حظى قداسة البابا شنودة على قدر كبير من التقدير والإجلال من قبل الشعوب قبل قيادات العالم، على مختلف مشاربها، وهذا نظرا للمكانة والقامة، التي كان يتمتع بها قداسة البابا الحكيم، خلال حياته،
حظى قداسة البابا شنودة على قدر كبير من التقدير والإجلال من قبل الشعوب قبل قيادات العالم، على مختلف مشاربها، وهذا نظرا للمكانة والقامة، التي كان يتمتع بها قداسة البابا الحكيم، خلال حياته، وبعد إعلان خبر نياحته. فالبابا لم يكن مجرد سلطة روحية فقط للأقباط، وإنما نجح على مدار باباويته أن يأثر قلوب الأقباط والعالم بحكمته. وأطلق عليه مفتي فلسطين “بابا العرب” بعد أن أعلن أن المسيحيين لن يزوروا القدس إلا مع أخوانهم المسملين. تعيش مصر أزمة حقيقة ومرحلة حساسة بنياحة البابا الحكيم، يدركها الأقباط والمسلمون سواء، لأنه كان صمام الأمان والاستقرار والمحبة والسلام والحوار.
كل القوى السياسية في مصر قامت برثائه ونعيه. كما أن مختلف قادة العالم سارعوا بنعى بابا العرب الحكيم، وكان من بينهم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، والسلطان قابون بن سعيد سلطان عمان، والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، والرئيس بشار الأسد رئيس سورية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وغيرهم.
أوربا تنعي الزعيم الوطني
كانت نياحة قداسة البابا شنودة الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابع عشر، بمثابة الحادث الجلل، الذي اهتمت مختلف وسائل الإعلام في العالم بتناوله. ونرصد في هذا السياق بعضا مما كتب عن الموضوع. هنا أشارت صحيفة لا ليبرتيLa Liberté البلجيكية إلى نعى جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية، الذي وصف قداسة البابا بأنه زعيم ديني وطني، دافع عن حرية العقيدة.
وقالت يومية تريبون دي جينيف Tribune de Genève السويسرية أن بابا الفاتيكان بنواه السادس عشر “بندكت” أكد أن العالم والإنسانية فقدت قائدا روحيا مسيحيا من الطراز الأول. حامي الوحدة الوطنية وكشفت جريدة واشنطن بوست Washington Post الأمريكية عن تصريحات هيلاري كلينتون سكرتيرة الدولة الأمريكية للشئون الخارجية “وزيرة الخارجية”، التي شددت فيها على الدور القيادي لقداسة البابا في الدفاع عن الوحدة الوطنية في مصر.
ولم يختلف الحال بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن الإشادة بالبابا شنودة لمواقفه المشرفة والداعمة للقضية الفلسطينية، مثلما أكد الرئيس الفلسطيني. ورغم الإشادة الفسلطينية من قبل فتح وحماس بقداسة البابا، أعربت إسرائيل، وفق جريدة هآرتس Haaretz الإسرائيلة، في بيان عن وزارة الخارجية الإسرائيلية عن تعازيها في رحيل زعيم روحي بارز، لعب دورا محوريا في دعم علاقات التعايش والحوار في مصر.
مستقبل غامض وتيار متشدد
أما جريدة الفاينانشيال تايمز الدولية البريطانية ، فأشارت إلى أن قداسة البابا شنودة الثالث رحل في ظل ظروف صعبة وحرجة للغاية، بسبب سيطرة الإسلاميين على مقاليد السلطة، وحاجة الأقباط لقيادة حكيمة ومتزنة ورشيدة، تساعدهم على حسن التعامل مع مستقبل غامض ملء بالاستفزازت من قبل بعض قيادات التيار الإسلامي المتشدد. هذا وأعلنت وزير الخارجية الأوبية أشتون لوكالة الأنباء الفرنسية AFP وقناة أوروبا 1 Europe1- عن تعازيها، ودعت المصريين للحفاظ على الوحدة الوطنية، التي نجح قداستها في أن يحققها للمصريين.
