عندما جاء المساء بعد يوم من العمل والخدمة، دعا يسوع تلاميذه للذهاب إلى العبر. دخلوا السفينة معه متجهين نحو الجانب الآخر من بحر الجليل. لكن الأحوال الجوية تغيرت. بدأت الريح خفيفة لكن مع مرور الوقت إزدادت شدة وصارت نوء ريح عظيماً
عندما جاء المساء بعد يوم من العمل والخدمة، دعا يسوع تلاميذه للذهاب إلى العبر. دخلوا السفينة معه متجهين نحو الجانب الآخر من بحر الجليل. لكن الأحوال الجوية تغيرت. بدأت الريح خفيفة لكن مع مرور الوقت إزدادت شدة وصارت نوء ريح عظيماً، كما يقول الكتاب المقدس: “حَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ.” تعلو السفينة مع الموج لأمتار ثم تهوي، وهي تهوى تصدمها من الجانب أمواج أخرى فتشرف على أن تنقلب. تضرب الأمواج السفينة بشدة فتميل هنا وهناك ويجد الماء طريقه إليها حتى صارت السفينة تمتلئ. حاول التلاميذ أن يتحكموا في السفينة لكنهم فقدوا السيطرة على الموقف. مع مرور الوقت خارت قواهم وصارت ثيابهم مبتلة، صوت الريح الشديدة يزمجر في آذانهم فيثير فيهم الذعر، والنوء لا يهدأ والسفينة تمتلئ بالمياه. يدرك كل واحد في أعماقه أن هذه هي النهاية، إنهم هالكون لا محالة.
إننا نعيش موقفاً يشبه كثيراً ما عاشه التلاميذ قديماً. نحن في وسط أزمة سياسية، قانونية، أمنية، إقتصادية شديدة. لقد باءت كل المحاولات البشرية بالفشل وسط خضم عاصف من الصراعات والإتهامات والتخوين، والأزمة تزداد كل يوم تعقيداً وتدهوراً فنغرق أكثر في دوامتها. نشعر بتعب وإجهاد فليس فينا قوة بعد على الجهاد. الخوف يتملكنا، فقدت الحياة طعمها، ولم يعد معنى للبقاء. إلى من نذهب وأين المخرج؟ يسعى البعض لترك الوطن لبلاد أخرى واعدة وأكثر أمناً، لكن تبقى الغالبية لتواجه هذه الأيام العصيبة وهي تشعر أن لا حول لها ولا قوة.
عندما وصل التلاميذ إلى نهاية قدراتهم الإنسانية لم يبقى أمامهم سوى طلب العون من يسوع. فهرولوا نحوه صارخين “أما يهمك أننا نهلك.” تعبر صرخة التلاميذ عن شعور الكثيرين منا. إنها صرخة يائس أظلمت الحياة حوله، وبمخاوف تتملكه يشكو الله لتركه إياه في محنته. يارب “أما يهمك أننا نهلك.” أين حبك الذي سمعنا عنه وإختبرناه في مواقف سابقة؟ لماذا تبدو وكأنك لا تبالي أو تهتم؟ أين وعودك بالعناية والرعاية والحفظ والبركة؟ لماذا تبدو صامتاً وسط زئير التهديد المحيط بنا والمخاطر التي تهدد وجودنا؟
رأى يسوع وجوه تلاميذه الشاحبة ونفوسهم الخائفة وأجسادهم المرتعشة، فإنتهر البحر والريح فصار هدوء عظيم. هدأت نفوسهم الخائفة وجلسوا في صمت، أنظارهم تنتقل بين يسوع وماء البحر الساكن. كل يفكر في أعماقه متحيراً، إن الريح والبحر أيضاً يطيعانه، ترى من هو هذا. تعجب ورهبة يتملكان التلاميذ. ينظر إليهم يسوع مرة أخرى وبصوته الهادئ الذي يبعث في النفس سلاماً وتشجيعاَ يقول لهم: “ما بالكم خائفين هكذا. كيف لا إيمان لكم.”
إن الله الذي نظنه لا يهتم ولا يتدخل سوف يصنع خلاصاً عظيماً لشعبه. وعندما يصنع هذا في وقته حسب حكمته المتناهية سوف نقف في إندهاش ورهبة نتعجب من عظم أعماله وكمال مراحمه. عندئذ سنعرفه كما لم نعرفه من قبل. ستصبح عجائب آياته ليست قصصاً نسردها عن الأقدمين بل خبرتنا نحن التي نعيش أمجادها.
عندما نقرأ بقية القصة كما يذكرها الكتاب المقدس نكتشف الهدف الآخر الذي جعل يسوع يدعو تلاميذه لعبور البحيرة وإجتياز هذه المغامرة الخطيرة. كان يسوع يستهدف شفاء مجنون كورة الجدريين ويحرره من سيطرة الأرواح الشريرة عليه، وبالتالي يعطي لمجتمع قريته أمناً وسلاماً. لم يفهم تلاميذ يسوع هدف العبور كما لا نفهم نحن الآن لماذا كل هذا العناء الذي يسمح به الرب في حياتنا. لكننا سنكتشف فيما بعد، كما إكتشف التلاميذ، الخلاص والإصلاح الذي سوف يأتي به الرب لمجتماعاتنا.
في وسط العاصفة الحالية نشعر بالخوف الشديد. إن ما نحتاجه أن نتشدد في إيماننا ناظرين للرب برجاء. إن خلاصه آت مهما طال الوقت، ومعه يُستعلن مجده لنا ولكثيرين من حولنا. لذلك “شَدِّدُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ، وَالرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. قُولُوا لِخَائِفِي الْقُلُوبِ: «تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلَهُكُمُ. .. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ».