موائد صيارفة وباعة حمام وباعة بقر وغنم تراصت بضائعهم فى أقدس بقعة على وجه الأرض كلها، ذلك الهيكل الذي دخله الرب يسوع المسيح ليجده على هذه الحالة الرثة البالية الأثيمة المغتصبة فنطق بكلمات كثيراً ما مرت علينا دون أن تستوقفنا رهبتها “جعلتموه مغارة لصوص” ( مت ١٣:٢١ ).
ولا تظن صديقى أن هذه الحالة المزرية كانت فى القدس أو قدس الأقداس ولأن الرب يسوع احتد بسبب أسعار الباعة ولا لأنهم كانوا يغشون فى معاملات البيع والشراء وكأن السيد المسيح عالج تقصير البلدية ومفتش التموين فى ذلك الوقت! لكن ما أحزنه فى الأمر هو انحراف الهدف الأوحد الذي بنى من أجله بيت الرب لكى بمخافة وبهجة روحية نلتقى فيه بملك الملوك ورب الأرباب من أول ما تطأ أقدامنا أعتابه “لأن يوما واحدا فى ديارك خير من آلاف” ( مز ١٠:٨٤).
لهذه الكلمات النارية “جعلتموه مغارة لصوص” تأملات أبائية كثيرة، لكن النكتة المبكية والمفارقة المحزنة والمؤسفة أن المشهد عاد ليتكرر من جديد بنفس الصورة وربما بنفس المبررات التى كسرت قلب المسيح يوم أن صنع سوطا من حبال ليطردهم جميعاً.
وياليت الأمر وقف عند حد هذه الصورة الحرفية والتى أصبحت معتادة فلم تعد تزعجنا – تماما كما كان اليهود آنذاك متصالحين مع هذا المشهد الشاذ – بل امتد إلى اللا توقير واللامهابة وحتى أحيانا اللا لياقة بدرجاتها وصورها المختلفة لتهان قداسة بيته إن كنا مازلنا متذكرين أن هذا جزءاً من بيته والذى هو بيت الصلاة يدعى .
إن أنسى فلن أنسى أب اعتراف جيلنا فى أسيوط الراهب أشعياء حين كان فناء الكنيسة ساحة لممارسة سر الإعتراف لساعات طويلة ولو سمع أثنائها همسا أعاد التنبيه علينا أن نقضى انتظارنا فى خلوة صلاة واستعداد للاعتراف.
لا أنسى ما غرسته الكنيسة فينا من استعدادات خشوعية فى طريق ذهابنا إلى بيت الله و ما يصلّى من مزامير كتهيئة للنفس والتى ما أن ترى مناراتها حتى تستكين مشاعرها “كعصفور وجد بيتا” (مز ٣:٨٤ ) وما أن تعبر بوابة بيت الرب حتى تنعزل تماما عن صخب العالم وضجيجه، ويصبح هدوء الفناء الذى لا يشقه إلا أصوات الطيور المسبحة مقدمة وتهيئة لمشاركة الملائكة والخليقة كلها فرح تسبيح رب المجد، حتى أن من غابت عن وعيه المهابة والقداسة اللائقة ببيت الرب تعيده هذه السكينة إلى صوابه وما يجب ان يكون عليه حالنا من إغلاق لكل الحواس لتستعذب نغمات رب البيت الشجية “صوت حبيبى هوذا آت طافراً على الجبال ” ( نش٨:٢).
عفوا سيدى فالمبررات كثيرة ولم يعد هناك استجابة لسوطك الرقيق أو لصوتك الحنون. “يا ليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع” (ار ١:٩ ) فأبكى إلى أن يعود البيت ومن فيه لرب البيت “الأحداث والعذارى أيضا الشيوخ مع الفتيان ليسبحوا اسم الرب لأنه قد تعالى إسمه وحده . مجده فوق الأرض و السموات” (مز ١٢:١٤٨ )