اهتمامه بالأشياء الصغيرة..وحتي بالطير وبالحيوان أيضا
تحدثنا في العدد الماضي عن محبة الله التي يعبر عنها اهتمامه بالأشياء الصغيرة,أو بما يبدو صغيرا في أعين الناس.ومن ذلك اهتمامه بالأطفال,وبالصغار في المواهب,وصغار النفوس,وصغار المركز,وبالقطيع الصغير.ونذكر اليوم:
اهتمام الرب بالصغير في القيمة,وفي العدد…
في معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات والسمكتين,نري أن الرب أمسك هذا القليل في يده,وباركه فصار كثيرا يمكنه إشباعخمسة آلاف رجل غير النساء والأطفالمت14:21.علي أن العجيب أيضا,هو قول الرب لتلاميذهأجمعوا الكسر الفاضلةيو6:12ما قيمة هذه الكسر يارب حتي تهتم بها؟!
إنه شيء معز حقا,أن يهتم الرب بهذه الكسر الملقاة…
ويأمر تلاميذه القديسين أن يجمعوها في قفف ويحملوها!!
لذلك ,قل لهيارب,إن كنت قد اهتممت بهذه الكسر,فعلي الأقل تهتم بإنسان مثلي,ملقي علي الأرض مثلها,ليحمله لا رسول من رسلك,إنما واحد من تلاميذ تلاميذهم مهما صغر!!
نلاحظ بالنسبة إلي الخمسة خبزات أنها كانت من شعيريو6:9وقيمته أقل من القمح بلا شك.ولكن الرب لم يحتقر هذه القيمة الأقل,بل منحها بركة إشباع الناس. كذلك تقبل هذه الأرغفة من فتي صغير Alad فيرينا في كل ذلك بالصغار.
نفس مباركة العدد الصغير وردت في معجزة أخري لإشباع أربعة آلاف رجل غير النساء والأطفال من سبعة أرغفةوقليل من صغار السمكمت15:34-38.وجميل هنا أن تجتمع كلمةقليلمع كلمة صغار,لتري منهما كيف أن محبة الله لاتحتقر القليل ولا الصغير بل تعمل بكليهما عملا.
لعل هذا يذكرنا بانتصارات سمح بها الرب,بالقليل وبالصغير…
داود الفتي الصغير,كان محتقرا أمام جليات الجبار. ولكنه لم يكن كذلك أمام الله المحب,الذي قيل عنهليس عند الرب مانع عن أن يخلص بالكثير أو بالقليل1صم14:6.بل كثيرا ما يخلص الرب بالقليل,كما فعل مع الفتي داود.ذلك لأنالحرب لرب1صم17:47والرب يحب أن يختار الصغار…ويجعل من داود الصغير بطل الموقف,أكثر من شاول الملك.ويهتف النسوة بالألوف لشاول ,وبالربوات لداود1صم18:7.ويمجد الرب هذا الفتي الصغير في أعين الكل.
ولنا مثال آخر في قصة انتصار جدعون علي المديانيين.
كان مع جدعون جيش من 32 ألفا من الجند.ولكن الرب لم يشأ أن ينتصر جدعون بهذا الجيش الكبير,لئلا يفتخر إسرائيلقض7:3,2وأمر بعمل تصفية للجيش,حتي وصل العدد إلي ثلاثمائة فقطأي1% فقط من عدد الجيشقض7:7وبهؤلاء فقط,صنع الرب خلاصا,بهذا العدد الصغير…
اختار الرب اثني عشر رسولا,لينشر بهم الإيمان..
نعم ,بهذا العدد القليل,الذين قال لهمتكونوا لي شهودا في أورشليم,وكل اليهودية,والسامرة,وإلي أقصي الأرض1ع1:8وحتي لو أضفنا إليهم السبعين تلميذالو10ماذا يكون هذا العدد الصغير,ليكرز بالإنجيل للخليقة كلها؟!مر16:15ولكي يتلمذوا جميع الأمم ويعلموهم ويعمدوهم مت28:20,19.
