تحدثنا في الأعداد الماضية في أن ركائز التجديد في المفهوم الأرثوذكسي:
1- تتجدد طبيعتنا… بالمعمودية.
2- وتتجدد سيرتنا… بالتوبة.
3- وتتجدد حياتنا… بالعشرة.
إن تجديد الإنسان, وعودته إلي الصورة المقدسة التي خلق عليها, بل وستكون أفضل منها بعد القيامة المجيدة, هو عملية مستمرة, وهي قصة العمر كله. فالكتاب يعلمنا: ##إن كان إنساننا الخارج يفني, فالداخل يتجدد يوما فيوما## (2كو 16:4).
وإذا كان تجديد الإنسان يبدأ بالمعمودية والميرون, حيث تتقدس طبيعتنا كلها, ثم يستمر فعل المعمودية فينا من خلال التوبة المقدسة, التي يجب أن نلتزم بها طول العمر, فاستمرار عملية تجديد الإنسان يتم من خلال العشرة المقدسة مع الله, من خلال وسائط النعمة, التي من خلالها نتغير يوما فيوما, في اتجاه الوصول إلي ##الصورة عينها##, أي أن نتجه نحو أن نكون ##مشابهين صورة ابنه## (رو 29:8), بفعل روح الله العامل فينا, ونعمته الإلهية التي تواصل عملية تجديدنا.
القديس أثناسيوس وتجديد صورتنا
يقول القديس أثناسيوس الرسولي: إن عملية تجديدنا احتاجت فداء المسيح لنا. ويعطي تشبيها جميلا يجب أن نستوعب أبعاده, وذلك من خلال مثل أو قصة رمزية إذ يقول: إن ملكا كان له ابن وحيد, يحبه من كل القلب. وكان الابن مسافرا, فطلب الملك من الرسام الملهم المقيم بالقصر, أن يرسم صورة للابن الوحيد, بنفس المعالم, حتي كلما رآها الملك, رأي فيها ملامح ابنه الوحيد. وبالفعل قام الرسام برسم صورة مطابقة لملامح الابن, إذ كان يتفرس في الابن وهو يرسم الصورة. ثم سافر الابن الوحيد لفترة, وكان الملك كلما رأي الصورة, وجد فيها نفس ملامح ابنه الوحيد. وبعد فترة, لاحظ أحد العمال بالقصر, وكان شريرا, أن الملك يحب الصورة جدا, وأراد أن يضايق الملك, فألقي بسائل علي وجه الصورة, ففقدت كل ملامحها.
ولما رأي الملك ذلك, تضايق جدا, وطرد هذا العامل الشرير. وطلب من الرسام الملهم أن يعيد الصورة إلي أصلها. فطلب الرسام عودة الابن الوحيد ليستطيع أن يعيد الصورة إلي ملامحها. وبالفعل أرسل الملك إلي ابنه, فعاد إلي القصر.
ولما رأي الرسام أنه يمكن أن يرسم صورة جديدة, تماما بدلا من الأولي, طلب ذلك من الملك, فرفض الملك قائلا: ##لا… بل تجدد الصورة القديمة, وتعيدها إلي ملامحها الأولي, لأن لها ذكريات ثمينة في نفسي##.
وبالفعل جدد الرسام الصورة, وعادت تحمل ملامح الابن الوحيد. وسافـر الابـن, وكـان الملك سعيدا بتجديد الصورة.
- الملك : يرمز إلي الله الآب.
- والابن الوحيد : إلي رب المجد يسوع.
- والرسام الملهم : إلي الروح القدس.
- والصورة : إلي الإنسان… آدم…
- والعامل الشرير : هو الشيطان.
- وضرورة عودة الابن الوحيد : ترمز إلي ضرورة التجسد.
- وعدم تمزيق الصورة القديمة : يشير إلي عدم إفناء آدم وموته, وخلق آخر بدلا منه.
- وتجديد الصورة القديمة : يشير إلي عودة آدم إلي صورته المقدسة, التي خلقه الله عليها.
وهكذا يكون التجسد هو السبيل الوحيد إلي تجديد صورة الله فينا, وعودتنا إلي الصورة الأصلية التي خلقنا عليها.
***
وفي هذا يقول القديس غريغوريوس في القداس الإلهي:
##من أجل الصلاح وحده, مما لم يكن, كونت الإنسان, وجعلته في فردوس النعيم. وعندما سقط بغواية العدو, ومخالفة وصيتك المقدسة, وأردت أن تجدده, وترده إلي رتبته الأولي, لا ملاك, ولا رئيس ملائكة, ولا رئيس آباء, ولا نبيا, ائتمنته علي خلاصنا. بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست, وشابهتنا في كل شئ, ما خلا الخطية وحدها.
وصرت لنا وسيطا لدي الآب, والحاجز المتوسط نقضته, والعداوة القديمة هدمتها. وصالحت الأرضيين مع السمائيين, وجعلت الاثنين واحدا, وأكملت التدبير بالجسد## (القداس الغريغوري – صلاة الصلح).
وهكذا أصبحت للإنسان إمكانية العودة إلي الصورة الأولي. لأن الله خلقنا علي صورته ومثاله, ولما سقطنا فدانا بدمه, ليعيدنا إلي صورتنا الأولي.