أهنئك أخي القارىء بعيد لأعظم أيام الخليقة، وبعيد من أمجد أعياد الكنيسة، وباحتفال يضُم أجمل وأعمق طقوس في الكنيسة القبطية الأورثوذكسية، أهنئك بحلول عيد القيامة المجيد وبأيام الخماسين المقدسة، فمن بهجة هذه الأيام المقدسة تجعلها الكنيسة أيام إفطار ليس بها أصوام عادية أو إنقطاعية وليس بها ميطانيات، تأكيداً للفرح الدائم الذي هو عربون الفرح الأبدي في السماء حيث “هوذا مسكن الله مع الناس وهوسيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد” (رؤ21: 3، 4) وهذا هو رجاءنا الذي سببته القيامة المجيدة؛ حيث انتصر رب المجد يسوع المسيح على الشيطان وعلى الخطية وعلى الجحيم، وبالموت داس الموت وأماته.
ونحن في هذا المقال نتكلم بنعمة ربنا عن لحن يقال في القداس الإلهي “ليبون أفكاف” (وأيضا وضع في القبر)،وهو الاسبسمس الواطس الذي يقال في بدايات قداس المؤمنين.
كلمات اللحن:
وأيضا وضع في القبر، حسب الأخبار النبوية، وفي اليوم الثالث المسيح قام من بين الأموات، هلليلويا (3)، يسوع المسيح ملك المجد، قام من بين الأموات. خلصنا وارحمنا.فلتكن رحمتك وسلامك حصنا لشعبك، قدوس قدوس قدوس،رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس.
ونحاول أن نخرج بمجموعة من الأفكار والتأملات التي قالها بعض آباء الكنيسة و التي توافق كلمات هذا اللحن الجميل.
وُضع في قبر:
يقول القديس يعقوب السروجي كلمات بلاغية عميقة عن موت وقبر المسيح: “إن يوسف الرامي… لف الجسد ووضعه في القبر وكان جديدا لم يَلَجَهُ (يدخله) أحد قبراً بتولياً كان مُعَداً (كما كان بطن مريم مُعَداً) ليلد المُمَجَد بالبتولية يوسف الذي من الرامة، والرامة معناها العلاء، ومن العلاء نزل آدم الثاني ليَرُد آدم الأول إلى العلاء، كان هذا يتقلب بين خمائل الطيب في فردوس الله… فنزل ابنُ الله إلى البستان ليفتش عنه بين الشجر، لأن ذلك القبر الجديد كان في بستان الرامي، في البستان ضل الإنسان الأول،والبستان واسع فحل فيه الراعي يَنشُد خروفه الضال،…وإذ لم يجده بين الشجر وكان قد توارى عن العيان في مغارة في هوة القبر المروعة، نزل الناشد إلى القبر خلف ضالته، وبحث عنه بين تراب الأموات، وطلبه في عالم الهلاك ولذلك لم يستنكف أن يسير في طريق المائتين ويحسب نفسه مائتاً، من أجل حب عبده المائت، لأنه لما طلبه في المكان تشبه بأبناء المكان، ولما رام أن يَنشُدهُ بين العبيد أخذ شكل العبد، وإذ لم يجده في عالم النور فتش عنه في عالم الظلام، فوجده هناك وأخرجه وحمله على كتفه فرحاًمسروراً، وهكذا يفرح الرعاة بالأنفس الضالة حين يجدونها.
حسب الأخبار (الأصوات) النبوية:
وهنا نتذكر مجموعة من رموز ونبوات العهد القديم التي تكلمت عن موت وقبر السيد المسيح:
“أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب نصرني”(مز3: 5).
“وأيضا جسدي يسكن على الرجاء ولأنك لا تترك نفسي في الجحيم ولا تدع قدوسك يرى فسادا” (مز16: 8-10).
ثم استيقظ الرب كما يستيقظ النائم مثل جبار يصرخ عالياً من الخمر فضرب أعدائه وقهرهم وجعلهم عاراً مدى الدهر” (مز78: 65، 66)
“وجعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته” (أش53: 9).
“يُحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه”(هو6: 2).
قصة يونان النبي في جوف الحوت ثلاثة أيام كرمز لرب المجد الذي ظل في القبر ثلاثة أيام.