اهتمام الرب بالأشياء الصغيرة,نجده أيضا في أمثلة التوبة:
الدرهم المفقود مثلا,ما قيمته حتي توقد صاحبتهأي الكنيسةسراجا,وتفتش باجتهاد حتي تجده!ومتي وجدته تدعو الصديقات والجارات,قائلة أفرحن معي,لأني وجدت الدرهم الذي أوضعتهلو15:9,8
إنه ليس دينارا,ولا قطعة ذهبية,ولا حتي فضية..بل هو مجرد درهم…ولكن محبة الله تشمل الصغار مهما كانت قيمتهم تبدو ضئيلة:
إن اهتمام بالرب بالنفس الواحدة,دليل علي محبته الفائقة:
حتي لو كانت نفس زكا العشارلو19أو مريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطينلو8أو حتي لو كانت نفس المرأة المضبوطة في ذات الفعليو8..أو كانت نفس ذلك الخروف الواحد الضال,الذي من أجل إرجاعه ترك التسعة والتسعين,وبحث عنه حتي وجده,وحمله علي منكبيه فرحا,ودعا الأصدقاء والجيران ,قائلا لهم افرحوا معي…لأنه يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطيء واحد يتوبلو15:4-10.
محبة الله تعطينا فكرة عن قيمة النفس الواحدة قدامه…
حتي لو كانت ضالة فوجدت,أو ميتة فعاشتلو15:32,24.
إنه لايهتم بالنفس فقط,بل أيضا بكل ما يتعلق بها..
انظروا كيف يطمئن تلاميذه قائلا:أما أنتم فحتي شعور رؤوسكم جميعها محصاة..فلا تخافوامت10:30-31لو12:7.
إن الله لم يقصر محبته علي الإنسان وحده,بل اهتم بالخليقة كلها:
هوذا يقول عن عنايته هذه:تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو:لا تتعب ولا تغزل.ولكن أقول لكم ولا سليمان في كل مجده,كان يلبس كواحدة منهامت6:29,28.نعم,ما هذا الجمال كله الذي وهبه الله لهذه الزهور والورود,في متنوع ألوانها وفي رائحتها,وفي مقدار العطر المخزون فيها,والشهد المأخوذ منها..!!
ثم ما أعجب اهتمام الرب بالطير…
قال الربأليس عصفوران يباعان بفلس,وواحد منها لايسقط علي الأرض بدون أبيكممت10:29
هذه العصافير التي ثمنها زهيد جدا,لا يسقط واحد منها علي الأرض بدون سماح من الله الآب..فإن كان عصفوران بفلس,يكون أربعة منها بفلسين ولكنه يقول أليست خمسة عصافير تباع بفلسين,وواحد منها ليس منسيا أ مام اللهلو12:6.أي أن الواحد الذي يمكن أن يوهب مجانا في سعر الجملة,إذا اشتري منها الشاري بفلسين…هذا الواحد الذي لاقيمة له ولاثمن,ليس منسيا أمام الله…ما أعجب الله في حنوه.فإن كانت هكذا عنايته بالعصافير,فكم بالأولي البشر الذين هم أفضل من عصافير كثيرةلو2:7.
ونضرب هنا مثالين لعناية الله بالطير…
يقول الربانظروا إلي طيور السماء:إنها لاتزرع ولاتحصد,ولاتجمع إلي مخازن,وأبوكم السماوي يقوتها.ألستم بالحري أفضل منهامت6:26لو12:24ويقول المزمور عن الربالمعطي البهائم طعامهاولفراخ الغربان التي تدعوهمز147:9.
في إحدي المرات وأنا في الدير,أخذت درسا عن إيمان وقناعة العصافير…
كنت واقفا أمام قلايتي.وكانت حفنة أو أكثر من القمح قد وقعت علي الأرض.وجاءت العصافير :كان كل عصفور يلتقط حبتين أو ثلاثا,ويطير تاركا هذا الكنز من الطعام مكانه,وله إيمان أن الله سيقوته حيثما طار.وهنا تذكرت قول الرب عن العصافيرولاتجمع إلي مخازن…حقا إن إيمان العصفور أعمق بكثير من اجتهاد النملة…هذه العصافير التي لاتهتم بما للغد,ولا بما لباقي اليوم.
أما عن حماية الله للعصافير:
فيعجبني جدا قول المزمورنجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين.الفخ انكسر ونحن نجونا.عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرضمز124:8,7…حقا لايسقط واحد منها بدون أبيكم…
وهناك لمسة حنان يقولها الرب بالنسبة إلي الطيور…
يقول في سفر التثنيةإذا اتفق قدامك عش طائر في الطريق,في شجرة ما أو علي الأرض,فيه فراخ أو بيض,والأم حاضنة الفراخ أو البيض.فلا تأخذ الأم مع الأولاد.أطلق الأم وخذ لنفسك الأولاد,لكي يكون لك خير وطول أيامتث22:7,6نلاحظ أن هنا وعدا بالبركة ,لمن تكون له هذه اللمسة الإنسانية.ولعل اهتمام الله الحنون بالمشاعر التي بين الأم والأولاد في عالم الحيوان,قوله أيضالاتطبخ جديا بلبن أمهخر23:19.
