” كتاب العمر ” ماذا يعنى ؟ وأى كتاب هذا ؟ إن كل منا بالحقيقة يملك كتاباً عن العمر … يعيش صفحاته يوماً بعد يوم، ويجد بين دفتيه من السعادة والشقاء … وهذه طبيعه الأشياء … ولنتأمل هذه المقتطفات من ” كتاب العمر ” لأحد المبدعين الكبار :
” اكتب هذا الجزء من سيرتى الذاتية ” كتاب العمر ” بعد يقظة عقلية ووجدانية حائرة مجهدة, وبرغبة منهومة وخشية لا تعرف الاستحالة, كلها ظمأ برؤية وإحتواء الوجود الفيزيقى والوجود الإنسانى، وبالحياة المستعصية على الفهم لإضطراب وفوضى تناقضاتها وبنظرة حنونة رحبة للناس البسطاء المصريين الطيبين الذين يحلمون بغد يتجاوز الضرورة الوضعية والضرورة الإجتماعية من أجل مجد وحرية الإنسان وبهجته. فكم يحزننى أنهم وفى السنوات الأخيرة يعانون القمع والاستلاب من بقايا الشمولية التى هيمنت على مقدرات الحكم منذ 1954 , وما تسببه من فساد وتشويه لمعالم شخصيتنا المصرية, ذات الآلاف من قرون التحضر والنماء والإبداع يقظة فائقة الحيوية عقلنية ووجدانية وصفاء رحب يتمكن من كل أجهزة الإدراك والحس والوعى لدى أشعر بها كل عام عقب الغرق فى لجة التآكل والهبوط النفسى والعصبى وعتامة اليآس والضجر والسأم وباطل الأباطيل, الكل باطل، وما الدنيا إلا حصاد هشيم بدم يأتى ويوم يجئ ولا أمل . التكرار والنوم الهارب من معايشه الحياة والوهن والشحوب وفقدان الشهية والمعنى والرغبة فى الحياه أظل حبيسي الفراش أسهر ولا أنام وأعد الدقائق والساعات التى تزحف ببطء مشوب بالإحساس بالزمن. وكأنها فئران سوداء كريهة الشكل تزحف على أرض تفترشها نثار الزجاج “.
وهكذا تحدث الأديب والناقد عبد الرحمن أبو عوف تحت عنوان : ” سيرتى الذاتية كتاب العمر – أحداث خاصة وعامة فى حياتى عام 1971 ” والذى يمثل واحداً من الملفات الجادة والممتعة التى تضمنها الكتاب الدورى الخامس : ” الرواية قضايا وآفاق “، والذى يصدر عن الهئية المصرية العامة للكتاب، وأننى لأعترف أننى بكتب تأثراً عندما قرأت بعض صفحات هذا الكتاب سيما التى تحكى عن رحيل والده الكاتب الذى يذكر أن ذلك الرحيل كسر قلبه وأشعره ولأول مره باليتم والضياع.
تضمن كتاب ” الرواية … قضايا وآفاق ” عدة قضايا تقف وراءها رؤية ذات شمول حى رحبة الآفاق نقدياً وجمالياً مستمدة من متابعة مجهدة لتحولات الرواية العالمية والمصرية، والتى تلاقى قبولاً وبهجة وترحيباً من قارئ متخصص سواء أكان روائياً او ناقداً او مثقفاً مهموماً بفن الرواية وظروف الوطن المصري فى مرحلة انتقال مضطربة متناقضة، تؤكد باستمرار شحوت واحتضار النظام السياسى الشمولى المطلق إلى بهجة التعددية الحزبية والمطالبة بزيادة هامش الحرية وحرية التعبير والإبداع بالذات، واحترام المعارضة، وحق الاختلاف وكل أسس المجتمع المدنى الديموقراطى.
فالرواية تزدهر وتنمو دائماً, ( كما يذكر الناقد عبد الرحمن أبو عوف) لأنها تقرأ وتفسر جدلية التحولات الاجتماعية وترصد تفاصيل عملية المخاض وتناقضاتها، بحيث ينفى كل رأى أو اتجاه صلاحيات الآخر، وأيضا تستشرف آفاق المستقبل الإنسانى والمصير الخاص والعام للإنسان فى مجتمع وثقافة ووضعية اقتصادية خاصة وعامة, وهذا درسها منذ جذور نشأتها بالمعايير العلمية الأدبية والنقدية والجمالية فى أوربا فى القرنين السابع والثامن عشر من الألفية السابقة وفى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا بالذات .
