تشهد الأديرة المصرية نهضة عمرانية وتنموية وروعوية كبيرة، ومسؤليتها الوطنية جعلتها تسعى لخدمة المجتمع , علاوة على اكتفائها ذاتيا ومساعدتها للاخرين … قامت “وطنى” على مدار الأعوام السابقة بجولات فى العديد من الأديرة المصرية … فى هذا العدد تقدم “وطنى”, “دير الشهداء بجبل أخميم”, وذلك لالقاء الضوء على تاريخ وحكاية هذه الاديرة العامرة بالايمان والاعمال المتجلية فى العديد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية وخدمة المجتمع….
قصة بناء الدير
يشرف على دير الشهداء بجبل اخميم, نيافة الحبر الجليل الأنبا بسادة أسقف أخميم وساقلته ورئيس الدير…. يعتبر هذا الدير ضمن أديرة برية أخميم من الجنوب إلى الشمال على الطريق …موقع الدير بالنسبة لأديرة سوهاج… دير الشهداء شرق اخميم … يقع بمركز أخميم ـ على بعد 2 كم شمال دير العذراء , يفصلهما عن بعض منطقة الجبابين ويوجد مدخل خاص إلى باب الدير من الطريق الخلفى الموصل للمشروعات ويقع دير الشهداء ضمن أديرة برية أخميم ، ويضم كنيسة , بها خمسة هياكل: هيكل الملاك ميخائيل – هيكل القديسين ديسقورس إسكلابيوس – هيكل العذراء مريم – هيكل مارجرجس – هيكل مارمرقس والأنبا أنطونيوس والهياكل على النظام القديم التى شيدتها الملكة هيلانه على نظام دير الشهداء بأسنا ولها بابان للدخول والأيسر للخروج والشباك لمراقبة الداخلين إلى الكنيسة من الأعداء يعلوه حجاب الهيكل به صور أثرية والهياكل الأخرى كالهياكل المعتادة.
والكنيسة مكونة من خورسان وليس ثلاثة كالمتبع بالكنائس ولايوجد مقاعد وفى الجهة البحرية من الخورس الأول توجد رفات القديس ديسقورس والقديس إسكلابيوس ورأس شهيدة لا تزال باقية ,كما هى موضوعة داخل مقصورة زجاج ممكن رؤيتها بوجهها وبشعرها وكأنها تعيش إلى الآن وهى التى قام بتدشينها قداسة البابا شنودة الثالث ، وصحن الكنيسة مقسم إلى خورسين به فتحة كبيرة فى المنتصف ومغطى بالقباب .
حول الدير توجد مدافن اثرية استخرج منها فى زمن سابق كثيرا النسيج القبطى الرائع المشهور الذى يملأ عددا من متاحف العالم وغالبا ماكان هذا المكان الذى دفن فيه شهداء اخميم مثل دير شهداء اسنا , أما الباقى حول الكنيسة فغطاة كلها بالقباب المنخفضة والقبوات من الطوب اللبن…يوجد مميزات عديدة للدير، أهمها وجود سور من الطوب اللبن من الجهات الأربع ويشهد الدير الآن تطويرًا كبيرًا، فقد تم بناء سور له على مساحة كبيرة، وبداخله مزرعة، كما تم أيضًا عمل مزار خاص بالدير لباقى أجساد الشهداء، والتى تم العثور عليها أثناء الحفر… حاليا مدفون فى دير الشهداء بأخميم به 8140 شهيدا الذين إستشهدوا فى أيام عيد الميلاد المجيد عام 304 م بأخميم فى 28 , 29 , 30 كيهك .
اكتشاف الشهداء ..و بناء الدير
فى سنة 400 بعد الميلاد فى مساء اليوم الأول من شهر طوبة, ظهر القديس ديسقوروس و الشهداء فى رؤيا للرجل الأمين بطرس وهو الرجل الذى تركوه لحراسة قلايتهم و قالوا له لا تحزن لأن الله العالم بخفايا القلوب تركك ولم يشأ أن تقدم نفسك شهيدآ ولكن أعطاك هذه البرية ليكون لك فيها أبناء كثيرون وتصير أبآ لرهبان كثيرين قريبآ جدآ والآن قم وأخرج إلى الحاجر لنحدد لك الموضع الذى تبنيه على أجساد أخوتك الشهداء ويصبح عامرآ بالرهبان , ثم خرجوا به فى الرؤيا فى الليل إلى تل كبير وحددوا له ذلك المكان بطوله وعرضه وطلبوا منه أن يذهب إلى المعسكر فسيجد أجسادهم تحت جدار القصر من الجهة القبلية , وطلبوا منة أن يقول لأهل المدينة بأن يجمعوا أجساد الشهداء مع أجسادهم و يأتوا بهم إلى هذا المكان الذى عايناه له لأن المسيح ألهنا سر بمشيئته أن يبنى هذا المكان على أسمائنا إلى يوم القيامة .