أما شفقة الله علي الحيوان,فلها أمثلة عديدة جدا:
لعل من أ قدم أمثلتها أنه أدخل جميع الحيوانات إلي الفلك,اثنين من كل,ذكرا وأنثي,لاستبقائها,سواء من الحيوانات الطاهرة أو غير الطاهرةتك6:19-21
وأخذ نوح معه طعامها في الفلك ولكي لا تنقرض الحيوانات الطاهرة التي ستقدم منها الذبائح والمحرقات,أخذ منها سبعة سبعة,ذكرا وأنثيتك7:3,2.
ومن اهتمام الله بالحيوان شفقته علي حمار بلعامعد22.
ومن شفقة الله علي الحيوان إراحته في اليوم السابع…
وفي ذلك قال الرب في الوصايا العشروأما اليوم السابع,فسبت للرب الهك.لاتعمل فيه عملا ما,أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وثورك وحمارك وكل بهائمكتث5:14.كما أن الإنسان يتعب ويحتاج إلي يوم راحة في الأسبوع ,كذلك عبده ,وبهائمه.
بل بلغ الأمر في رحمة الله بخليقته أن منح الراحة للأرض أيضا…
وهكذا قال ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها أما في السابعة فتريحها,وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها وحوش البرية.كذلك تفعل بكرمك وزيتونكستة أيام تعمل عملك.وأما اليوم السابع,ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك,ويتنفس ابن أمتك والغريبخر23:10-12.
وهنا نري أن الرب في محبته وحنانه,قد منح الراحة للإنسان والحيوان والأرض.وبالنسبة إلي الإنسان منها لأهل البيت وللغريب وللعبيد.
ما أكثر الأمثلة التي تظهر حنو الله علي الحيوان,نذكر منها قوله:لاتحرث علي ثور وحمار معاتث22:10.
الثور بلا شك أقوي من الحمار,وأشد,وأسرع منه حركة,فإن حرث معه,سيرهقه تماما,لأن الحمار لايستطيع أن يجاريه.والله لايريد للحمار هذا الإرهاق,إشفاقا عليه وحنوا.
ولذلك عندما دخل أورشليم يوم أحد الشعانين ,قيل عنها هوذا ملكك يأتيك وديعا راكبا علي أتان وجحش بن أتانمت21:5.ذلك لكي يريح أحدهما الأخر.ربما يركب الأتان في الطرق الصعبة,والجحش في الطرق السهلة.وما أكثر تواضع الرب في قوله عن هذين الحيوانين:قولا أن الرب محتاج إليهمامت21:3.
ومن حنان الرب علي الحيوان قولهلا تكم ثورا دارساتث25:4…
الثور في وقت دراسة الفول أو القمح أو الشعير,يجهد فيجوع ,فيمد فمه إلي الحبوب ويـأكل منها,ليأخذ طاقة تساعده علي إكمال عمله.وهنا يأمر الله أن لا توضع كمامة علي فم الثور تمنعه من الأكل أثناء العمل وبذل الجهد..!ما هذه المحبة والحنان!
ومن حنان الله,لإ نقاذ الحيوان إن وقع…
وفي ذلك يقوللاتنظر حمار أخيك أو ثوره واقعا في الطريق وتتغاضي عنه ,بل تقيمه معه لا محالةتث22:4.بل يقول أكثر من هذا:إذا رأيت حمار مبغضك واقعا تحت حمله وعدلت عن حله, فلابد أن تحل معهخر23:5.
وهنا يأمر بمحبة الحيوان,وأيضا بمحبة العدو.
بل من أجل إنقاذ الحيوان,يوجب العمل في يوم السبت,فيقول: أي إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا في حفرة في يوم سبت,إنما يمسكه ويقيمه؟!مت12:11.
ويقول كذلكلاتنظر ثور أخيك أو شاته شاردا وتتغاضي عنه بل ترده إلي أخيك لا محالة..وهكذا تفعل بحمارهتث22:32.وقد امتدح الله بعض هذه الحيوانات فيما تفعله أفضل من الإنسان. فقال موبخا إسرائيلالثور يعرف قانيه,والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف.شعبي لايفهم!!أش 1:3وقال عن النملة اذهب إلي النملة أيها الكسلان,تأمل طرقها وكن حكيما…تعد في الصيف طعامها,وتجمع في الحصاد أكلها..أم6:6.
لا ننسي أيضا المواهب العجيبة التي منحها الله للنحل…
وللبحث بقية