير وحدة القلب ؟) على الأكتفاء بالقطرات الشحيحة ..
مامعنى هذا الذي اكتبه ؟ اني لا أعرف ماذا أعني به ! ولكني أعرف انك ” محبوبي ” , وأني أخاف الحب , أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير .. والللا شيء بالحب خير من النزر اليسير , كيف أجسر على الأفضاء اليك بهذا , وكيف أفرّط فيه ؟ لا أدري , الحمدلله اني اكتبه على ورق ولا أتلفّظ به, لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام , ولاختفيت زمناً طويلاً , فما أدعك تراني الا بعد أن تنسى .. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها احياناً لأني بها حرة كل هذه الحريه .. قلي ماأذا كنت على ضلال أو هدى .. فأني أثق بك , وأصدق بالبداهه كل ماتقول ..! وسواء كنت مخطئه فان قلبي يسير اليك , وخير مايفعل هو أن يظل حائماً حواليك , يحرسك ويحنو عليك ..
غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال الأشكال والألوان حصحصت نجمه لامعه واحده هي الزهره ,, اترىيسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون ؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي , لها جبران واحد , تكتب أليه الأن والشفق يملأ الفضاء وتعلم ان الظلام يخلف الشفق وان النور يتبع الظلام وأن الليل سيخلف النهار والنهار سيتبع الليل مرات كثيره قبل أن ترى الذي تحبه … فتتسرب اليها كل وحشة الشفق , وكل وحشة الليل , فتلقي القلم جانباً لتحتمي من الوحشه في إسم واحد : جبران !
رد جبران على رسالة مي ..
“ماألطف قول من قال :
ياميّ عيدك يوم ** وأنتِ عيد الزمان
ما أغرب ماتفعله كلمه واحدة في بعض الأحيان , أنها تحوّل الذات الخفيه فينا من الكلام إلى السكوت .. تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخافين مدّ البحر ؟ أتخافين طلوع الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟
لاتخافي الحب يارفيقة قلبي , علينا أن نستسلم إليه رغم مافيه من الألم والحنين والوحشه , ورغم مافيه من الألتباس والحيره
ارتاحت مي لهذه اللهجة , وتشجعت على مداعبته في الحديث , والافضاء إليه بخوالج نفسها وهمومها .. كان همها أن يبقى جبران حبيبها الأوحد لتدوم تلك الشعله الزرقاء منهلاً للنعيم والنور في حياتها . أضحت مي شديدة القلق على صحة جبران في سنوات عمره الأخيره كما يبدوا جلياً في رسائله إليها ,وقد وصف جبران أسلوبها ورسائلها فقال انها
(كالنهر الرحيق الذي يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي احلامي , بل كقيثارة التي تقرّب البعيد وتُبعد القريب , وتحوّل بارتعاشاتها السحريه الحجاره إلى شعلات متقّده , والأغصان اليابسه إلى أجنحه مضطربه)
ربما يكون أهل مي وبعض المقربين منها قد أطلعوا على صلتها بجبران في حياتها ,ولكن المرجّح انها كانت حريصه على اخفائها عن الناس جميعاً , وأبقتها سراً دفيناً في نفسها حتى ذلك اليوم الذي فجعت بموته عام 1931م , فبعد انقضاء شهر على وفاته اعترفت ميّ لقرائها بوجود مراسله طويله بينها وبين جبران وذلك في مقاله (جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله) ضمتها فقرات قصيره من رسائله اليها , وعبرت عن حزنها العميق عليه مصّوره غربتها وغربته في الوجود بعبارات موجعه قالت فيها
“حسناً فعلت بأن رحلت ! فاذا كان لديك كلمه أخرى فخير لك أن تصهرها وتثقفّها , وتطهرها لتستوفيها في عالم ربما يفضل عالمنا هذا في أمور شتى…”
وفي ختام تلك القطعه الوجدانيه المؤثره الفائضه بالحب واللوعه واليأس , أعربت ميّ عن شوقها للرحيل , ولكن مشيئة القدر فرض عليها ان تعيش بعد جبران عشر سنوات تقريباً كانت أسؤا مرحله في حياتها , فقد أستبد بها الحزن ..وعاشت في غمرة الأحزان تمزّقها الوحده والوحشه بعد فقده , أصيبت بانهيار عصبي , تبعه انهيار في صحتها , فاعتزلت الناس , أرسلت الى قريب لها في بيروت دكتور جوزيف زياده رساله مؤثره وصفت الآمها وتردّي صحتها , تلك المحنه قادتها الى لبنان موطنها الأصلي وأدخلتها ظلماً الى مصح الأمراض العقليه مما طعنها في كرامتها ,وقضت ثلاث سنوات متنقله بين ( العصفوريه ) كما يسمونه , ومصح دكتور بيريز وبين بيت متواضع , الى أن هبّ اقارباؤها لأنقاذها , وعادت لى القاهره عاشت سنتين ونصف , الى أن ذوت شيئاً فشيئاً ,فتوفيت عام 1941م
وماهو جدير بالذكر أن مي عندما كانت في لبنان اصطحبت رسائل جبران معها , وكانت تلجاً اليها على انفراد , حين يشفّها الوجد , وصوره لجبران كتبت بخطها الى جانب الصوره (وهذه مصيبتي منذ أعوام) .
ابراهيم ناجى وزوزو حمدى الحكيم
تخرج ابراهيم أحمد ناجي في مدرسته الثانوية بحي شبرا ليدخل كلية الطب ليتخرج فيها عام 1922 ثم عمل طبيبا في مصلحة السكك الحديدية ومنها الي وزارتي الأوقاف والصحة.. كان الشاعر ابراهيم ناجي يتعيش من مرتبه كطبيب ويعيش علي قصائده كشاعر.. بزغ نجمه بعد أن ترجم لأول مرة أشعار »شكسبير« و »بودلير« و »ديموسيه« و»لامرتين« و»الألماني« »هايه« ذاع صيته بعد أن أصدر ديوانه الأول وراء الغمام ثم »ليالي القاهرة« ومن بعدهما ديوان »في معبد الليالي« و»الطائر الجريح ”
وتأتى قصة ناجى والفنانة زوزو حمدى الحكيم لتكون قصة حب شهيرة أيضا ، ذلك أنه أحبها بعنف منذ النظرة الأولي.. أحب صورتها قبل أن يسمعها وأحب عينيها قبل أن تبادله نظرات الهيام! كان ناجي يبحر فيما وراء الملامح والشعر والعينين .. كانت سفينة غرامه لا تبحث عن الموانئ التقليدية المبهرة بل اعتاد العوم في بحار تئن فيها الرياح.. ضاع فيها المجداف والملاح؟
كان ناجي يدون قصة حبه لها كلما زارته وهي تتواري خلف الفحص الطبي؟
كتب ناجي لها خلف روشتة الدواء بعد شهر واحد من ترددها عليه وقال:
يا حبيبا زرت يوما.. أيكه.
طائر الشوق مغني.. ألمي.
لك إبطاء المذل المنعم.
وتجني القادر المحتكم.
وحنيني لك يكوي.. أضلعي.
والثواني جمرات.. في دمي؟
وفي زيارة أخري كتب لها يصور غرامها قائلا: هل رأي الحب سكاري.. مثلنا.
وكتب خلف إحدي روشتاته يصور موقفا آخر من غرامها فقال..
ومشينا في طريق مقمر.
تعدو الفرحة فيه.. قبلنا.
وضحكنا.. ضحك طفلين معا.
وعدونا.. فسبقنا ظلنا.
ويمر عام.. وراءه عام.. والحب الكبير.. يعصف بقلب الشاعر الرقيق.. وينساب نغما في رسائله الي ملهمته الفنانة زوزو حمدي الحكيم حتي يفترقا يوما.. ومازالت قصيدة الأطلال بلا نهاية.. أبيات عنده.. وأبيات عندها.. وأبيات مازالت في علم الغيب!.. الي أن جاء يوم صنعت فيه الصدفة لقاء خاطفا بين ناجي وزوزو داخل أحد محال الزهور.. كان هو مع زوجته وكانت هي مع ابنتها!.. حالت بينهما قيود صنعتها الأيام.. وعلاقات الزواج.. زوجة ناجي وابنة زوزو ورغم ذلك تحرك قلب الشاعر الكبير بعد أن مر اللقاء هادئا وهو الذي كان بالأمس بركانا ونارا.. لم يتبادلا كلمة واحدة.. كل منهما عاد الي بيته.. زوزو لا يبرح خاطرها طيف زوجة ناجي وناجي يحترق ويكتب الأبيات التي أجلها القدر حتي كان هذا اللقاء.. أمسك سماعة التليفون وراح ينشدها لزوزو الحكيم:
يا حبيبي.. كل شئ بقضاء
ما بأيدينا.. خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم
بعدما.. عز اللقاء
فإذا أنكر خل.. خله
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضي كل إلي غايته.. لا تقل شئنا.. فإن الحظ شاء!
ابتعدت الفنانة الكبيرة زوزو حمدي الحكيم عن الأضواء كثيرا في السنوات الأخيرة.. تفرغت لاحتضان ابنتها الوحيدة.. لكنها لم تنف يوما حكايتها مع الأطلال.. واخيرا وقبيل وفاتها بدأت تبوح بالأسرار وكانت تتمني الا تنشر في حال حياتها .
تقول زوزو حمدي الحكيم:
” تظل قصتي مع الشاعر الطبيب ابراهيم ناجي من أشهر القصص.. لن أقول قصص الغرام لأنه لم تربطني بناجي أي علاقة حب!!.. الحكاية كلها بدأت عندما كان يأتي الي المسرح الذي أعمل به يشاهد ويتابع أعمالنا الفنية لاهتمامه بالفنون مثل اهتمامه بالطب.. ثم تولي بعد ذلك مهمة علاج أعضاء الفرقة ومن هنا بدأت العلاقة تتوطد بيننا خاصة بعد مرض والدتي.. أخذ يتردد علي منزلنا لعلاجها ونحن نتردد علي عيادته.. بعدها أصبح صديقا لنا!