لذلك كانت مجلة الرواية تشكل استجابة لإدراك هذه الوضعية الانتقالية فى مصر، فتعددت أصوات وتجاهات الروائيين من أجل الصعود الستينيات والسبعينيات والتسعينيات . باختصار رصد الصعود والنهوض الذى تعيشه الرواي المصرية الآن بعد نجيب محفوظ, ونوبل, لقد نجحت ” الرواي قصايا وآفاق” لحد بعيد فى محاولة تقديم المشهد الروائى العالمى والعربى والمصرى فى ملفات قائمة على منهجية نقدية جدلية تقدم للقارئ المتخصص دراسات نقدية عن أبرز الكتاب القارئين الفائزين بالجوائز العالميه : نوبل الجوكر, الجنكور, البوليتزر بأقلام أساتذة ونقاد متخصصين فى هذه اللغات وآدابها .
هذا بجانب الخروج من مأزق التبعية المركزية الأوربية إلى آفاق الرواية المعاصرة فى الصين, اليابان, الهند, روسيا, إيران, ألمانيا, أمريكا الجنوبية, إسبانيا … إلخ.
بانوراما
نقرأ فى كتاب ” الرواية … قضايا وآفاق ” عن إبراهيم عبد المجيد وغنوايه الإسكندرية, جمال الغيطانى, الرواية والمقاومة, رحيل مؤسسى أدب الدراما التليفزيونية أسامه أنور عكاشة, الرواية والترجمة, أيضا نقرأ عن الراحل الإسبانى الكبير خوسيه ساراما جو ضد العنصري الإسرائيلية, اتجاهات الرواي الألمانية المعاصرة, الرواية الإنجليزية, الرواية الفرنسية, الرواية فى جنوب أفريقيا والرواية الجديدة فى غرب أفريقيا, إسبانيا مخترعة الرواية الحديثة, القلوب المتحدة فى الولايات المتحدة, الرواية الصينية, وهناك ملف خاص بعنوان ” رواية ضد الموت ” عن الروائى المتميز محمد ناجى, المعنى فى فن التصوير ” حوار مع الرسامة جاذبية سرى”، بالإضافة إلى مكتبة الرواية التى تقدم قراءات فى روايات, رجال ونساء ذلك الزمان, بصيره ساراماجو, شجرة أمى, حارة النصارى, الحرير المخملى, أيضا نقرأ شهادات الروائيين: تجربتى فى الرواية, الإبحار فى الرواية, ثقل الكتابة, أين نقاد الزمن الجميل, ذلك الشيطان الذى بداخلى, الرواية موقف من العالم, الافتتان بالرواية.
الإبحار فى الرواية
اكتشفت الكتابة منذ البداية . وهكذا تقول الأديبة الدكتورة فوزية مهران فى شهادتها ” الإبحار فى الرواية ” وتصنيف طفلة صغيرة ترقب البحر وتسع عيونها ذلك ” الواسع المحيط ” تصغى لأصواته … تنصت لصخبه وغنائه … تنتقض مع غضبه وثوراته – علمنى البحر الصمت والتأمل – وعندما ألقى بنفسى فيه أحس أنى احتضن العالم – وأسبح فى حلم وحرية فسيحة… تلك المشاعر والأفكار تعتمل فى صدرى وهى سرى وكنزى – تكون أجمل لو أعلنها للناس – أشاركها معهم – ولابد أن اكتبها حتى لا تضيع – الكتابه لا تضيعنا أبداً.
أنقذتنا الكتابة دائماً – نستعين بها على الأحداث والهجوم والآلام– نعاملها كالموسيقى – تتصاعد بها – نجليها بالمحبة– نعلو بها إلى التنوير والكشف والمشاركة وتبادل الأفكار والحوار . والأمر كما يقول الناقد ” ديزموند مكارثى ” – ” عمل الأدب الحقيقى أن يحول الحقائق إلى أفكار ” ونحن نؤمن بقوة التفكير .
—
س.س
26 فبراير 2011