الأمين العام للهلال الأحمر المصري( فرع السويس)
لطالما كانت الحرب مرتبطة بوجود الانسان وكان القانون الذي ينظمها في المجتمعات القديمة هو شريعة الغاب أو قانون القوي وكان مبدأ الانتقام الشخصي هو العرف السائد في هذه المجتمعات ، ولقد حظيت الحرب باهتمام الامم القديمة فجعلوا لها الهة سميت بالهة الحرب مثل مارس عند الرومان والاله زيوس عند اليونان والاله حورس عند المصريين.
غير أن المجتمعات القديمة لم تكن على درجة واحدة من حيث السلوك في الحرب فقد كان هناك من يقاتل بوحشية وقوة عنيفة مثل الاشوريين الذين كانت القاعدة لديهم أن كل شيء مباح، وكان هناك ايضا من هم اقل عدوانية في حروبهم ويطبق قواعد انسانية تشبه تلك القواعد التي نعرفها في المجتمعات المعاصرة فكانت المعارك تتوقف لفترة من الزمن من أجل نقل جثث القتلى والمصابين والجرحى وابعادهم عن مواقع القتال.
كما أن كثيرا من اساليب القتلك نجد اصولها لدى الشعوب القديمة فالقوانين التي تميز بين مختلف انواع الاعداء والقواعد التي تحدد ظروف القتال وبداية وانتهاء الحرب والقواعد المقيدة للاشخاص والاماكن وقيادة العمليات الحربية وسائر القوانين الاخرى نجد اصولها وجذورها لدى الحضارات القديمة ومن هذه الحضارات هي الحضارة الصينية القديمة التي تاسست على مبادئ الحكمة والمثل والمبادئ السامية والتي عبر عنها الفيلسوف كونفوشيوس في كتاباته عندما نادى بوحدة الانسانية وبضرورة نشر السلام وتعميمه في جميع ارجاء العالم وان الشعوب مهما اختلفت في الجنس واللغة والدين فطبيعتهم الانسانية واحدة وهم بصفتهم هذه لابد ان يندفعوا نحو الخير ويقاوموا الشر ويطبقوا مبادئ العدالة المتبادلة.
فكانت اذا ماوقعت الحرب لدى الصينيين فانها لاتقوم الا بين دولتين متساويتين وتعد الصين اول من ارست قواعد قانونية لنزع السلاح في العصور القديمة اذ ابرمت أول معاهدة لنزع السلاح ومنع الخروب والنزاعات وتحقيق السلام الدائم عام 600 ق.م . ويكشف لنا قانون مانو الذي قامت عليه الحضارة الهندية، والذي جمع عام 1000 ق . م من نصوص سابقة عليه عن درجة متقدمة من المعاملة الانسانية التي تصل الى حد التسامح فيما يتعلق بشؤون الحرب فالمحارب الشريف طبقا لها لاضرب عدوه النائم او الذي فقد درعه او كان عاريا او الذي يولي الادبار.
وقد وصفت هذه المبادئ بانها مبادئ سابقة لعصرها كثيرا فيما يتعلق بالمحاربين اذ كانت تمنع قتل العدو المجرد من السلاح أو الذي استسلم، كما توجب اعادة الجرحى الىذويهم فور شفائهم كما تنص على عدم مشروعية الاسلحة المسممة والسهام الحارقة وكذلك منع مصادرة ممتلكات العدو وكان اسوكا ملك الهند يامر قواته باحترام جرحى الاعداء ويحث رجال الدين على تقديم العناية لهم.
وقد ارتكزت مفاهيم الحرب والعلاقة بين المحاربين لدى قدماء المصريين على اساس من القيم والمبادئ الاخلاقية في الحضارة المصرية القديمة فكان هناك مايسمى بالاعمال السبعة للرحمة وهي : اطعام الجياع وارواء العطشى وكسوة العراة وايواء الغرباء وتحرير الاسرى والعناية بالمرضى ودفن الموتى ، وتنص وصية الالف الثانية قبل الميلاد على ضرورة تقديم العزاء حتى للعدو وكان الضيف مقدسا لايمس بسوء حتى ولو كان عدوا .
ويدل التاريخ على أن أول معاهدة للصلح تمت بين رمسيس الثاني فرعون مصر وبين امير الحيثيين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد (1269 ق.م ) اذ اوفد امير الحيثيين من يطلب الصلح والتحالف على ان يسود السلام بين البلدين ويتعهد الطرفان بانهاء الغارات على الحدود وان من يخرج على ملكه من الشعب ويهاجر الى بلاد الملك الاخر يرده الاخير الى سيده سالما وذلك على اثر الحروب التي دارت بين جيوش مملكة مصر والحيثيين في آسيا الصغرى والتي دامت مايقرب من عشرين عاما ومن اهم معاركها الفاصلة معركة قادش وقد انتهت تلك الحروب بانتصار الجيش المصري على جيش الحيثيين وقائدهم وتضمنت هذه المعاهدة بنودا تتعلق بتسليم المجرمين تعد اساس القواعد المعاصرة لهذه المسالة في الوقت الحاضر.
وفي الحضارة اليونانية حيث كان اليونانيين القدماء يعدون انفسهم شعبا فوق كل الشعوب ومن هذا المنطلق كانت علاقتهم بالشعوب الاخرى لاضابط لها، وقد كانت في الغالب عبارة عن علاقات عدائية وحروبا تتصف بالقسوة لاتخضع لاي قواعد ولاتراعى فيها اي اعتبارات انسانية، وهذا على خلاف علاقات المدن اليونانية ذاتها ببعضها قبل الغزو المقدوني نظرا لاتحادهم بالجنس واللغة والدين وهذا مادعى الفيلسوف الاغريقي افلاطون الى القول بان مدلول الحرب يقتصر على القتال بين اليونان والبرابرة اما الحروب بين اليونانيين بعضهم البعض، فقد عدها افلاطون امراضا ونزاعات ودعى الى ضرورة تجنب هذه الحروب فيما بينهم أو على الاقل ممارستها باعتدال ، ومع كل ماتقدم فقد عرفت الحضارة اليونانية القديمة مبادئ اخلاقية تندد بالحروب وتمضي بضرورة تحديد سببها قبل بدئها والاعلان المسبق لها وقواعد اخرى تتعلق بتبادل الاسرى واحترام حياة اللاجئين الى المعابد وعدم الاعتداء او تعذيب الاسرى والمحافظة على حياتهم واحترام حرمة الاماكن .
ويذهب بعض الباحثين الى أن الاغريق القدماء قد قاموا بوضع قانون مبني على القانون العالمي ويقوم على اساس تحديد المعاناة والدمار الملازمين للاعمال الحربية وان الملك البربري اكسيركز حينا علم بان الاغريق ، قاموا بقتل بعض المبعوثين رفض أن ياخذ بالثأر على اساس انهم انتهكوا قانون البشرية وانه لم يفعل بدوره الاثم نفسه الذي يتهمهم به.