بابا جديد يغرس المحبة والسلام
وأكدت صحيفة “لا كروا” La Croix الفرنسية أن مصر كلها من شمالها في الدلتا، حتى جنوبها في الصعيد، اجتمعت لمقابلة رمز عظيم، هو قداسة البابا شنودة الثالث، الذي تجمع عشرات الآلاف من المصريين المسيحيين لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه. مشددة على أن الحالة النفسية للمسيحيين أصبحت أكثر سوءا مع رحيل البابا الحكيم في ظل هيمنة الإسلاميين على السلطة.
وتساءلت الصحيفة بعد أن رحل البابا شنودة، بابا السلام والمحبة، هل يستطيع البابا الجديد أن يسد الفراغ الذي سيخلفه بطريرك في قامة البابا شنودة؟ وهل سيعمل النظام الحاكم على أن يلعب البابا الجديد دورا سياسيا مثلما كان الحال مع قداسة البابا المتنيح؟
لحظة تاريخية حاسمة وحساسة
وقالت يومية “ليبراسيون” Libération الفرنسية أن البابا شنودة الذي رحل عن عمر يناهز الثامنة والثمانين عاما، تربى في حبريته أجيال عديدة، على امتداد أكثر من 40 عاما، ترأس فيها شنودة، أكبر جماعية مسيحية في الشرق الأوسط، يتجاوز تعدادها عدد سكان دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط. مشيرة إلى أن الأقباط تهيمن عليهم مخاوف كبيرة من ظهور موجة جديدة من العنف الطائفي، في ظل تصاعد التيار الديني الإسلامي المتشدد، وهيمنته على السلطة، في ظل تسهيلات من قبل المجلس العسكري. مشيرة إلى أن الزيارة المفاجئة للمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم، ربما يكون في ظاهرها تقديم واجب العزاء والإطمئنان على خطوات الجنازة التي ستقام يوم الثلاثاء، إلا أنه في جوهرها ربما يكون التأكيد على قيادات الكنيسة القبطية على التوجهات العامة للشعب القبطية، مع قدوم مناسبات سياسية سيكون للأقباط موقفا منها، مثل انتخابات الرئاسية وصياغة الدستور الجديد.
صعود التيار الإسلامي
أوضحت جريدة لوموند اليومية Le Monde أن اختيار البابا الجديد سيخضع لقرعة هيكيلة إلهية، بعد التصفيات بين المرشحين، لمن بلغ الأربعين عاما وأمضي خمسة عشر عاما في حياة الرهبنة، ستكون التصفية النهائية بين أول ثلاثة مرشحين، ويختارها طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره. مشددة على أن السمة السائدة لدى الأقباط هي القلق، منذ سقوط نظام حكم مبارك، وسيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم. كما أن الأقباط يحتاجون خلال المرحلة القادمة لشخصية حكيمة تقودهم في تحديد موقفهم تجاه الرئيس القادم، وفي علاقتهم مع القوى الإسلامية المسيطرة، وفي الضغط للحصول على أكبر قدر من المكاسب فيما يتعلق بموقفهم في الدستور الجديد، الذي تهيمن القوى الإسلامية المتشددة على صياغته. التجارب تؤكد حكمته وأبوته
وقالت مجلة لوبوان Le Point الأسبوعية أن البابا شنودة، رغم ظروف المرض الطويلة بالكلي والعمود الفقري، كان عنصرا استيراتيجيا لضمان استقرار مصر، وكانت طريقته الهادئة في التعامل مع أصعب المواقف، ومنها أحداث ماسبيرو التي تصادم فيها قوات من الجيش بمتظاهرين أقباط أكبر دليل على حكمته في علاج الأمور. مشددة على أن الأقباط أصبحوا أكثر جرأة في التعبير عن مطالبهم في ظل سيادة حالة من التشدد والميل الديني للتيار الإسلامي. الاستقرار والوحدة مسئولية مشتركة
