تحدث البابا تواضروس الثانى خلال عظته الأسبوعية عن التجربة على الجبل والسؤال الذى يتوجه لكل شخص من خلال الإنجيل “هل تعرف تجاربك؟”، فعندما تقابل عدو الخير مع أدم الأول وحواء ادخلهم فى تجربة وسقطوا وطردوا وتعاقبوا، أما أدم الثانى – ربنا يسوع المسيح –فقد دخل فى التجربة (والكتاب يذكر لنا ثلاث تجارب او ثلاث نوعيات من التجارب) ولكنه انتصر، المسيح انتصر ليس لنفسه بل لنا فانتصار المسيح فى التجربة على الجبل صار بمثابة كنز نصر عليه لنأخذه نحن فى التجارب التى نتعرض اليها.
وقال قداسته ” الكتاب المقدس يصف الشيطان انه كذاب وأبو الكذاب والمضل والذى يهوى هلاك الناس، لهذا يعبر عنه الكتاب تعبير قوى يقول “كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ” عدو الخير طول الوقت يحاربنا، لانه يهوى اسقاط البشر، ويعمل فى النفوس الضعيفة، ويصنع تجارب عديدة، ولانه خبيث وكذاب دائما ينوع التجربة التى يدخل فيها الانسان”.
وتابع ” اريدك ان تعرف ان الشيطان لا يمل من محاربتنا، وينتهز كل فرصة ليسقطك، ومن هنا جاءت اهمية فضيلة اليقظة الروحية وجاءت فضيلة السهر وليس المقصود السهر المادى لكن المقصود السهر على حياتك، أما الامر الثانى الذى احب ان تنتبه اليه هو ان تجارب عدو الخير متنوعه، مرة تخص الجسد، مرة تخص العقل، مرة تخص النفس، مرة تخص العاطفة، حسب السن”.
أما الأمر الثالث فهو ان المسيح انتصر لحسابنا، التجربة على الجبل ليست مجرد قصة نسمعها ونقرأها، لكن الثلاث تجارب عبارة رصيد للنصرة. من هنا جاءت (الصلاة السهمية) التى نقول فيها (ياربي يسوع المسيح ارحمنى انا الخاطى او ياربي يسوع المسيح اسندنى فى هذه التجربة) كأنى بفتح الحساب واخذ من رصيد النصرة التى اعطاها لي المسيح، بصورة قريبة العبارة التى نصلي بها فى مزمور الراعى “أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” وهذا هو المعنى الجميل لانتصار المسيح ودحره للشيطان.
الأمر الرابع ان السلاح الاوحد والاول والاكثر فاعلية هو الكتاب المقدس نحن نقرأ الكتاب ليس من اجل المعرفة او للمتعة الروحية او العقلية او يقرأ فى الكنيسة لمجرد انه نظام كنسي، ابدا، نحن نقرأ الكتاب المقدس فى كل اسفاره لان هذا هو سلاحنا، هو الذى به نهزم عدو الخير ” كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.” ، وهذا هو السبب ان عدو الخير يوقعنا فى احد الخطايا وهى اهمال كلمة ربنا
التجربة الاولى: شهوة الجسد: عدو الخير يحارب باول شئ سهل وهو شهوة الجسد، شهوة الجسد لا تعنى كلمة واحده ولكنها تعنى (شهوات) الجسد ولكن اكثر شهوة فى الجسد هى شهوة الطعام، وهنا ياتى التحذر (احذر عبودية البطن!) او عادات،” ربما ذكرت لكم فى مرة سابقة عن خطيئة (البطن) وهى محبة امتلاء البطن، وهناك خطية الحنجرة وهى محبة الاصناف فى الاطعمة، واحيانا فى خطية (لها شكل مرض) وهى السمنة لانك تاكل اكثر من احتياجك ويمكن اخر يكون محتاجه، وهناك بعض المجتمعات فى الخارج اشهر مرض فيها هو السمنة، فالله لا يخلق انسان دون ان يوجد له طعام، فالله ضابط الكل، ولكن انانية الانسان وطمعه وبطنه تجعله ياخذ نصيبه ونصيب غيره ومن هنا ياتى العجز الغذائى والمجاعات”.