وفي اليوم الثالث المسيح قام:
لقد كانت مدة الحراسة الرسمية عند الرومان في حدود ثلاثة أيام، ولأجل هذا طلب اليهود من بيلاطس أن يحتاط ويأمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث (مت27: 64)، فلو أن المسيح قام بعد نهاية مدة الحراسة المحدد لها ثلاثة أيام، لكان لهم ما يقاومون به أمر القيامة ويطعنون فيها، فيقولون أنه سُرِقَفي وقت غياب الجنود، ولكن الذي حدث أن المسيح بادر وقام وخرج من القبر قبل انتهاء مدة الحراسة مع أنها كانت حراسة مشددة.
من بين الأموات (المائتين):
قام بقدرته الذاتية، وهذا فرق خطير بين كل من أُقيموا،سواء كانوا في العهد القديم أو في العهد الجديد، كلهم أقامهم غيرُهم، فإليشع أقام بن الشونمية بالصلاة (2مل4: 34)، وعظامه أقامت ميت حين تلامس جسده معها (2مل13: 21)، وكل من قاموا في عهد المسيح قاموا بقوته له المجد، إن كانت ابنة يايروس أو ابن أرملة نايين أو لعازر، أو حتى من قاموا يوم صلبه ومكثوا في القبور حتى قيامته، ثم ظهروا لكثيرين، وبطرس أقام طابيثا وبعد صلاة أيضا (أع9: 40)، وأفتيخوس قام عن طريق عِناق واحتضان القديس بولس الرسول له (أع20: 9-12)، كل هؤلاء أقامهم آخرون، وحتى بعد قيامتهم لابد أن يجتازوا الموت العام؛ كي لا يظلوا أحياء بجسد الخطية، وحتى يشتركوا في القيامة العامة فيقوموا بأجساد نورانية لا تموت تليق بحياة الأبدية.
أما ملكُ المجد قام بسلطانه الذاتي، سلطان لاهوته المتحد بناسوته، فقد ظَلَ السيدُ المسيح في القبر، وذهبت نفسُهُالإنسانية المتحدة باللاهوت لتحرر أنفس الصديقين الذين في الجحيم، وذهبت بهم إلى الفردوس، وعندما انتهت مهمة إطلاق الأسرى، رجعت الروح الإنسانية إلى جسد المسيح الموجود في القبر، وهو متحد أيضاً باللاهوت فلم يفسد، وقام اللاهوت بضم النفس إلى الجسد وقام السيد المسيح بجسد نوراني، جسد القيامة الذي من صفاته الخلود إلى الأبد.
ملك المجد:
نُلَقِب هذا العيد عيد القيامة المجيد؛ فرب المجد يسوع المسيح مَلِك لكل شيء مجيد، وهو الذي يُعطِي لأحباءه المؤمنين باسمه الفاعلين لوصاياه الذين يحبونه أمجاد القيامة.
فهو ملك مجد الحياة الجديدة التي يعمل فيها الروح القدس داخل الإنسان بقوة، يغلب بالمسيح القائم الشيطان والخطية والموت داخلنا.
وأصبحت هناك نصرة على قوة الخطية، فقبل قيامة المسيح كما قال القديس بولس الرسول “قوة الخطية هي الناموس”(1كو15: 56)، أي أن قوة الخطية تَكمُن في أنها موجهة ضد ناموس الله، الذي يحكم على فاعلها بالموت، والمسيح حينما مات لأجلنا أصبح لنا رجاء في المسيح أن نعبر إلى الفردوس وليس إلى الجحيم، “إذن يا إخوتي أنتم أيضا قد متم للناموس بجسد المسيح” (رو7: 4)، أي نفذنا للناموس الحكم بالموت ولكن من خلال موت فادينا الحبيب، الذي أعطانا مجد الأبدية السعيدة فهي أبدية ممتدة ومستمرة بلا نهاية كما قال رب المجد “أنا حي فأنتم ستحيون” (يو14: 19).
ومجد الاتحاد به “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في4: 13)، “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه” (يو6: 56).
ومجد النصرة “يعظم انتصارنا بالذي أحبنا” (رو8: 37)،”أين شوكتك ياموت أين غلبتك ياهاوية” (1:و15: 55).
وفي القيامة أمات المسيح الموت، فلم يصير له قوة بل أصبح الجسرَ الذهبي إلى الأبدية السعيدة مع المسيح.
وهو ملك لمجد الخلود، الذي يُعطيه للغالبين فيحيوا إلى الأبد مع المسيح القائم المنتصر.
وأعطانا كذلك مجد الجسد النوراني الذي قام به، والذي سنأخذه في الحياة الأبدية “سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده” (في3: 21).
رابط لحن أسبسمس واطس عيد القيامة المجيد: