فى خضم المشغوليات والاعباء المتراكمة وفى ضعف طبيعتنا كثيراً ما تكون افعالنا وردود افعالنا خشنة. والحق ان واحداً فقط هو الذى يتحمل منا بطول اناة هذا الضعف فى حياتنا ليرد لنا قساوة تعاملاتنا برقة واندفاعنا وتهورنا بصبر وجحودنا بكرم.. انه الله وحده الذى تخجل انفسنا امام رقته اللطيفة وتصغرنفوسنا امام محبته الجزيلة.. فنهمس فى حضنه مع يعقوب ابو الأباء ونقول: “صغير انا عن جميع الطافك” (تك 32 : 10). هو الله فى كماله، يحمل اثقالنا وضعفاتنا وقلة خبرتنا فى السلوك القويم. اما العالم فلا يحتمل بل احياناً يرد حتى الطيبة بجحود كما قال المرنم “انتظرت رقة فلم تكن” (مز 69 : 2).
وان كنا لا ننتظر من العالم رقة صادقة لكننا مع ذلك مطالبون ان نعامل كل العالم بلطف، نأخذ من لطف إلهنا ورقته فى تعاملاته معنا لنتعزى نحن ونقدم منه للآخرين. فلو لم يجد فينا العالم هذا السلوك ففي من سيجده “من قال انه ثابت فيه ينبغى انه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو ايضاً” (1 يو 2 : 6) .
كل انسان يحتاج إلى المعاملة اللطيفة، فالحياة فيها من الشقاء والسعى والكد والمشاكل فيها ما يكفيها، وكلٌ يتمنى لو ان كل البشر عاملوه برقة ولطف.. قال شيخ حكيم: [ان فضيلة اللطف مطلوبة فى كل تعاملاتنا اليومية، إن تعاملت مع انسان بدونها ينفر منك وإن عاملت به حيوان استأنسته، حتى الجماد يحتاج الى رقة فى التعامل ليعمر معنا.] الخليقة كلها من صنع الله مفطورة على الهدوء بمن فيها من بشر تحتاج الى التلطف والرقة لدوام المودة الأخوية.
وحين خاطب الله ايليا لم يكلمه من الريح العظيمة الشديدة التى شقت الجبال ولا من الزلزلة ولا من النار بل من الصوت المنخفض الخفيف.
والحق اننا كثيراً ما نهمل هذه الفضيلة فى حياتنا ولعل عدم اهتمامنا يرجع إلى اننا لا نضع فى اعتبارنا انها واحدة من مطالب الحياة الروحية ربما نعتبرها مجرد سلوك اجتماعى لا علاقة له بالحياة الروحية لنا الاختيار ان نسلك او لا نسلك فيه، مع انه يعتبر من دلائل الترجمة العملية للحياة المسيحية.
الحياة المسيحية لابد ان تكون لها ثمارها التى يراها العالم فينا “من ثمارهم تعرفونهم لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثماراً ردية” (مت 7 : 16 – 18) لابد ان نعلن للعالم عن الروح الوديع الهادى الذى هو قدام الله كثير الثمن. من غير المعقول اننا نؤمن بشخص المسيح الوديع ويكون ايماننا فى اتجاه وسلوكياتنا فى اتجاه آخر “أرنى ايمانك بدون اعمالك وانا اريك بأعمالى ايمانى” (يع 2 : 12) يكفى انه من اهمية اللطف ان القديس بولس يذكره كثمرة من ثمار الروح القدس كدليل على اتحادنا الفعال بروح الله “اما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف.” (غل 5 : 22)
لو وضعنا فى اعتبارنا انها وصية إلهية من صميم الحياة الروحية لما تركناها للمزاج والهوى الشخصي بل اضع نفسى تحت التدريب و ضبط النفس مهما كانت الاحوال والظروف كما يقول القديس يوحنا الدرجى: [الوداعة خلق لا يتغير حاله واحد فى الاهانات و الكرامات.]