ضج الشارع المصري برمته هذا العام بعد إرتفاع الأسعار بشكل جنوني، فبات التاجر غير راضٍ يشكو كساد السوق وتكدس بضاعته في المحال وإضطرار الأسر لشراء كميات أقل كثيرًا عن الأعوام السابقة بأسعار مرتفعة، بينما أنّت الأسرة المصرية بمختلف أطيافها في ظل تضاعف أسعار السلع هذا العام ولا سيما بعد تعويم الجنيه في نوفمبر المنصرم، وفي جولة لوطنى نت في حي عين شمس للوقوف علي أرض الواقع وبيان إذ ما كان ارتفاع الأسعار أمر حقيقي أم درب من المبالغة بين الأهالي وطمع في تحقيق الربح من قبل التجار، لاحظنا بالفعل حالة من خواء المحال التجارية ،حتى أن الشوارع قد فرغت تقريبا من المشترين إلا من عدد قليل منهم هنا وهناك، ينتشرون بين البضائع في محاولة منهم لنيل مستلزماتهم بأسعار أكثر رأفة علي بيوتهم.
ضجر وشكوى الأهالي وضيق ذات اليد:
فقالت لنا “أنجيل هاني”، أم لطفلين في المرحلة الابتدائية : تضاعفت الأسعار بشكل كبير هذا العام، حتى انني إضطررت للبحث عن عمل آخر أنا وزوجي لنتمكن من سداد مصروفات المدرسة التى ارتفعت علينا هذا العام، ناهيك عن أسعار الأحذية التي باتت لا تقل عن 150 جنيهًا، وعن الشنط حدث ولا حرج فقد ابتعت حقيبتى مدرسة بلغ سعريهما 700 جنيه، وزادت شكواها بعدما شرحت لنا كيف أن المدارس تتلاعب بهم عامًا تلو الآخر فتغير الزى المدرسي، أو تغير جزء منه مما يضطر الأهالي لإبتياع ملابس جديدة حسب الأسعار الجديدة التى يضعها التجار فوق رقابهم، مؤكدة أن “التي شيرت” المدرسي الصيفي بلغ 130 جنيه للسن الصغير، فيما ارتفع عن هذا السعر لأعمار الإعدادى والثانوي، مشيرة أيضًا الي تضاعف أسعار الورق والكشكول المدرسي بشكل كبير عن العام السابق، حتى انها وزوجها باتا يلهثا في محاولة مضنية لتوفير حاجيات ابنائهما دون الحاجة للإستدانة.
ولم تقل شكوي “هبة ذكى، أم لطفلين في المرحلة الابتدائية، والاعدادية” عن شكوى سابقتها من ارتفاع الأسعار الجنوني في ظل ثبات المرتبات علي ما هي عليه، فجاءت شكواها متضمنه الأسباب السابقة كلها، مضيفة عليها محاولة استغلال أصحاب السيارات الخاصة التى تقوم بتوصيل أبنائها للمدرسة، مؤكدة أن السائق خاصتهم “هشام محمد” قد قام بلي ذراعهم لرفع الأسعار 100 جنيه للطفل عن العام السابق متحججًا بإرتفاع أسعار البنزين، مؤكدة أن المسافة ما بين المدرسة والمنزل لا تتجاوز العشر دقائق إلي خمس عشرة دقيقة، وهى المسافة التى لا تستوجب مطلقًا دفع 300 جنيه شهريًا للطفل، إلا أنهم مرغمون علي قبول هذا النوع من الابتزاز الرخيص الذي بات يمارسه كل شخص في هذه المنظومة.
بينما ضجر “ممدوح ناشد، أب لثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة” من هذا الإرتفاع الهائل والذي ظهر علينا دونما رقيب علي الشارع المصري ودونما رادع لما يمارسه علينا التجار من ارتفاعات سعرية مبالغ فيها، مؤكدًا أن ما يتم عرضه في الشارع اليوم هي البضائع ذاتها التى اختزنها التجار من الأعوام السابقة، وليس من جديد فيها، ولكنهم قد وضعوا عليها أسعار جديدة مرتفعة بل ومتضاعفة عن سابقتها، رامين كل التهم علي تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار والمشاكل الاستيرادية، وهو الأمر الذي بات مضنيًا ومرهقًا علي كل بيت مصري في ظل عام دراسي جديد.
– التجار أيضًا يشتكون كساد بضائعهم وخسائرهم:
وفي السياق ذاته، جاءت شكوي التجار عالية ضاجرة مما يحدث هذا العام مؤكدين كساد بضائعهم
فجاءت شكوي “محمد مصطفى” عامل بأحد محال الشنط المدرسية الكبيرة، مؤكدًا علي ارتفاع الاسعار بنسبة 90% عن العام السابق ، فيما أكد أن الأسعار هذا العام قد تراوحت ما بين ال250 جنيه للحقيبة المدرسية رديئة الخامات “الشعبية” وحتى 1200 جنيه لبعضها، فيما تراجع عدد المشترين بشكل كبير جداً عن الأعوام السابقة، وهو ما يشكل عبء كبير علي كاهل الأسرة، في الوقت ذاته الذي تسبب في خسائر فادحة لنا هذا العام، مؤكدًا أننا لم نشعر بموسم دراسي علي الإطلاق، في الوقت الذي كان من المفترض أن تكتظ المحال بالأهالي لإبتياع مستلزمات أبنائهم، فيما أكد “مصطفى” صاحب لمحل حقائب مدرسية وأحذية “كوتشي” ما قاله سابقه من كساد في السوق لهذا العام مشيرًا إلي أن أسعار الحذاء اللازم لطفل صغير يتراوح ما بين 180 جنيه للشعبي ويصل إلي 400 جنيه، بما يتوافق مع مستوى المنطقة والمستوى المعيشي لأهلها، إلا أنه وعلي الرغم من محاولة التجار لتقليل هامش ربحهم ليتمكنوا من التخلص من بضائعهم وعدم تركها بالمخازن للعام القادم،لكن هذا لم يمكنهم من بيع بضائعهم بشكل مرضى لهم، بل وتصاعدت شكواهم في الشارع، عاذرين الأهالي علي ما يتكبدونه من معاناة، وراجين تحقيق بعض ربح لهم.
كما أكد “الحج محمود” “صاحب فرش لبيع الزمزمية واللانش بوكس والمقلمة” أن الاسعار ارتفعت ببما يتراوح 50% إلي 60% عن العام السابق، مشيرًا إلي أن زمزمية المياه بدأت من 15 جنيه ووصلت الي 100 جنيه في بعضها، بينما تراوحت أسعار اللانش بوكس ما بين ال 40 جنيه وحتى 200 جنيه، بينما بلغت أسعار المقلمة المدرسية ما بين ال10 جنيهات وحتى ال 50 جنيه، لافتًا إلي أنه وعلي الرغم من ارتفاع الاسعار إلا أن الأهالي مجبرون علي الشراء بهذه الأسعار لتلبية حاجات ابنائهم.
بينما لفت “رامى عاطف” صاحب محل الخضراء لبيع الملابس المدرسية علي ارتفاع أسعار الملابس لهذا العام عن العام السابق بنسبة تراوحت ما بين 50% إلي 70% لنفس المنتج الذي كان يباع العام الماضي، بل وبعضها جاء بخامات أقل جودة، مشيرًا إلي أن القميص المدرسي تراوح ما بين 75 جنيه وحتى 150جنيه، فيما جاء سعر البنطلون والجيبة المدرسية ما بين ال 70 جنيه وحتى ال 100 جنيهًا، فيما أكد أحد العاملين بمحل البدراوي لبيع الملابس المدرسية أيضاً “اليونيفورم” لبعض المدارس الخاصة واللغات أن الأسعار تضاعفت عنها في العامين السابقين، فقد بلغ سعر “التى شيرت” الصيفي ما بين 90 الي 140 جنيه، فيما بلغ سعر “التى شيرت” الشتوي ما بين ال 130 وحتى ال 160 جنيه، بينما جاءت أسعار البنطلونات والمرايل والجيبات المدرسية بين ال 80 جنيه وحتى 110 جنيه، وبلغ سعر ترنج الألعاب 180 الي 220 جنيه وفق المرحلة الدراسية، بينما جاء سعر الجاكيت المدرسي نحو 130 وحتة 170 جنيه، وهو ما اضطر الأهالي الي محاولة البحث عن منافذ أخري ولو بخامات أقل ،أو ابتاع عدد أقل من الأطقم المدرسية التى يحتاجها الطفل لخفض حجم التكلفة وعبء الاسعار عنهم.
وعليه فقد لفتنا ضجر “علاء المغازى” صاحب مكتبة لبيع المستلزمات المدرسية والكتب الخارجية والملازم المدرسية من الأسعار مؤكدًا أن الأسعار تضاعفت هذا العام بالفعل، بينما يتم تحقيق هامش ربح أقل، بل أكد علي أن ورق الكشاكيل جاء أردأ وكذلك الورق المستخدم في الكتب الخارجية، مشيرًا إلي ارتفاع أسعار الورق بنسبة 100%، حيث أشار إلي أن سعرالدستة الكراسة28 ورقه تراوح ما بين 24 جنيه وحتى 38 جنيه للجملة، بينما سعر الدستة للكشكول 60 ورقة تراوحت ما بين 25 جنيه وحتى 48 جنيه ، بينما بلغ سعر القلم الرصاص من 2.5 وحتى 3.5، ودستة الجلاد بلغت 22 جنيه، وجلاد الكتاب المدرسي ارتفع من 17 جنيه وبلغ 25 جنيه هذا العام، كما بلغ سعر القلم الجاف ما بين 1.5 جنيه وحتى 3.00 جنيه وأكثر في بعض الأنواع الأخري، وسعر”مصحح الكتابة، كوريكتور” بلغ من 7جنيه وحتى 12 جنيه، بينما ارتفعت اسعار البراية والاستيكة وغيرها من المستلزمات المدرسية حتى الشعبية منها، فيما ارتفعت اسعار الكشكول السلع ليبلغ من 8 جنيهات وحتى 35 جنيه في بعضها، مؤكدًا علي ارتفاعات اسعار الكتب الخارجية نحو 30% إلي 50% للمدارس العربي، بينما وصلت حتى 70% للكتب الخارجية للمدارس اللغات، مشيرًا إلي أن الأهالي صاروا يبتاعون عدد أقل كثيرًا نظرًا لإرتفاع الأسعار.
– الغرف التجارية: 500 مليون دولار فاتورة استيرادية لمستلزمات المدارس هذا العام:
أكد بركات صفا رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال بالإتحاد العام للغرف التجارية علي أن الفاتورة الاستيرادية لمستلزمات المدارس هذا العام بلغت 500 مليون دولار، منها نحو 220 مليون دولار خاصة بالحقيبة المدرسية، مؤكدًا علي بدء الموسم الدراسي منذ أغسطس الماضي، إلا أن السوق يشهد حالة من الركود التام، ولا سيما بعد تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، مما أدى إلي ارتفاع الأسعار بشكل جنوني شكل عبئًا هائلًا علي الأهالي.
فيما أشار إلي أنه ومع ارتفاع الأسعار بدأ ظهور بعض الاعتماد علي المنتج المحلي فيما يتعلق بالأقلام والكشكول والكراسة، نظرًا للإنخفاض النسبي لأسعارها، مقارنة بأسعار المنتج المستورد في ظل ضعف القوة الشرائية وارتفاع أسعار جميع السلع والمصروفات المدرسية.
مؤكدًا علي أن السوق يعتمد بشكل كبير جدًا علي الحقيبة المدرسية المستوردة ،ولا سيما أن الشنطة المحلية ذات طابع عشوائي مما يجعل الطالب المصي لا يفضلها، وبالتالي ارتفاع سعر الحقيبة المستوردة وربما تضاعف اسعار هذا العام.
مشيرًا إلي أن ارتفاع أسعار الشنط المستوردة بشكل مبالغ فيه يعود إلي ارتفاع الرسوم الجمركية عليها وزيادة نسب التثمين فمثلا الحاوية التي كانت تدفع جمارك تصل إلي300 ألف جنيه أصبحت تدفع ما يقارب المليون جنيه اليوم بعد تعويم الجنيه المصري، بالرغم من أن هذه السلع تعتبر من السلع الضرورية وليست الترفيهية.
-اقتصاديون: عزوف الأهالي عن الشراء، ولا بد من إيجاد حلول جذرية وإحكام الرقابة علي السوق:
يقول “أ.د/ أدهم نور الدين” أستاذ الإقتصاد بالجامعة الأمريكية: أن هناك عناصر مشتركة في كل السلع المصرية أدت إلي ما يعرف بثورة زيادة الأسعار ،لعل أهمها عدم استيعاب السوق الإقتصادى عقب مرحلة التعويم التي أخذتها الحكومة في 3 نوفمبر الماضي وصعود الدولار من 8.88 جنيهاً إلي حيز متوسطه 18.00 جنيهًا وبالتالي حدثت طفرة أخيرة في كل أسعار السلع المستوردة التي منها جميع مستلزمات المدارس، ويأتى العنصر الثانى في ضريبة القيمة المضافة التي بلغت في مجملها نحو 23% بالإضافة إلى التطور الهائل في سعر الدولار الجمركى والذي بلغت قيمته 16.5 جنيه، وهناك عنصر آخر يتعلق بجشع التجار وسياسة الإحتكار، وتعد هذه العناصر السابقة عوامل مشتركة في كل السلع التي لها علاقة بالفاتورة الإستيرادية، وهناك عنصر هام يأتى منفردًا ويؤثر بشكل قوي وسريع علي السلعة لعله يتلخص في ما يعرف بالسلعة الموسمية وهذا يأتى في الفترة ما بين منتصف شهر أغسطس وحتى بدايات شهر نوفمبر من كل عام، فنجد هناك زحام إجباري علي كل من مواطنى الشارع المصري علي محال وأكشاك باعة الملابس والأحذية والحقائب والأدوات المدرسية، مما يدفع تجار هذه السلع إلي محاولة جماعية لتحصيل أعلي هامش ربح خلال فترة وجيزة وبالتالي يشكل الأمر برمته عبء علي كاهل كل أطياف الشعب المصري عامة وعلي محدودى الدخل والطبقة المتوسطة بصفة خاصة.
بينما يقول د/رشاد مبروك أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية: إن المشكلة باتت واضحة المعالم والعناصر من خلال طفرة سوق العملة وجشع التجار وارتفاع اسعار الخامات، فمن الأولى أن نبحث عن حلولًا جذرية لعلاج المشاكل الإقتصادية والحد من تفاقم الطفرة في أسعار السلع وذلك لا يتحقق إلا من خلال المنظومة الإقتصادية ودفع عجلة الإستثمار في طريقة تلبية احتياجات الشارع المصري كبديل أساسي عن استيراد السلع التى نملك كل آليات وأدوات تصنيعها من مواد خام وأيدي عاملة وبشكل أدق لا بد من إنشاء مصانع تمتلك خطوط انتاج لتصنيع كافة أدوات المدارس ومستلزماتها وهي مصانع غير مكلفة إلي حد كبير فنحن نمتلك منطقة الروبيكي التى يمكن استغلالها لتطوير صناعة الأحذية والجلود وكذلك الشنط التى تصنع من الجلد الطبيعي، كما نمتلك كثيرًا من المصانع في المناطق الصناعية مثل برج العرب ومنطقة مبارك الصناعية بقويسنا والمنطقة الصناعية بالسادات والعاشر‘ فلا بد لنا من توظيف هذه المناطق وتوجيهها استثماريًا لسد الفجوة بين الاستيراد والطلب وذلك في صناعات شتى منها صناعة الشنط ذات الألياف الصناعية، وهناك مصانع أخري توقفت نتيجة للخسائر مثل راكتا لصناعة الورق و غيرها، لذا لا مناص من إعادة النظر والهيكلة لتشغيل هذه المصانع حيث أنها تمتلك جزء كبير من آليات العمل وذلك من أجل حل مشكلة إستيراد الورق في مصر، أضف إلي ذلك مصانع ملحقات أدوات مدرسية، مثل الأدوات الكتابية وما إلى ذلك، ولعل لنا داعم أساسي يأتى نتيجة الزيارات الأخيرة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي ونذكر هنا توجهاته تحديدًا لإقامة شراكات واتفاقيات مع عمالقة الاقتصاد في العالم من الشراكات الصينية، حيث أن معظم الأدوات المدرسية هي استيراد صينى، فلو نجحت مصر في إقامة خطوط انتاج مشتركة علي الأرض المصرية مع الجانب الصينى لتوفير تلك السلع من المؤكد أن الأمر برمته سيصب في النهاية في مصلحة الشارع المصري.