وعند الانتهاء من هذا الحديث اختفوا عنه , فأنتبه بطرس رجل الله من نومه فأستنشق رائحة بخور ذكية فتحقق للوقت فى ذاته بأن القديسين قد استدعوه ليحمل أجسادهم فقام مبكرآ وذهب إلى المعسكر ووجد أجسادهم مطروحة بعضهم على بعض .. و صعد الجميع إلى التل الذى عرفه القديسون لبطرس فى الرؤيا فوجدوا العلامات موضوعة كما حددوها فنظفوا تلك البقعة وحفروا فيها مدافن لأجساد الشهداء ثم عملوا عجلات من الخشب وحملوا عليها أجساد الشهداء “ديسقوروس وأسكلابيوس” والأثنين والعشرين راهبا ودفنوهم بمكان منفرد ثم ذهبوا إلى بيعة أب سوتير(المخلص) فوجدوا أجساد الشهداء مطروحة بعضها على بعض وجسدى الأرخنين “أبى أجفا وأبى ونين” فكفنوهم ودفنوهم تحت جدار بيعة أب سوتير القبلى وسار شعب الله يأخذ بركة هؤلاء الآباء إلى يومنا هذا , ثم عملوا توابيت من خشب تشبه الصناديق على العجلات الخشب ونقلوا عليها أجساد الشهداء المطروحة فى الشوارع والذين قتلوهم أيضآ بالمعسكر وكذلك العظام المحروقة بالنار وظلوا يحولون أجساد الشهداء إلى الجبل سبعة أيام متوالية ودفنوهم فى صحن الدير المنشأ على أجساد الشهداء إلى يومنا هذا .
تكريس كنيسة الشهداء
و بعد دفن الشهداء تم بناء بيعة على أسم الشهداء و طلب الأب بطرس رئيس الدير من الأب ديوجانس الحضور الى كنيسة أبائنا الشهداء لتكريسها على اسمائهم و كان مقيمآ ببلدة أبصوته غربى المدينة لترميم كنيستها التى هدمت أيام أضطهاد دقلديانوس الملك الكافر و كانت هذة الكنيسة قد بنيت فى أيام الرسل الحواريين فأستأذن ديوجانس الاب أنبا مويسيس أسقف كرسى فاو وأبا هرمين أسقف كرسى أبصاى و دعاهم الى تكريس كنيسة الشهداء و حضر معهم فى أخميم فى اليوم الثامن والعشرون من شهر كيهك و قد احتفل بعيد الميلادالمجيد فى بيعة أب سوتير ثم هيأ لها الأب بطرس جميع ما هو ضرورى لتكريس البيعة بدير الشهداء فى 30 كيهك فذهب الأب ديوجانس و الأساقفة و جماعة الشعب و الكهنة و الأكليروس على أقدامهم و كانوا يرتلون المزامير و الأبصاليات حتى وصلوا الى الحاجر فخرج الأب بطرس و الأخوة الرهبان و دخلوا جميعآ الدير و هم جميعآ فى تمام الفرح و السعادة ثم يقول الأب ديوجانس أنة و جميع الأخوة تفقدوا أرجاء الكنيسة و زينوها ووسعوا صحن الدير وطافوا بالقلالى وموضع المائدة و حصون الدير ثم صلوا وابتدأوا بتكريس الكنيسة المقدسة و قرأوا الفصول المناسبة حتى باكر اليوم الأول من شهر طوبة , ثم قاموا برشم الكنيسة بأسم الثالوث الأقدس الأب و الأبن و الروح القدس الألة الواحد آمين على أسم الثمانية ألاف ومئة وأربعين شهيد والبس الأب المكرم بطرس رهبانآ كثيرين الأسكيم.
شهداء أخميم
كانت أخميم من البلاد التى انتشرت فيها المسيحية ومعظم سكانها كانوا مسيحيين ثابتين فى الإيمان وهذا ما جعل هذه المنطقة غنية بالأديرة , حيث يوجد بها ثمانية أديرة حالياً…. وقد صدرت أوامر دقلديانوس الأمبراطور عام 284م بإضطهاد المسيحيين , حيث كان يعمل على محو المسيحية والتفنن فى تعذيب المسيحيين بأنواع مختلفة من العذابات وكان الله يقويهم حتى يحوزوا إكليل الشهادة .
وفى هذه السنة 304م كان والى “أنصنا” (الشيخ عبادة حالياً ـ مركز ملوى ـ محافظة المنيا) …أريانوس ، وكان أشد قسوة من دقلديانوس ظل يعذب المسيحيين بشتى طرق العذاب ويتنقل من مكان إلى مكان يبحث عن المسيحيين ليقضى عليهم إلى أن وصل إلى أخميم وكان ذلك فى 28 كيهك ، 29 كيهك ، 30 كيهك وهى أيام عيد الميلاد المجيد وكان جميع المسيحيين مجتمعين بالكنائس للصلاة والاحتفال بعيد الميلاد المجيد .
حضر الأنبا أباديون لحضور القداس وعندما بدأ بقراءة التسبيح ولما وصلوا إلى التقديس المثلث إذ بأصوات الملائكة تصرخ مع الشعب قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس , ورأى الشعب المخلص والملائكة عند المذبح…. وفى ذلك الوقت وصل الوالى أريانوس و معه جنوده فرأى الشعب يصلون بخشوع وطهارة وقوة فغضب جدا, وبعد إنتهاء الصلاة في فجر ذلك اليوم ذهب الوالي إلى معبد الأصنام وإمتلأ حقداً على المسيحيين بسبب كهنة الأصنام, فقام مع جنوده وذهبوا إلى الكنيسة ورأوا ألاف المسيحيين مجتمعين للصلاة , فخرج إليه “الأنبا أجفا والأنبا وانين” وتحدَّثا معه وسألهُما عن سبب إجتماع كل هؤلاء فأخبروه بأن اليوم هو عيد ميلاد السيد المسيح , فإزداد غيظاً وحنقاً وقتلهُما على الفور وكانا “باكورة شهداءأخميم” , وحدث أن راعيهم المحبوب أسقف أخميم الأنبا أوضاجيوس لم يكن معهم في ذلك العيد لأنه كان قد تنيَّح منذ فترة قريبة …
شجاعة اولاد المسيح عند الاستشهاد
دعا الوالي وجنوده المسيحيين للسجود للأصنام .. وفي مواجهة وتوحدِّ شُجاع وقف الشعب يعترف بإيمانه بالسيد المسيح و أنهم مستعدون أن يموتوا من أجله… ولما رأى الوالي ثباتهم فى ايمانهم أمر بأن بقتل الكهنة ومنهم الكاهن الحكيم “أسكوندا”، الذي جذب إلى الإيمان 70 من كهنة الأصنام وعمَّدهم فإستشهد الكهنة وهؤلاء الكهنة التائبين ثم تلاهم الشمامسة وكثير من الشعب وكانوا عدة ألاف… ولما رأى الوالي ثباتهم وتسارعهم لنوال إكليل الشهادة نصب آلات التعذيب وقام ومعه عدد كبير من الجند وظلّوا يقتلون المسيحيين داخل الكنيسة حتى جرى الدم من الكنيسة إلى أزقة المدينة.
فأصر الوالى بعمل مذبحة للمسيحيين جميعا فبدأ الجنود بذبح المسيحيين فى الكنيسة حتى جرى الدم إلى أزقة المدينة , وما أن سمع المسيحين في القرى والبلدان المجاورة بخبر هذه المذبحة سارعوا بالحضور إلى أخميم معلنين إيمانهم، وتزحموا حول إريانوس.
