عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق عن القدرة التعبيرية لأسلوب الدمج الـ Syllabic والنيوماتك في ألحان الكنيسة القبطية، واليوم أريد أن أتحدث معك عن البعد الطقسي للألحان القبطية.
البعد الطقسي للألحان القبطية
الألحان القبطية ليست ترانيم ترتل للعبادة، فيقف الجمهور أو يجلس لسماعها فحسب. لكنها ألحان لها ترتيبات وطقوس دقيقة متقنة عجيبة تصاحبها. وكتب الطقس التي تشرح هذه الترتيبات عديدة منها “اللآلئ النفيسة في طقوس الكنيسة” و “منارة الأقداس” بأجزائه الخمسة، و”ترتيب البيعة” بأجزائه الثلاثة وغيرها من الكتب الطقسية التي تحمل تفاصيل ترتيب كل طقس وما يصاحبه من ألحان. وعلى مدار السنة الطقسية تختلف هذه الطقوس المصاحبة للألحان حسب المناسبة الطقسية التي تعيشها الكنيسة والتي تصل الى نحو 35 طقس. وجميع هذه الطقوس والترتيبات تم إستلامها من السيد المسيح شخصيا، ومن الكتاب المقدس ومن تعاليم الرسل بالتقليد الشفاهي. إذ يقول سفر أعمال الرسل:
الَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.(أعمال 1: 3). فجميع هذه التي كلمهم عنها يسوع لمدة أربعين يوما لم تُكتب جميعها، لكن سلمها لتلاميذه الأطهار، وهم بدورهم سلموها لآباء الكنيسة الأولين.
لذلك فلحن مثل ” P8=8=x8=c a4twn4 “عند ترنيمه يدور الشمامسة في زفة طقسية حول البيعة ثلاث مرات والشعب واقفين في أماكنهم وهم حاملين الشموع والصلبان والشارات وأيقونة القيامة، مؤسسين نظرية ال Steriophonic ، التي منها تم إكتشاف فكرة أنظمة ال Sterio.
ولحن مثل ” Tai2ovri ” عند ترنيمه يدور الكاهن حول المذبحبالمبخرة ثلاث مرات تمجيداً للثالوث الأقدس ثم ينزل من الهيكل ويدور حول الشعب بالبخور من اليسار إلى اليمين ليبارك الشعب، واشارة إلى إرسال الرب رسله إلى العالم لتبشير الناس ودعوتهم إلى الإيمان باسمه. ويدور من الشمال إلى اليمين إشارة إلى أنه نقلنا من الظلمة إلى نوره العجيب، ويغمر البخور الشعب اشارة إلى نعمة الروح القدس وهي تظللهم مثلما كانت السحابة تظلل بني اسرائيل في البرية، ثم يعود الكاهن إلى الهيكل وهو يتلو سر الإعتراف حيث فيه يطلب من الله قبول اعترافات شعبه وغفران خطاياهم. كل هذه الطقوس تحيط بلحن Tai2ovri ، فتحوله من مجرد لحن إلى تجسيد روحي لمشاعر ومفاهيم إيمانية تحمل أفكار المؤمنين إلى عمق العهد القديم، إلى جدية حياة العهد الجديد عهد النعمة حيث حرية مجد أولاد الله.
وعندما يرنم الكاهن في صلاة الصلح لحن ” F5 pini25 pi2a`eneh ” ومعناه “يا الله العظيم الأبدي” ويديه عاريتين، فإن الكنيسة تريد أن تذكر شعبها بآدم عندما طـُـرِدَ عاريا من الفردوس، بينما بعد صلاة الصلح، بعدما أصلح السيد المسيح السمائيين مع الأرضيين، يضع الكاهن اللفائف على يديه لإنه أكتسي بالنعمة وصار أهلاً للوقوف أمام الله وهو يرنم ” O kvrioc meta pantwn `vmwn ” أي الرب مع جميعكم، موجهاً كلامه للشعب.
وعندما يرنم شماس المذبح مرد الإعتراف
” Am3n `am3n `am3n 5nah5 5nah5 5nah5 ge 0ai teqen ovme0m3I `am3n “، رتبت الكنيسة أن يُمسك بيده اليسرى شمعةً، وبيده اليمنى صليباً وبين الشمعة والصليب يضع لفافة مثلثة الشكل، معلناً بهذا عمل الفداء بالصليب المرفوع بيمينه، وعمل القيامة ونورها المجيد بالشمعة المرفوعة بيده اليسرى، ومؤكدا بذلك تكميل وإتمام الأسرار المقدسة ومعترفاً بأن الذبيحة المقدسة التي يُقِر بالإعتراف بها أمامه على المذبح،أنها هي المسيح الذي تجسد وصُلب وقام من بين الأموات. وفي ذات الوقت ترمز الشمعة إلى الكاروبيم الذي أقامه الله شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَلَهِيبَ السَيْفٍ المُتَقَلِّبٍ الذي وضعه لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ بعد طرد آدم من الفردوس، وإن الصليب يرمز للخلاص اللي به تم الفداء فعدنا به مرة أخرى للفردوس.
إن اللحن القبطي محاطاً بهذه الطقوس البديعة أصبح حياً نابضاً متحركاً مُحركاً لمشاعر المؤمنين فتجعلهم يعيشون اللحن من خلال الطقس الذي يحيط به. فهل يمكن أن تتساوى ألحان الكنيسة القبطية التي لها هذا البعد الطقسي العميق مع أي ألحان أخرى مهما صفق لها المستمعون؟
عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد إستطعت أن أشرح لك مفهومالبعد الطقسي للألحان القبطية وفي الأسبوع القادم سوف أتحدث معك عن البعد اللاهوتي والعقائدي للألحان القبطية فإلى أن ألقاك اتركك في رعاية ملك الملوك ورب الأرباب.