لذلك احذر عبودية البطن، نحن فى الصوم (خصوصا الصوم الكبير) نصوم فترة انقطاعية عن الطعام لاثبت لذاتى ان شهوة البطن لا تتحكم في، (لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ).
والتجربة الثانية- بحسب نص الانجيل – هى شهوة العين: “اعطيك هذه جميعها ان خررت وسجدت لي” تجربة بيقع فيها الكثرين حتى ناس يفترض فيهم الفهم والعلم، عدو الخير اللى زمان قال للمسيح اعطيك هذه كلها يقول لنا اليوم نفس الكلام ولكن بصورة مختلفة، لأن شهوة الطمع هذه شهوة نفسية ،أما النوع الثالث فهى شهوة البر الذاتى والعظمة: ياخذك على جناح الهيكل (موضع وموقع مهم) الناس كلها تنظر اليك، “إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ” ، شهوة العظمة والبر الذاتى تدخل تحت العاطفة والذات، فى العصر القديم كان يوجد ايوب الصديق وكان يتفاخر بنفسه ويقدم ذبائح عن نفسه وعن اولاده ويقدم عبادات، فالله يجرده من هذه ويقف امام الله يشتكى واصدقائه يعزوه وياتى له شاب يكشف له ان خطيته انه واقع فى خطية البر الذاتى وترى انك افضل من من هم حولك ووقعت فى خطية من خطايا الكبرياء وعندما بدأ ايوب يتوب ويرجع الى نفسه ويفوق قال الاختبار الجميل “بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي.” اى نعمة فى حياتى مادية أو معنوية هى بك يارب وانا دونك لست شيئاً “.
الخلاصة يا اخوتى احب ان تهتموا بها وتعرفوها ان التجارب كلها تمت فى البرية، البرية مدرسة لنضوج الانسان، فانت عندما تقرأ اختبارات أباء البرية وانت تحيا فى العالم شخصيتك تنضج روحيا، القديس الانبا بولا عاش حياته سائحا لا نعرف منه سوى عبارة واحده قالها
(من يهرب من الضيقة يهرب من الله) هل هناك اختبار اجمل من هذا، قس على هذا عبارات كثيرة، عندما يتكلم القديس ارسانيوس معلم اولاد الملوك يقول
(كثيرا تكلمت وندمت واما عن صمتى فلم اندم قط) اذن البرية نحتاجها جميعا، هى مدرسة نضوج وفيها نتعلم ايضا فن الاتكال على الله، ليس لنا سواه، حياة التسليم، كما يتعلم الانسان ايضا فى البرية حياة الانضباط وفن الاتكال على الله واعرف ان حياتى فى يدك يارب وانت تدبرها، مثل أنبا انطونيوس أب جميع الرهبان يوم ماخرج البرية لم يكن يفكر ماذا يحدث بعد سنة أو بعد عشرة ولكنه كان متكل على ربنا، لهذا نصلي فى القداس نقول الأديرة والساكنين فيها والساكنين بايمان الله، اعتمادهم على ايمانهم بربنا، ايضا فى البرية يكسر فى الانسان فكرة الذات، يتعلم الانسان شكل من اشكال الاكتفاء ذاته لا تتكبر ولا تتضخم مثل ايوب الصديق.
وفى البرية الانسان يستطيع ان يعرف ما هى رسالة الله له.. من اختبارات القديسين تستطيع ان تكتشف فى البرية عاشوا الكلمة المقدسة واختبروا الانجيل واختبروا مقاطع كتيرة فى حياتهم وعلموا اولادهم وعلموا اجيال واجيال ونحن حتى اليوم مازلنا نتعلم منهم. وهذا هو السبب الذى يجعلنا بعد ما نرسم اب كاهن جديد نجعله فى البرية اربعين يوم فهذه الاربعين معظم الأباء ان لم يكن كلهم يقولوا عنها انها لا تعوض.
وختم قداسته بأن الخلاصة هى أن نسأل أنفسنا : هل تعرف تجاربك، هل أنا منتبه لما يجربنى به عدو الخيرظن اذا كانت التجارب التى ذكرت فى البرية هى مجرد اشارات انتبه ان عدو الخير يتفنن كل يوم فى اسقاطك، “فليعطينا مسيحنا هذه النصرة فى حياتنا لالهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد أمين“.