وتكمل زوزو حديثها قائلة:
عن قصيدة الاطلال تقول زوزو فى اخر حواراتها في إحدي المرات سمعت أغنية السيدة أم كلثوم الجديدة »الأطلال«.. وإذا بي أكتشف أنني قرأت هذه الأبيات من قبل!.. لكن أم كلثوم تغنيها بطريقة مختلفة.. عدت إلي الروشتات التي كان يكتبها ناجي لوالدتي.. وجدت كل بيت من أبيات القصيدة علي كل روشتة من الروشتات!!.. ويناديني فيها بزوزو أو حياتي أو صديقتي الحبيبة أو صديقتي المقدسة!.. لا أنكر أنني بادلته بعض أبيات الشعر لكنه ليس كشعر الغرام الذي يكتبه لي وهذا لولعي بالشعر وإحساسي العالي به…”
غادة السمان وعسان كنفانى
——————————–
يُقال أن كل رجل يصبح شاعرآ إذا مسه الحب, يحدث هذا للرجل العادي إذا أحب فماذا يمكن أن يحدث لأديب وفنان إذا أصابه العشق؟! مَن مسه الحب هذه المرة هو غسان كنفاني الأديب والكاتب الصحفي والرسام الفلسطيني المولود في عكا عام 1936 والذي تم إجباره علي اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان ثم الى سوريا. وقد عاش وعمل في دمشق ثم في الكويت وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي عام 1972 تم إغتياله في بيروت مع ابنة أخته في إنفجار سيارة مفخخة. وقد أصدر كنفاني ثمانية عشر كتاباً منها رواية ” رجال في الشمس” و “أرض البرتقال الحزين” و “العاشق” وهي رواية غير مكتملة نُشرت بعد وفاته, كما كتب مئات المقالات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني.
وقد تعلق قلب كنفاني بالكاتبة والأديبة السورية غادة السمان المولودة في دمشق عام 1942, صاحبة “عيناك قدري” وهي مجموعة قصصية وتعتبر أولي إصداراتها الأدبية ونُشرت عام 1962 كما كتبت السمان “ليل الغرباء” و “البحر يحاكم سمكة” و “أعلنت عليك الحب”, وعملت السمان أيضآ في الصحافة وكتبت العديد من المقالات. وفي عام 1992 نشرت السمان الكتاب الذي تعرضت بسببه للكثير من الهجوم حيث أثار ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية والسياسية وهو عبارة عن مجموعة رسائل كتبها غسان كنفاني لها في الستينيات من القرن الماضي، حين كانت تجمعهما علاقة عاطفية, حيث رأي البعض أن نشر هذه الرسائل هي محاولة لتشويه صورة كنفاني كأديب ومناضل في القضية الفلسطينية. لكن غادة السمان التي قدمت للكتاب تدافع عن موقفها بقولها “أكتفي مؤقتا بنشر رسائله المتوافرة، بصفتها أعمالآ أدبية لا رسائل ذاتية أولاً ووفاء لوعد قطعناه على أنفسنا ذات يوم بنشر هذه الرسائل بعد موت أحدنا، ولم يدر بخلدي يومئذ أنني سأكون الأمينة على تنفيذ تلك الرغبة الكنفانية-السمانية المشتركة” وقد إحترق جزء من رسائل كنفاني إليها (بعض رسائل عام 1968-1969)عندما شبت النيران في منزلها ببيروت خلال إندلاع الحرب مطلع عام 1976 . وتضيف السمان “لن أكتب عن غسان كنفاني ،وإنما سأتركه هو يحدثنا عن نفسه.. يخيل إلي أحيانا أننا جميعآ تحدثنا عنه بما يكفي ، وأن الناس في شوق إلى سماع صوته هو”.
وقد أتي صوت كنفاني رقيقآ وعذبآ وهو يخط في رسائله مشاعره كأنسان أولآ وقبل كل شئ وبمهارة الكاتب ورهافة الفنان حيث يقول في أولي رسائله لغادة السمان ” إن قصتنا لا تكتب ، وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ، لقد كان شهراً كالإعصار الذي لا يُفهم ، كالمطر، كالنار، كالأرض المحروثة التي أعبدها إلى حد الجنون وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة حين قلت بيني وبين ذاتي أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي ، وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبات عينيّ ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد”. ومن أحدي الرسائل الأخري يقول لها “أنت، بعد، لا تريدين أخذي ، تخافين مني أو من نفسك أو من الناس أو من المستقبل لست أدري ولا يعنيني. ما يعنيني أنك لا تريدين أخذي، وأن أصابعك قريبة مني، تحوطني من كل جانب، كأصابع طفل صغير حول نحلة ملونة تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها..أعرف أعرف حتى الجنون قيمتك عندي ، أعرفها أكثر وأنت غائبة..بدونك لا شيء. وهذا يحدث معي لأول مرة في عمري التعيس كله”. وتستمر رسائل غسان كنفاني إلي غادة السمان شاهدآ وإثباتآ لحب إنساني راقي بين هذا الفنان وهذا الفنان والكاتب وتلك الأديبةالكاتب وتلك الأديبة.