وكان الآباء والأمهات يتسابقون فرحين قائلين: “نحن ماضون إلى ملكوت السماوات”، وكانوا يقدمون أولادهم للسيف ويشجعونهم بقولهم: “لا تخافوا فما هي إلا برهة وتمضون إلى العريس السماوي” , وقد استمرت تلك المذبحة ثلاثة أيام متوالية ,وكان عدد المسيحيين الذين استشهدوا فى هذه المذبحة (مذبحة أخميم ) هم 8140 شهيد, وكانت المذبحة فى جبل أخميم بجوار دير الشهداء حاليا , وتسمى أخميم مدينة الشهداء فى العصر القبطى لأن دم الشهداء روى كل ذرة تراب بها.
ويوجد فى دير الشهداء أجساد القديسين ديسقورس واسكلابيوس و8140 شهيد تظهر منهم معجزات لا حصر لها ، ومن أسماء الشهداء الذين استشهدوا فى هذه المذبحة الأنبا بسادة أسقف أبصاى – القديس مينا الراهب – الشهيد إفرام – أبسكنده كاهن الأوثان – الشهيدان أخوريوس وفليمون – الراهبة فبرونيا – أولوجيوس وأرسانيوس – الصبى شورى – الطفل زكريا- القديسين ديسقورس واسكلابيوس – أولاجيوس رئيس جند أريانوس استشهد هو وجنوده جميعا … بركتهم وطهارتهم المقدسة تكون معنا ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .
الطفل زكريا الشهيد
أثناء مذبحة أخميم , حينما قتل أريانوس الوالي الآلاف من المسيحيين، فلاحظ طفل صغير يدعى زكريا أبن رجل صياد يدعى “فاج”، أنه في الوقت الذي كان يطرح فيه بعض الشهداء في النار بناء على حكم أريانوس، أن أشخاصا نورانيين يحيطون بهذه النار، ويمدون أيديهم ويأخذون أرواح هؤلاء الشهداء من النار، ويضعون أكاليل بهية على رؤوسهم.
لَفَت الطفل نظر أبيه بصوت مرتفع إلى هذا المشهد، وإذ سمعت الجماهير المحتشدة ما كان يقوله الطفل أسرعوا نحوه يستفسرون منه عما رأى.
لما رأى الوالي تلك الجموع تندفع نحو الطفل، أمر باستدعائه وقطع لسانه، فحمله أبوه على كتفه، ورآه وهو يُنَفَّذ فيه الحُكم , فجأة شَفَى ميخائيل رئيس الملائكة لسان الطفل فصار يتكلم ويتهلل , فعاد به أبوه إلى الوالي ليخبره بما كان لعله يرتدع عن طغيانه , حينما يرى بعينيه ما حدث, أما الوالي الطاغية فأمر بأن يُحرق الطفل وأبوه، وبسببهما آمن كثيرون وأعلنوا مسيحيتهم أمام الوالي، الذي أمر بقتلهم بالسيوف والرماح, وقيل أن عددهم بلغ ستمائة وأربعة شهيدًا بركة صلواتهم تكون معنا أمين
شارع الزن
ويوجد فى أخميم شارع يسمى الزن (حاليا الظني بجوار كنيسه ابي سيفين الأثريه باخميم) و هذا الشارع يقول القاطنون به أنهم يسمعون أصوات السيوف وصراخ الشهداء فى ليله عيد الميلاد و لمدة ثلاث ايام هى نفس فترة المذبحة التى فعالها اريانوس و هذا الشارع الوحيد فى أخميم الذى لم يدخل فيه الصرف الصحى إلى يومنا هذا , وذلك بسبب كلما حاولوا ان يحفروا فيه يجدوا بحورا من الدماء التى سالت فلا يستطيعوا استكمال الحفر وذلك لان هذا الشارع هو الذى ذبح فيه الشهداء…بركتهم وشفاعتهم المقدسة تكون مع جمعينا امين.
الأحتفالات السنوية
بلغ عدد الذين استشهدوا في أخميم ثمانية آلاف ومائة وأربعين شهيدًا، ودُفِنت أجسادهم في دير الشهداء بأخميم وتحتفل الكنيسة بتذكار استشهادهم أيام 29 و 30 كيهك والأول من طوبة , كما يتم الاحتفال سنويا فى 11 سبتمبر “أول توت” من كل عام بتطيب أجساد القديسين الشهداء بالحنوط وبحضورالآباء الرهبان والكهنة وجمع غفير من محبى الدير والتبارك بأجسادهم.