ولفتت الإنتباه مجلة لونوفل أوبزرفاتور Le Nouvel Observateur إلى حقيقة على القوى الإسلامية أن تدركها جيدا، وهي الرفض الدائم للجماعة القبطية لأي تدخل أجنبي غربي في شئون مصر، وهذا موقف يجب أن يشكروا عليه، خاصة وأن هذه الأقلية يتجاوز عددها أكثر من 10 ملايين نسمة، وحال تردي الأحوال بصورة لا يمكن تحملها، وفي ظل تشدد التيار الديني الإسلامي، لبعض مجموعاته، ربما تميل بعض جماعات الأقباط إلى طلب الدعم الخارجي، وهنا لن تنعم مصر باستقرارها، الذي طالما تم التغني به. وهنا تقع مسئولية كبيرة على البابا الجديد، للاستمرار في الحفاظ على طريقة نهج البابا المتنيح، للحفاظ على الوحدة الوطنية، إلا أنه يقع على عاتق أشقائهم في الوطن، من المسلمين مساعدته في ضمان استمرار انتماء الأقباط لفكرة الوحدة الوطنية واستقرار المجتمع المصري. قديس جديد لدير مجيد وأكدت جريدة لو ماتان المغربية Le Matin أن البابا شنودة سيتم دفنه في دير الأنبا بيشوى بمنطقة وادي النطرون، وأن وجود هذا القديس به، سيجعل من مزارا ومقصدا للملايين خلال العام الأول من نياحته، الأمر الذي سيزيد من شهرة المنطقة ورواجها تبركا بهذا القديس الجديد.
وكشفت قناة فرانس فان كاتر France 24 أن قداسة البابا شنودة الثالث، كان عظيما في روحانياته، وأبوته، وقيادته للكنيسة، وأن ملايين المسيحيين لم يصدقوا بعد أن “البابا قد مات”، وهذا سيلقي بعاتق كبير على البابا الجديد، خاصة إذا كان راهبا غير معروفا، أو لا يتمتع بالشعبية، حيث سيتغرق وقتا طويلا ليكتسب ثقة الأقباط.
البرلمان الإسلامي وتطمينات الأخوان
وأوضحت شبكة يورو نيوز الإخبارية Euro News أن الأزهر رد جميل مواقف البابا شنودة، في بيان قرأه صديقة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، ينعي في البابا ويؤكد وحدة مصر الوطنية مسلمين وأقباط، ليطمئن الأقباط على مستقبلهم في مصر بسبب مخاوف سببها تصرفات الكثير من الإسلاميين في البرلمان المصري الجديد. ولم يختلف حال جريدة الجارديان The Guardian البريطانية، بالنسبة لإشارتها إلى تصريحات قائد الإخوان المسلمين، المرشد محمد بديع، الذي نعى فيها البابا شنودة، باعتباره من آخر من اجتمع معهم، مشددا على أن الدين الإسلامي يؤكد أن النصاري “الأقباط” من أقرب الناس للمسلمين، وهم أخوة وأشقاء، يجب أن يأمنوا على نفسهم وحياتهم ومستقبلهم مع أشقائهم من المسلمين. الأقباط بين الهجرة والبابا الجديد في سياق متصل، تساءلت جريدة نيويورك تايمز New York Times الأمريكية عن مستقبل الكنيسة المصرية في العالم، خاصة وأن قداسة البابا شنودة المتنيح نجح في أن ينشر الأرثوذكسية في العالم الجديد وأوربا وأفريقيا. متساءلة هل تجود القرعة الهيكيلة ببابا جديد يحقق طموحات الأقباط في هذا الظرف التاريخي. مؤكدة أنه على المسلمين أن يلعبوا دورا مهما في اعلان خطاب تطميني للأقلية القبطية، حتى لا تزيد حركة الهجرة لخارج مصر، خاصة وأن البابا المتنيح عرف عنه وطنيته العظيمة وحبه الكبير لمصر. أما مجلة تايم Time فأكدت أن الأقباط يعيشون أياما سيئة، وأكثر المتفائلين يشعر بالضيق الكبير، خاصة وأنا البابا الحكيم رحل، والمستقبل غامض، والإسلاميون يهيمون على كل مقاليد السلطة، بما فيها لجنة تشكيل مستقبل مصر، لجنة صياغة الدستور، حيث يتمتعون فيها تقريبا بأغلبية مريحة.